أميرة خواسك

ألزهايمر وموت الضمائر

الإثنين، 25 ديسمبر 2023 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

المرض هو واحد من أصعب الابتلاءات التي يصاب بها الإنسان، وصعوبتها لا تتوقف عنده فقط بل تمتد لأسرته ومحبيه ، وتجاوز أي شخص لمحنته المرضية جانب كبير منها يتوقف على مدى الرعاية والاهتمام الذي يحظى به المريض في محيطه القريب ، لكن من أصعب الأمراض التي يبتلى بها المريض وأسرته هو مرض ألزهايمر، أو ما يعرف بخرف الشيخوخة، ويبدأ بصعوبة في التذكر خاصة الأحداث القريبة، ثم يتطور إلى ضعف التفكير والتذكر بسبب الضعف المتزايد لخلايا المخ ، حتى تصل أحيانا ألا يعرف الشخص نفسه في المرآة!

تأتي صعوبة هذا المرض لكونه من الأمراض القليلة التي وقف الطب أمامها حائرا، فحتى الآن ليس هناك علاجا ناجعا، وأسبابه ليست مؤكده ، وحتى إيقاف تدهوره غير مطروح، أما الأصعب من كل هذا أن الاستعداد له على المستوى الإنساني والاجتماعي لا تأهيل ولا تعامل لائق بصدده إلا فيما ندر ، وهو أمر شديد القسوة سواء على المريض أو ذويه . فمهما أصيب الإنسان بأمراض خطيرة وهو واع وعاقل ورشيد فإن الأمر محتمل، ولكن فقدان الذاكرة والعقل فتلك مصيبة كبيرة عفانا الله وإياكم منها ، ولقد شاهدت في حياتي نماذج لأناس ملء السمع والبصر تتحول حياتهم وحياة من حولهم لمأساة حين يتعرضون لمثل هذه الأمراض، ويصبحون كالأطفال ، فإذا ما رزقهم الله بأهل رحماء يدركون ما رزقهم الله به من ابتلاء مرت الأمور بسلام على قدر صعوبتها على المريض وعلى أهله ، وهناك آخرين أصيبوا في جسدهم وظل عقلهم يقظ فتكون مأساتهم أهون لأنهم ببساطة واعون .

أقول هذا بعد أن شاهدت على حساب إحدى السيدات حواراً بينها وبين والدتها المصابة بالزهايمر، الذي وضعته عنوانا على الڤيديو ، وأخذت تسترسل في الكلام مع والدتها التي تطلب منها أن تذهب إلي بيت جدتها التي توفيت منذ خمسين عاما وأمها منذ ربع قرن ، وبعبارات واهنة تصر أن بيتها وبيت أهلها لا يزال موجودا، بينما إبنتها تذكرها أن البيت غير موجود وتؤكد عليها بين حين وآخر أن هؤلاء قد ماتوا جميعا وأنها تتوهم لأنها مصابة بالزهايمر . فترد الأم بما يوجع القلب : يعني الدار مفيهاش حد ؟!

أقدر تماما ما تتحمله هذه الابنه تجاه أمها ، وأقدر إقامة الأم في بيتها ، وأدرك تماما صعوبة هذا المرض اللعين ، ومدى معاناة أهل المريض، لكنني في الحقيقة شعرت بضيق وحزن شديدين على هذه الأم، التي توقفت ذاكرتها عند جدتها وأمها، وتوقفت الحياة لديها منذ سنوات طويلة، وأقدر تحمل ابنتها لكل هذه المصاعب، لكني لا أفهم سبب لإقدام هذه الابنة على بث ڤيديو لوالدتها يثير الشفقة لدى النبلاء، ويثير الضحك لدى الجبناء ، فأي فريق أرادت هذه الابنة أن تتجه إليه حين عرضت على الملأ ما تعانيه والدتها ؟

الأمر الآخر ، كل سؤال للأم كان يتلوه تذكير لها بأن هؤلاء قد رحلوا وأنها مصابة بالزهايمر ، هكذا ( أنت يا ماما مصابة بالزهايمر لهذا لا تتذكرين)  ! ألا يعد هذا نوع من القسوة على تلك السيدة التي لا حول لها ولا قوة ؟ ثم ماذا يسمى ما تقوم به الابنة إلا تجارة بمرض أمها التي من المؤكد أنها لو كانت واعية ما تجرأت ابنتها على هذا الفعل ؟ ثم هل لو أصيبت هذه الابنة في شيخوختها بنفس المرض وهذا وارد ربما بعوامل الوراثة هل تفضل لو فعلت بها ابنتها ما فعلت بأمها ؟

الحقيقة أنني لا أريد إدانة أو محاكمة للابنة ، لكن من المؤكد أننا في حاجة إلى إعادة تهذيب النفوس وتربية الضمائر وتحريك العقول ، لأن وسائل التواصل الاجتماعي قد فضحت نواقصنا وعرت أخلاقنا التي من المؤكد أنها في حاجة إلى وقفة حقيقية .










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة