تتناول الأفلام المصرية قضايا وموضوعات تستهدف تزويد الفرد بصورة ذهنية صحيحة عمّا يدور حوله من أحداث وتطورات على الصعيد المحلي أو الدولي، ما يُسهم في بناء وتشكيل وعي الأفراد تشكيلًا سليمًا يحقق لهم الحماية اللازمة من الأفكار المغرضة الهدامة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ محتوى تلك الأفلام يدعو إلى السلوك المجتمعي الحميد، ويعمل على إكساب الفرد خبرات مليئة بالمعرفة والممارسة، تزيد من فاعليته وتكيفه مع مجتمعه.
ومما يزيد من أهمية دور تلك الأفلام، وخطورتها، أنها محلّ اهتمام ومشاهدة جميع الفئات العمرية، وأنها بمحتواها تُعد أداة تربوية مهمة وخطيرة، ينبغي أن تخضع لمراقبة وتقويم مستمر قبل عرضها.
والمُتمعن في محتوى الأفلام المصرية يجد أنها لا تبعد كثيراً عن الواقع المعاش، وإسقاطاتها على المشكلات المجتمعية بصورة عميقة تضمن تفاعل الفرد معها؛ حيث تُعبر عن همومه أو ما يمر به من أزمات أو ما يعانيه من مشكلات أو تحديات حياتية، وقد يجد أو يستبصر أو يستقرئ أو يستنتج الحل المناسب له وفق طبيعة ما يحيط به من متغيرات متباينة.
حرى بالذكر، أن مُعظم سيناريوهات الأفلام المصرية تتسم بالصدق في أحداثها، وهذا يدل على أنها مرت بمراجعات وصياغات عديدة؛ فهناك المشهد الذي يحمل الصورة السلبية، ويؤكد عبر مفرداته على الحل إن توافرت معطياته، أو يوصي بإجراءات عاجلة تساعد في إرسائه من خلال أصحاب المسئولية من أفراد أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية، وهناك المشهد الذي يحمل بين طياته الصورة الإيجابية التي تعضد السلوك القويم والقيمة التي يحض عليها المجتمع، وهناك المشهد الذي يترجم نظرة التفاؤل والأمل لمستقبل آتٍ لا محالة، ويؤدي هذا وذاك أصحاب رسالة الفن (الفنانون) المبدعون في الأداء الذين يمتلكون المهارة والمقدرة على إيصال المعنى للمشاهد في ميقات محدد.
ومقربة سيناريوهات الأفلام المصرية من الواقع ساهمت في إيضاح الصورة المتقلبة التي تمر بها المجتمعات؛ فقد مر النموذج المصري بمرحلة غير مسبوقة من النهضة في شتى مجالات الحياة؛ حيث تبنت الجمهورية الجديدة استراتيجية تنموية في قطاعات الدولة المختلفة دون وجل أو ترقب مدعومة من قيادتها السياسية الرشيدة، ولا يخفى ذلك على القاصي والداني، وبات نجاح تلك التنمية مرهون بشراكة مجتمعية داعمة، ووعي بمقدرات الدولة وما تبذله مؤسساتها من جهود مضنية لتحقيق إعمار مستدام لأجيال وأجيال قادمة، وهذه الصورة الواقعية حفزت السينما المصرية على إنتاج المزيد من الأفلام المصرية التي تستثير الضمير الوطني الداعم لمسيرة التنمية، ورصد النماذج الملهمة في مقابل استعراض لذوي النماذج التي تحمل النقد الهدام، كما أكدت بعضها على دور المؤسسات الأمنية في فرض الأمن والأمان بربوع الوطن الحر في مقابل بذل الدم والشهادة بغية الاستقرار الذي يحقق التنمية المستدامة لشعب بات ينشد جودة الحياة بمكوناتها المختلفة.
ولأن المرأة لها مكانة متميزة، وخاصة في خلدان المصريين، فقد حازت قضاياها قدراً كبيراً من موضوعات السينما المصرية؛ فمنها ما يرتبط بميدان العمل وصورتها فيه، وبصمتها في تطوير وتحسين مجتمعها وفق ما تقدمه من جهود مضنية ومتواصلة تسهم في بنائه، وتشكل مزاجه الوجداني. وفي المقابل هناك العديد من التحديات التي تقف حجر عثرة أمام أهداف المرأة المرتبطة بغايات المجتمع في المقام الأول، وطموحاتها التي تتعالى علو السحاب في السماء، ومن ثم يتوجب على الرسائل التي تحملها سيناريوهات الأفلام المصرية أن ترسم الصورة الذهنية العميقة والصحيحة للمرأة في مجتمعنا المتماسك والتي تشكل ضميره الواعي.
وتستعرض سيناريوهات الأفلام المصرية قضايا عديدة تشكل مدى ترابط النسيج المجتمعي، وفي مقدمتها لغة الحوار بين الأفراد في العمل والبيت والأماكن العامة، والتي تستند على آداب ينبغي التحلي والتمسك بها بغض النظر عن المتغيرات التصنيفية من سن وثقافة وطبيعة مكان؛ لضمان وصول أفراد المجتمع لمستوى راقٍ من الوعي على مستوى الحوار، أو الفهم الصحيح للقضايا مثار الجدل وتباين الرأي.
وتُلقي سيناريوهات الأفلام المصرية بظلالها على أصالة المجتمعات وقت الأزمات منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا، وفق مجريات الأحداث التي تلبدت بالثورات والاحتجاجات، والاجتياحات بين حدود الدول في صورتها العسكرية وغير العسكرية، وفي خضم ذلك استهدفت سيناريوهات الأفلام المصرية تعضيد المواطنة والانتماء، والتي تعني استعدادًا كاملًا للتضحية من أجل الوطن ورقيه، وأن مهمة خدمة الوطن تعني أن الفرد جنديٌ من جنود الوطن الذين يُسهمون في بنائه ورفعته وازدهاره ومنعته، وأن ذلك لا يتأتى إلا من خلال قيم مترسخة أصيلة في وجدان الفرد يقرها ويحرص عليها المجتمع مثل قيم الانتماء والولاء للوطن.
وتبذل الأفلام المصرية في إنتاجها الضخم جهودا مضنية لإبراز صورة الفلكلور المصري العريق الذي يعبر عن الثقافة والفنون والتراث والأغاني ومجموع العادات الخاصة بالثقافة المصرية، وفي المقابل يلاحظ المشاهد الناقد ضخامة الإنتاج والخداع البصرى التي تشكل فرقاً بين ما تعرضه الأفلام الأجنبية التي تقوم فلسفتها على الهيمنة الفكرية الثقافية وتعظيم دور الدولة بصورة أحادية بغض النظر عن التاريخ الثقافي الحاكم، وبين الأفلام المصرية التي تؤكد في رسالتها على الإبداع والجماليات البصرية المرتبطة بالثقافة الأصيلة للشعب المصري، كما تظهر سيناريوهات الأفلام المصرية دور تباين الثقافات في التربية وفق أنماطها الأسرية والجنسية والوجدانية؛ لتصف بدقة خصائص المجتمعات على مستوى البسيطة؛ بغية إرسال ثوابت ثقافاتها وهويتها التي ترغب منظمات مناهضة للنيل منها بطرائق يصعب حصرها وتناولها عبر الفضاء أو الاستقطاب المباشر.
وهناك العديد من الأدوار التي ينبغي أن تتناولها سيناريوهات الأفلام المصرية بعمق، ومنها صور العلاقات بين الجنسين عبر مواقع التواصل الافتراضي؛ لتسلط الضوء على أن ادعاء المثالية بين الطرفين يعد ضربا من الخيال، وأن إخفاء السلبيات بين الطرفين يعد خداعا وكذبا، وتوضح أن الإعجاب والافتتان بين الطرفين في سياق الحديث المزين فقط، وتظهر خطورة خدش الحياء والتحرش الرقمي بصورة فجة بين الطرفين، وتؤكد على أن الجرأة والتدني في الحديث تتأتى حينما تغيب الضوابط والقيم بين الطرفين، ولا بد من إيضاح أهمية التبادل الثقافي والفكري والمعرفي وفق ضوابطه المعلومة بالمجتمع.
وينبغي أن تؤكد سيناريوهات الأفلام المصرية على صورة المشاركات والشراكات بين عموم الشعب في كافة المواقف الحياتية؛ حيث أهمية إيضاح المشاركة بغض النظر عن العائد منها بين عموم الشعب لعبور أزمات مؤقتة أو طارئة، وإبراز ضرورة الشراكة في إنجاز الأعمال ذات الطابع القومي بين طوائف الشعب المختلفة وطبقاته لحل مشكلاته الشائكة والمعقدة، مع بيان بالإنجازات التي تمخضت عن الصورة المشرفة للمشاركات والشراكات بين عموم الشعب لعبور أزمات مؤقتة أو طارئة، وتقديم النموذج الذي يُسهم في بناء الدولة في حالات العثرة والرخاء.
وتتوالى الأدوار المهمة لسيناريوهات الأفلام المصرية والتي منها أهمية التوعية بثقافة التربية الجنسية الصحيحة لمواجهة الانحرافات المختلفة ولضمان بناء مجتمع صحي، ومن ثم ينبغي تناول ظاهرة الشذوذ الجنسي من حيث الأسباب وعوامل انتشارها وعلاقتها بأنماط التربية الأسرية، وآليات علاجها، وإبراز دور الرقابة الرقمية المقننة للحد من أنماط التحرش الرقمي والتي تنتشر في المجتمعات، وإيضاح دور التوعية المدرسية بالتربية الجنسية وفق أنشطة تعليمية مقصودة تستهدف الحفاظ على الجنسين من مستنقعات وبراثن الرزيلة، وكذلك دور الأسرة في نشر ثقافة التربية الجنسية الصحيحة والتي تعد سياجًا واقيًا ضد الانحرافات بمختلف صورها، مع بيان أهمية تلبية الاحتياجات النفسية للأبناء؛ بغية مواجهة مستقطبات الانحراف المختلفة.
كما يتوجب على الأفلام المصرية وفق سيناريوهاتها أن تلقي بظلالها على صورة العلاقات بين الأفراد داخل الأسرة الواحدة متباينة الثقافات؛ حيث التأكيد على مفهوم الأسرة الصحيح، والذي يقوم على التفاعل بين مجموعة من الأفراد سواء الأب والأم وبين الزوج والزوجة، وبين الوالدين والأبناء، يربط بينهم الدم، مشكلين وحدة اجتماعية ذات خصائص محددة، ومن ثم يجب إبراز دور الاستقرار النفسي والطمأنينة والأمن والعطف لأفراد الأسرة؛ لضمان سلامة أفرادها من التفكك الأسري والصراع بين أفرادها، والتأكيد على التقبل المتبادل بين الزوجين، حيث تقبل العيوب قبل المحاسن، مع الكشف عن أهمية نسق المسئوليات المتبادلة بين مكون الأسرة؛ حيث واجبات الأب اتجاه الأبناء ومسئوليات الأم وواجباتها اتجاه أبنائها، ومسئوليات الأبناء وواجباتهم اتجاه الوالدين، مع ضرورة الكشف عن أهمية نسق المسئوليات المتبادلة بين الأبناء؛ حيث واجبات الإخوة اتجاه بعضهم البعض، وتشمل المشاركة والتنافس والتكاتف والتآزر.
ولتجنب الإطالة في هذا المقام؛ فهنالك تصور مقترح لدى، قد يسهم في تفعيل الدور التربوي للأفلام المصرية وفق آليات تنفيذية تشمل البعد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والبيئي. حفظ الله بلادنا وبارك في عطاء أبنائها ووفق قيادتها المخلصة لسبل الخير والرشاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة