في الرابع والعشرون من فبراير العام الماضي 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شن عمليات عسكرية داخل الأراضي الأوكرانية، حيث بدأت الحملة بعد حشد عسكري طويل، والاعتراف الروسي بجمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة من جانب واحد وجمهورية لوجانسك الشعبية، أعقبها دخول القوات المسلحة الروسية إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، وبعد خطاب إعلان "بوتين" عن عملية عسكرية بهدف "تجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها"، بدأ القصف على مواقع في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مناطق في العاصمة كييف.
الرأي العام توقع أن تكون حربا خاطفة تستمر عدة أيام، لكنها طالت لتكمل عامها الأول، دون أن يلوح في الأفق أي حل سياسي ينهي هذا النزاع الذي أصاب كل ركن من أركان العالم بدرجات متفاوتة.
العالم الذي كان يستعد للإفاقة من تأثير جائحة فيروس "كورونا"، التي أصابت القطاعات الصحية بالموت، وأوقفت الحركة السياحية والتجارية في قارات العالم، لكن الحرب أبت ذلك وأكملت على الاقتصاد العالمي ليهبط إلى القاع.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
أزمة اقتصادية عالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية
وعلى الفور انقلبت الأوضاع الاقتصادية ليست في روسيا وأوكرانيا فقط، بل تأثر العالم بأكمله، وارتفعت أسعار خام برنت فوق 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، وزادت أسعار القمح التي تنتج منه روسيا وأوكرانيا 30% من إمدادات العالم، إلى أعلى مستوى له منذ عام 2008، وفاق مؤشر التضخم في الدول مستويات لم يصل إليها من قبل، وتسبب العمليات العسكرية بين البلدين، في أزمة اقتصادية عالمية وارتفاع غير مسبوق في الأسعار بكل دول العالم.
أسرعت دول أوروبا وأمريكا، وبعض الدول الأسيوية، في فرض عقوبات اقتصادية ضخمة على السلطات الروسية، ومنعت قادتها من دخول أراضيها، وجمدت أموال موسكو لديها، مما أدى إلى أكبر صدمة للاقتصاد الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991، حيث انهارت المؤشرات الروسية في البورصات العالمية، وفي يوليو 2022، تخلفت روسيا عن سداد سنداتها الأجنبية للمرة الأولى منذ الشهور الكارثية التي أعقبت الثورة البلشفية في 1917.
هبوط الأسهم العالمية
دعم غربي بالمال والسلاح إلى أوكرانيا
اختلفت دول العالم حول رفض ودعم الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن الرافضين للحرب وداعمين كييف، كأن أكثر المواقف السائدة في العواصم العالمية، فقدمت الولايات المتحدة أسلحة ومعدات لأوكرانيا خلال عام 2022 بقيمة 22,9 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين الدول الداعمة، ومن أهم الأسلحة الثقيلة التي قدمتها لأوكرانيا راجمات صواريخ هيمارس وأنظمة دفاع جوي ومدافع ومروحيات ومسيرات وناقلات جند مدرعة من طراز برادلي وغيرها.
واحتلت بريطانيا المركز الثاني بين الدول الداعمة لأوكرانيا، حيث قدمت لها خلال عام 2022 مساعدات عسكرية بقيمة 4,1 مليار يورو، ومن بين الأسلحة التي قدمتها راجمات صواريخ من طراز M270، وأسلحة مضادة للدروع ومئات الصواريخ قصيرة المدى وأنظمة دفاع جوي وناقلات جند مدرعة.
الرئيس الأوكراني يتفقد الأسلحة
أما ألمانيا فقدمت مساعدات عسكرية لأوكرانيا خلال العام الماضي بقيمة 2,3 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين داعمي أوكرانيا، من بين الأسلحة الثقيلة التي قدمتها ألمانيا راجمات صواريخ وأنظمة دفاع جوي أهمها Iris-T ومدافع هاوبتس 2000 المدرعة المتحركة ومدافع غيبارد ذاتية الدفع المضادة للطيران، ووافقت على توريد دبابات "ليوبارد1"، كما قدمت ألمانيا لأوكرانيا نظام الدفاع الجوي الصاروخي باتريوت وناقلات جند مدرعة من طراز ماردر، بالإضافة إلى ذلك قدمت برلين شاحنات عسكرية وكاسحات ألغام وقذائف وطلقات من مختلف الأنواع والأعيرة وغير ذلك من العتاد والمعدات للجيش الأوكراني.
كما قدمت بولندا لجارتها أوكرانيا دعما عسكريا خلال عام 2022 بقيمة 1,8 مليار يورو، وبذلك كانت رابع داعم لأوكرانيا على المستوى العالمي، وكانت دبابات T72 وناقلة الجند المدرعة BMP السوفياتية الصنع من أبزر الأسلحة والمعدات التي قدمتها وارسو لكييف.
ووصل حجم المساعدات العسكرية الكندية لأوكرانيا إلى 1,4 مليار يورو في عام 2022 ولتحتل بذلك المرتبة الخامسة بين داعمي كييف، وتعتبر مدافع الميدان M-777 من أبرز ما قدمته كندا بالإضافة إلى راجمات صواريخ وقنابل يدوية وذخيرة.
وحصلت أوكرانيا على مساعدات عسكرية بقيمة 600 مليون دولار من النرويج عام 2022، وهي سادس أكبر دولة داعمة لأوكرانيا، ومدافع هاوبتس المتحركة من طراز M109 وقذائف وقطع غيار، بالإضافة إلى صواريخ أرض جو مضاد للطيران من طراز Mistral وأخرى مضادة للدروع.
أما بخصوص فرنسا فقد احتلت المرتبة السابعة بين أكبر الدول الداعمة لأوكرانيا، حيث وصلت قيمة مساعداتها العسكرية إلى 500 مليون يور خلال العام الماضي، ومن أبرز الأسلحة التي قدمتها كانت مدافع سيزر وصواريخ ميلان المضادة للدروع وصواريخ أرض جو من طراز ميسترال.
خسائر بشرية مفزعة بسبب الحرب
ووفق لتقارير غربية، ارتفعت حصيلة الخسائر البشرية في صفوف العسكريين والمدنيين من الجانبين الروسي والأوكراني، ووصلت إلى حصيلة مفزعة، مع دخول الحرب عامها الأول، وبحسب بيانات صادرة من إدارة الأركان الأمريكية في نوفمبر 2022، سقط خلال الحرب حتى: 100 ألف جندي روسي ما بين قتيل وجريح - 100 ألف جندي أوكراني على الأرجح- 40 ألف مدني أوكراني -وتحوّيل ما بين 15 و30 مليون أوكراني إلى لاجئين".
أما عن الحصيلة الرسمية عن الخسائر بتحدث عنها وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، في 21 سبتمبر 2022، حيث قال إن قواته فقدت نحو 6 آلاف جندي في المعارك منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
القوات الأوكرانية
وفي بيانات سابقة للوزارة الروسية أشارت إلى أنها تمكنت من تدمير: أكثر من 4 آلاف دبابة ومدرعة أوكرانية، ونحو 400 طائرة، بين مقاتلة ومروحية - إسقاط وتدمير 1650 طائرة مسيّرة - تدمير مئات من منصات الدفاع الجوي لا سيما من طراز "جافيلين" و"نلاو". - إسقاط أكثر من 200 صاروخ "هيمارس" الأميركي لأوكرانيا - تدمير 33 مدفع "هاوتزر" أميركيا و5 قاذفات صواريخ "هاربون" المضادة للدبابات.
وفي المقابل، لا تكشف كييف صراحة عن حجم خسائرها، لكن مسؤولين يلمحون بين حين وآخر إلى أنها تتراوح بين 50 و200 جندي يوميا، بحسب اشتداد المعارك وخريطتها، مع الإقرار بخسائر هائلة لحقت بالبنية التحتية، وتجاوزت 750 مليار دولار، فضلا عن نزوح ولجوء الملايين إلى دول الجوار.
وبحسب قائد القوات المسلحة الأوكرانية الجنرال فاليري زالوجني، فإن هناك قرابة 9 آلاف من الجنود الأوكرانيين قتلوا في الحرب.
لاجئون بسبب الحرب
وأوضحت الخارجية الأوكرانية، أن لخسائر الروسية حتى تاريخ أكتوبر الماضي، تتلخص في : " مقتل 63 ألف و800 جندي روسي - إسقاط 268 طائرة حربية و240 مروحية و1182 طائرة مسيرة - تدمير 2511 دبابة و16 سفينة حربية و5167 مركبة عسكرية – تدمير 1556 مدفعا و357 راجمة صواريخ و183 نظام دفاع جوي- تدمير معدات أخرى وإسقاط 316 صاروخ كروز – بالإضافة إلى التقارير الغربية التي تشير إلى أن الجيش الروسي فقد نحو 6000 قطعة من المعدات منذ الحرب، فضلا عن نقص في الإمدادات الحيوية لمحركات الديزل والمروحيات وأجزاء محركات الطائرات ودباباتها المدرعة.
الخسائر اللوجستية في الحرب الروسية الأوكرانية
بعد توغل القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية، ففقدت كييف، سيطرتها على نحو 22 % من أراضيها منذ ضم روسيا للقرم في 2014. وتعرضت لفقدان مساحات شاسعة من ساحلها، وتقوض اقتصادها وتحولت بعض المدن إلى أراض قاحلة بسبب القصف الروسي، ووفق لتقديرات البنك وصندوق النقد الدوليين، فسينكمش اقتصاد أوكرانيا بنحو 45%، وتحتاج لإعادة إعمار كلية بعد الحرب ستكلف قرابة 750 مليار دولار.
وتراجعت المساحات المزروعة بالمحاصيل الشتوية في أوكرانيا بنحو 40 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وفقا للنائب الأول لوزير الزراعة الأوكراني تاراس فيسوتسكي.
أما عن خسائر روسيا، ووفقا لتقديرات مجلة " فوربس" الأميركية، التي تشير إلى أن روسيا فقدت منذ بداية الحرب نحو 121 ألفا و42 قطعة من المعدات بقيمة 16.56 مليار دولار، مشيرة إلى أن هذا لا يشمل ما استخدمته روسيا من صواريخ.
كما تكبدت موسكو 5 خسائر عسكرية تكلفتها أكثر من مليار دولار، وهي كالتالي: السفينة الحربية "موسكفا" التي تقدر قيمتها بنحو 750 مليون دولار - طائرة من طراز (Il-76) قيمتها 86 مليون دولار. - سفينة هجومية برمائية "ساراتوف" بقيمة 75 مليون دولار. - طائرة من طراز (Su-30SM) بقيمة 50 مليون دولار- طائرة من طراز (Su-34) بقيمة 40 مليون دولار.
المفاوضات الروسية الأوكرانية
لا سلام في القريب العاجل
وعن حول الأزمة أو وقف الحرب في الوقت القريب، استبعد أحد كبار المسؤولين الأوكرانيين، عقد محادثات سلام مع موسكو ما لم تنسحب روسيا من أوكرانيا.
وكتب ميخايلو بودولياك، وهو المستشار السياسي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عبر تويتر، إنه كي لا يلحق الخزي بالسياسة العالمية والأمن العالمي الحقيقي "لا بد أن تنتهي الحرب بانتصار أوكرانيا".
وأضاف: "يمكن أن تبدأ المفاوضات حينما تسحب روسيا قواتها من أراضي أوكرانيا. الخيارات الأخرى لا تفعل شيئا إلا منح روسيا الوقت لإعادة تجميع قواتها واستئناف الأعمال القتالية في أي لحظة".
خطاب بوتين السنوي
وفي أول خطاب سنوي له منذ إعلان الحرب، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعليق العمل بمعاهدة "ستارت" للحد من الأسلحة الاستراتيجية الموقعة مع الولايات المتحدة، واتهم الغرب في خطابه السنوي للأمة باستخدام النزاع في أوكرانيا لـ"القضاء" على روسيا، قائلا إن روسيا تواجه اليوم خطرا وجوديا ومن المستحيل هزيمتها في أرض المعركة، وستتعامل "بطريقة مناسبة" إزاء تحويل الصراع إلى مواجهة عالمية.
وقال بوتين في بداية خطابه أمام النخبة السياسية في البلاد وعسكريين قاتلوا في أوكرانيا: "أتحدث في لحظة صعبة ومهمّة لروسيا، في فترة تشهد تغييرات أساسية في جميع أنحاء العالم، إن تدفقات المال الغربية للحرب لا تنحسر، وأن الغرب أخرج المارد من القمقم، مؤكدا أن "النخب الغربية لا تخفي هدفها: إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، أي القضاء علينا مرة واحدة وإلى الأبد".
بوتين في خطابه السنوي
وأضاف بوتين أن الغرب هو من بدأ الحرب، وإن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تسعى "لسلطة غير محدودة" في الشؤون الدولية، في حين حاولت روسيا وتحاول إيقافها، وإن وعود وكلمات القادة الغربيين كانت مجرد ذرائع لكسب الوقت لإعداد أوكرانيا للمواجهة، في حين كانت روسيا منفتحة ومستعدة للحوار وتسعى لضمانات أمنية للجميع بمساواة وعدل، حسب قوله.
وتابع قائلا إن موسكو تتحدى محاولات الغرب لتدمير الاقتصاد الروسي عن طريق حزمة غير مسبوقة من العقوبات، مضيفا أن تريليونات الدولارات على المحك بالنسبة للغرب لكن تدفقات الدخل الروسي لم تنضب.
وأوضح: "كنا نعرف أن الخطوة التالية بعد دونباس هي الهجوم على القرم. نحن ندافع عن وطننا، الغرب أضاع 150 مليار دولار لتسليح أوكرانيا، ومنح خلال عام 2020 الدول الفقيرة 60 مليار دولار.. قارنوا الأرقام، الغرب كان يلعب بأوراق مخلوطة ويحتفل بخياراته فهو معتاد أن يبصق على العالم كله".
واستطرد قائلا: "نحن لا نحارب الشعب الأوكراني، هذا الشعب أصبح أسيرا للغرب على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري"، متهما الغرب باستخدام أوكرانيا "كساحة للحرب"... وأكد أنه كلما زاد مدى الأسلحة التي يزوّد بها الغرب أوكرانيا، ستقوم روسيا بدفع العدو بعيدا عن أراضيها.
وفي إشارة إلى العقوبات الدولية على بلاده، اعتبر بوتين أن الغرب "لم يحقق شيئًا ولن يحقق شيئا"، في الوقت الذي قاوم فيه الاقتصاد الروسي بشكل أفضل مما توقعه الخبراء، حسب قوله.
ومضى يقول "لقد حرصنا على استقرار الوضع الاقتصادي وحماية المواطنين"، معتبرا أن الغرب فشل في "زعزعة استقرار مجتمعنا".
روسيا تعلق العمل بمعاهدة "ستار" مع أمريكا
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطابه، أن روسيا علقت مشاركتها في معاهدة "ستارت" الموقعة مع الولايات المتحدة، والتي تضع قيودا على الترسانات النووية الاستراتيجية لدى الجانبين.
وقال بوتين لنواب البرلمان "في هذا الصدد، أجد نفسي مضطرا إلى الإعلان اليوم أن روسيا علقت مشاركتها في معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية".
وقد وقعت المعاهدة عام 2010 من قبل الرئيسين الأميركي والروسي، حينئذ، باراك أوباما وديمتري ميدفيديف، وتفرض المعاهدة قيودا على نشر الولايات المتحدة وروسيا الأسلحة النووية الاستراتيجية؛ فهي تنص على ألا يزيد عدد الرؤوس النووية لدى كل من الطرفين على 1550 رأسا، و700 قاذفة استراتيجية.
الرئيس الأمريكي جو بايدن
وتم التوقيع على الاتفاقية رسميا في الأسبوع الأول من فبراير2011 بعد التصديق عليها في الكونغرس الأمريكي في ديسمبر 2010، وفي مجلس الدوما الروسي في يناير 2011. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بمدى زمني يمتد 10 أعوام ينتهي في 5 فبراير 2021.
وتعد هذه المعاهدة آخر عملية لمراقبة الأسلحة النووية بين واشنطن وموسكو، وجاءت على إثر معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية لعام 2002، التي انتهى العمل بها مع دخول معاهدة ستارت الجديدة حيز التنفيذ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة