هل تصورت يوما أن تبتعد عن أولادك لوقت معين بسبب ظروف ما؟ كيف سيكون اشتياقك لهم؟ وما هو مقدار قلقك عليهم حتى لو تركتهم فى بيئة أمنة ويتمتعون بكل سبل المعيشة؟ فتخيل حال أب فقد القدرة على التواصل مع أسرته المكونة من ثلاثة أبناء توأم بعمر ثلاثة سنوات وزوجته الفلسطينية الأصل إلا من خلال رسائل الإنترنت غير المنتظم والتى يستمع من خلالها لمعاناتهم فى تدببير المأكل أو الملبس أو مكان للإيواء، حيث يبيتون فى العراء منذ العدوان الصهيونى على غزة.
هذه هى المعاناة التى يعيشها "محمد" بشكل يومى الذى يقضى ساعات يومه منتظرا تلقى اتصال على جواله يطمئنه على أحوال أسرته أو بجوارالتليفزيون مشاهدا ومتابعا للأخبار التى تبثها النشرات الإخبارية المختلفة.
ويقول الشاب الثلاثينى والذى ينتمى لقطاع المهن الحرة ويسكن فى حى الوراق التابع لحى الجيزة: "كنت أسكن فى حى الوراق فى إحدى البنايات المملوكة للعائلة فى شقة مستقلة مع زوجتى الفلسطينية التى تزوجتها بناء على ترشيح عددا من الأصدقاء والمعارف، ورزقنى الله منها بثلاثة أبناء بعد 9 سنوات كاملة من الزواج تم خلالهم استشارة العديد من الأطباء بسبب تأخر الإنجاب حتى نصحنا أحدهم بضرورة إجراء عملية تلقيح صناعى وبالفعل بعد إجراء هذه العملية كانت البشرى بوجود ثلاثة توائم من الذكور، وبعد انقضاء فترة الحمل التى امضتها والدتهم على السرير دون حركة خوفا ان تفقدهم بعد تحذيرات الأطباء أتوا إلى الدنيا فكان مصدر بهجتنا وفرحتنا ليس لنا فقط انا والدته بل لأسرتى جميعا".
وأضاف محمد: "وبعد ثلاثة سنوات من ولادتهم قررت والدتهم الذهاب إلى فلسطين لزيارة أسرتها على أمل العودة فى القريب العاجل، وخلال هذه الفترة كنت متواصلا معهم بشكل مستمر فهم مصدر أنسى وفرحتى الوحيدة، والتى باتت اتصالات متقطعة منذ بداية العدوان الصهيونى على قطاع غزة والتى اضطررت معها اسرتى "زوجتى وأطفالى"، وعائلتها إلى النزوح جنوبا يبيتون فى العراء بلا مأوى يحيميهم من برد الشتاء أو غذاء أو ملابس توفر حد أدنى لهم من الدفء، وهى أخبار تدفعنى للبكاء أوقات كثيرة على الرغم من محاولتى التماسك خاصة أمام والدتى المسنة ولكن بين لحظة وأخرى تهزمنى دموعى فهم لم يكونوا أولادى فقط بل أصدقائى أيضا على صغر سنهم فلا أطيق الابتعاد عنهم حتى خلال ساعات عملى فدائما ما كنت أتواصل معهم على الهاتف للاستماع إلى صوتهم، وأحيانا كثيرة كنت أفكر فى الإنصراف من العمل للإستئناس بهم والتمتع بالنظر إليهم".
محمد هو الشقيق الأكبر لأسرة مكونة من ثلاثة من الذكور فضلا عن والدتهم المسنة، والتى يتولون جميعا رعايتها، ويتسم بهدوء الطبع والوجه البشوش محبا لعمله بشكل حتى حاز سمعة جيدة بين أقرانه وامتدت شهرته لخارج الوراق وأصبح لديه عشرات العملاء حيث يعمل بمهنة " السباكة والمقاولات" ولكن منذ بداية العدوان الذى تسبب فى عدم عودة أسرته إلى القاهرة تغيرت أحواله إلى النقيض فقد اكتسى وجهه بالحزن الدائم وأصبح يميل للعزلة وفقد القدرة على العمل وعدم مفارقة المنزل بين صور أولاده أو مسترجعا للمواقف التى كانت تجمعهم سويا، فهنا كان يجلس على الأريكة بجوار حسن لمشاهدة الكارتون على التلفاز، وهنا كان يلعب بالكرة مع حسين، وهنا كان يسير معهم فى الطرقات حول البناية أو جالسا بجوار العقار معهم وهو ما يشير إليه "محمد" بقوله :"دائمًا ما كنا سويا فهم أصدقائى وعزوتى وأعز ما أملك وانتظر عودتهم لنعود لنلعب الكرة التى مازلت محتفظا بها منتظرا عودتهم للهو بها مجددا".
وتقول والدته: "لم يكونوا أولاد محمد فقط بل أبناء لكل العائلة ومصدر سعادة لكل العقار فكل الشقق كانت تفتح لهم والجميع يرحب بهم ومنذ سفرهم والعقار فى حال سكون لدرجة أن هناك بعض الأطعمة التى انقطعت عنا بشكل كامل لأنها كانت مفضلة لهم فعزمنا الا يتم طهيها مجددا إلا بعد عودتهم ويؤكد شقيقه أن التعلق بأولاد محمد شقيقه لم يقتصر على عائلتهم أو الأقارب فقط باختلاف درجاتهم وفروعهم بل امتد ليشمل كل الجيران الذين كانوا يطلبونهم بشكل مستمر لدرجة أن أصحاب المحلات كانوا يطلبونهم بالأسم للجلوس فى محلاتهم بسبب تعلقهم بهم والأستبشار بهم ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة