خسائر ممتدة تكبدتها إسرائيل ولا تزال منذ بدء الحرب على غزة، فبرغم فاتورة الدماء التى تكبدها المدنينين العزل فى القطاع منذ بدء العدوان، واقتراب حصيلة الشهداء من حاجز الـ16 ألف شهيد، إلا أن الجانب الإسرائيلى تحمل ولا يزال فاتورة باهظة على صعيد الاقتصاد، بخلاف ما سقط من قتلى خلال المواجهات مع الفصائل الفلسطينية.
وفى مقابلة مع منصة "ذ جلوبز" الاقتصادية، رسم الخبير الاقتصادى الإسرائيلى، بروفيسور رونى إيخل، سيناريو قاتم للتداعيات التى تكبدتها إسرائيل فى الوقت الحالى، وفى المستقبل، متوقعًا أن تستمر الأثار الاقتصادية للحرب لما يقرب من 30 عامًا كاملة.
وقال ايخل، إن الحرب على غزة تشكل استنزافا مستمرا للاقتصاد الإسرائيلى وأن آثارها المستقبلية ستمتد لأكثر من عقدين قادمين حتى يستعيد اقتصاد إسرائيل عافيته ويتجاوز الآثار السلبية.
وحذر الخبير الاقتصادى من الاعتقاد فى قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على التعافى "السريع " من آثار الحرب الدائرة حاليا فى غزة، مشيرا إلى أن التعاف الكامل من الآثار الاقتصادية لتلك الحرب لن يحدث قبل مرور 20 إلى 30 عاما.
وتابع أن كلفة الحرب الحالية على قطاع غزة هى الأعلى فى تاريخ جولات الصراع الإسرائيلى الفلسطيني اذ بلغت حتى الآن 191 مليار شيكل وفق البيانات الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية بينما لا يزال ملف تمويل الحرب مفتوحا.
وأضاف أن كلفة الحرب على غزة على هذا النحو تتجاوز كلفة فاتورة عملية " الرصاص المصبوب " عامى 2008 – 2009 على غزة والتى تكلفت 3.3 مليار شيكل وتتجاوزت كذلك كلفة عملية "الجدار الواقى" فى العام 2014 والتى استمرت 51 يوما وكانت فاتورة كلفتها 7.8 مليار شيكل، وكذلك تتجاوز تكلفة الحرب الدائرة الان على غزة كلفة عملية "حراس الجدار" التى نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة عام 2021 وكانت 4.5 مليار شيكل إسرائيلى.
وأشار البروفيسور رونى ايخل إلى أن الحرب على غزة وقعت فى وقت كان الاقتصاد الإسرائيلى والوضع المالى لإسرائيل فى أحسن حالاته وأنه لولا ذلك لكان الاقتصاد الإسرائيلى قد انهار وانهارت معه على الفور قيمة الشيكل لولا تعهدات واشنطن بضخ دولارات تعادل 60 مليار شيكل فى خزائن بنك إسرائيل المركزى.
وارجع الخبير الإسرائيلى قدرة الشيكل الإسرائيلى على التماسك بمنأى عن الانهيار نتيجة صدمة " طوفان الاقصى" إلى الدعم المالى السخى الذى سهل على بنك إسرائيل المركزى التدخل بائعا للدولار فى الاسواق الإسرائيلية خصما من الحقن الدولارى العاجل الذى قدمته واشنطن، وهو ما انقذ الشيكل مقابل الدولار مسجلا 3.7280 شيكل للدولار الواحد فى تعاملات الثلاثاء بعد أن كانت قيمة الشيكل قد هبطت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود كاسرة حاجز 4 شيكل لكل دولار بعد أيام معدودة على بدء الصراع فى السابع من اكتوبر الماضى.
وأضاف: "يجب عليها النظر بعين الاعتبار إلى اعتبارات حاكمة لسير الاقتصاد الإسرائيلى من بينها ارتفاع مسنويات الدين العام الناتج عن الحرب فى غزة وارتفاع مستويات الفائدة المصرفية فى إسرائيل 4 % إلى 5 % وتآكل احتياطى إسرائيل النقدى لتمويل آلة الحرب تزامنا مع ضعف فى حركة التجارة والسياحة والانتاج الموجه للتصدير وجميعها عوامل تعوق سرعة إسنعادة العافية للاقتصاد الإسرائيلى وتجاوز آثار الحرب".
كذلك أشار الخبير الاقتصادى الإسرائيلى، إلى أن خفض قيمة الشيكل فى إسرائيل خلال العامين الماضيين بنسبة 19% أمام الدولار الأمريكى قد حقق لإسرائيل ميزة تنافسية كبيرة عند التصدير وكان هذا الخفض من "علامات القوة".
واستطرد قائلا: "اليوم تراجعت قيمة الشيكل بنسبة 30 % أمام الدولار بسبب الحرب على غزة فى وقت توقفت فيه عجلة التصدير الإسرائيلية وارتبكت اسواقها المحلية وتفاقمت فواتيرها الاستيرادية الحتمية، فكان الخفض الأخير للشيكل فى مواجهة الدولار هو علامة ضعف كبير".
رؤية رونى ايخل المتشائمة للاقتصاد الإسرائيلى لم تكن فى معزل عن الواقع، فمؤشرات الأرقام كان لها انعكاسًا واضحًا على الأرض، وهو ما رصدته صحيفة "كلكليست" الاقتصادية، والتى توقعت أزمة حاصلات زراعية متفاقمة تهدد تل أبيب.
وكشف وزارة الزراعة الإسرائيلية أنه بداية من شهر ديسمبر وحتى أبريل المقبلين، من المتوقع حدوث نقص فى الخضار، خاصة الطماطم، ومن المفترض أن يُعوّض النقص بآلاف الأطنان من خلال الاستيراد، وهو ما يشكل عبء إضافى على الاقتصاد.
وفى ظل المشاعر المتأججة فى مختلف بلدان الشرق الأوسط حيال الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، وما تبع ذلك من موجة مقاطعة رسمية وشبه رسمية بين غالبية دول المنطقة وتل أبيب، فإن حكومة نتنياهو ستكون مضطرة للبحث عن موردين جدد، وأبعد جغرافيا.
وفى الظروف العادية يعتمد حوالى نصف الإنتاج الزراعى فى بعض أنواع الخضار على الواردات، التى يأتى معظمها من دول المنطقة، ولذا فإن قرار وقف الاستيراد يسبب نقصا كبيرا، لكن الاستيراد من دول أخرى التى غالبا ما ستكون أوروبية، سيجعل الخضار أكثر تكلفة، مقارنة بالاستيراد من دول المنطقة، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان من الممكن استيراد الكمية المستهدفة فى الوقت المطلوب، وذلك بسبب البعد الجغرافي.
نقلت صحيفة "جلبوس" الاقتصادية عن مسؤول تنفيذى فى إحدى شبكات التسوق قوله "فى غضون أسبوع أو أسبوعين سيكون هناك نقص كبير فى إسرائيل، فى نهاية كل أسبوع نقدر كمية المنتجات الزراعية التى سنحتاجها: نتحقق من مقدار ما يمكن أن يقدمه كل من المزارعين الذين يعملون معنا، ونأخذ فى الاعتبار انخفاضا بنسبة 10% ونستورد الفرق".
وأضاف المسئول التنفيذي: "الآن نحصل على ما يقل بنسبة 20% إلى 30% من المزارعين فى البلاد وسيزداد الأمر سوءا".
ونشر معهد الأبحاث التابع للكنيست مؤخرا تقريرا يتماشى مع هذه الادعاءات، ويقيّم الأضرار المحتملة على الزراعة ويستعرض حجم الزراعة والمساحات المزروعة حسب القطاعات الفرعية.
وخلص التقرير، إلى أنه بسبب النقص المتوقع فى المستقبل، سترتفع أسعار المنتجات الزراعية بشكل كبير جراء العرض المحدود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة