عندما يتحول الطين لتحف فنية.. سيد رضوان 45 عاما فى صناعة الخزف بالجيزة.. درَّس أصول التصنيع لطلبة فنون تطبيقية.. وأنشأ ورشته الخاصة وعلم أبنائه وزوجته ليحافظ على بقاء المهنة.. ومنتجاته ترفع شعار صنع فى الحرانية

الجمعة، 22 ديسمبر 2023 09:00 م
عندما يتحول الطين لتحف فنية.. سيد رضوان 45 عاما فى صناعة الخزف بالجيزة.. درَّس أصول التصنيع لطلبة فنون تطبيقية.. وأنشأ ورشته الخاصة وعلم أبنائه وزوجته ليحافظ على بقاء المهنة.. ومنتجاته ترفع شعار صنع فى الحرانية سيد رضوان 45 عاما فى صناعة الخزف بالجيزة
كتبت – مرام محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما أن تمسك أنامله بقطعة صغيرة من الطين، حتى تتحول في لحظات معدودة إلى تحف خزفية في عدة أشكال وألوان، تارة على هيئة أوانٍ ومزهريات مزينة بالزخارف والنقوش، وتارة أخرى على هيئة تماثيل وأطباق وأكواب تنطق جمالًا وإبداع، هكذا اعتاد الفنان سيد رضوان صاحب الـ57 عامًا أن يجلس متصدرًا ورشته ينحت الجمال داخل منزله في قرية الحرانية مستخدمًا فيها مواد خام طبيعية حتى يكمل أعماله الفنية ويخرجها في صورة متحفية حية.

مراحل تصنيع الخزف
مراحل تصنيع الخزف
 
منتجات خزفية_1
منتجات خزفية
 
45 عامًا قضاها "سيد" في حرفة صناعة الخزف، سطر خلالها اسمه بين أشهر وأمهر صانعي الخزف في محافظة الجيزة، وأستاذًا يعلم طلبة الجامعات أساسيات الحرفة وأصولها، محافظًا على الموروث الثقافي وأصالة وروعة المنتج المصري التقليدي، "بدأت رحلتي مع صناعة الخزف منذ أن كنت في الـ12 من عمري، نشأت وتتلمذت في مدرسة الفنان والمعماري رمسيس ويصا واصف والتي خرًجت أجيالًا منهم من يجيد صناعة السجاد اليدوي ومنهم من يجيد صناعة الخزف وفن الباتيك والرسم على الزجاج وبعد مرور 20 عامًا واصلت مسيرتي مستقلًا ما بين تدريس طلبة الفنون التطبيقية والعمل في آتيليهات، حتى اخترت في العشرين سنة الأخيرة ركنًا في منزلي لأجعل منه ورشة متكاملة أُكمل خلالها رحلتي الفنية وتكون متحفي الخاص الذي يُزين بأعمالي".
 
أعمال فنية من الخزف
أعمال فنية من الخزف

المرحلة الأولى لتشكيل الخزف على الدولاب
المرحلة الأولى لتشكيل الخزف على الدولاب
 
صناعة الخزف حرفة تاريخية يدوية خالصة، وموروث ثقافي وحضاري يعتمد على أدوات بسيطة وخامات من الطبيعة، لم تختلف منذ أن ابتكرها المصري القديم، فرغم مرور هذه الأعوام الطويلة، إلا أن طريقة التصنيع ما زالت واحدة، التغيير فقط في استخدام الكهرباء، فأساسها طين، ودولاب، وفرن، ومهارة وإحساس فنان، "نعتمد في تصنيع الخزف على الطين الأسواني، والذي يتميز بسهولة الاستخدام والتشكيل، نحضره من أسوان ويكون في هيئة بودرة نضيف لها بعض المواد، كالـ"الفلسبار والكوارتز والبوركليه"، تكسبها القوة والتماسك وتكون بمثابة عوامل تقوية للطينة، يتم خلطهم مع بعضهم البعض وعجنهم يدويًا، وبعدها تأتي مراحل عدة وهي التصفية وتجفيف الطينة، حتى تصبح العجينة لينة يسهل تشكيلها وتطويعها على "الدولاب" سواءً اليدوي، وهو عبارة عن أداة تمكن الحرفي من تشكيل عجينة الطين، حيث يتكون من قطعتين دائريتين متصلتين بقطعة من الحديد، يضغط الحرفي بقدمه على القرص الدائري الذي يوجد بالأسفل فيما تتولى يديه تشكيل العجينة المثبتة على القرص المتواجد في الأعلى، أو الدولاب المُطور والذي تم تحديثه ليعمل ويُدار بالكهرباء، ليوفر من وقت وجهد الحرفي ويمنحه إنتاجًا أكبر".
 
تصنيع الخزف يدويًا
تصنيع الخزف يدويًا

ديكورات من الخزف
ديكورات من الخزف
 
وتابع سيد رضوان حديثه: "ما اختلف في المهنة عن الماضي، هو أن كل ما نستخدمه اليوم في التصنيع يأتينا جاهزًا، فعلى سبيل المثال الطين الأسواني كان يأتينا في الماضي عبارة عن حجر، نقوم بطحنه وتذويبه في الماء لنحو 4 أيام ثم نصفيه من الشوائب باستخدام المناخل، أما اليوم فالطين الأسواني يأتينا على هيئة بودرة مطحونة جاهزة، نضيف لها ما تحتاجه من عناصر تقوية ونخلطهم مع بعضهم البعض ونخمرها لنحو 4 أيام ثم نفردها على قطعة كبيرة من القماش حتى تجف من المياه وبعد مرور 3 أيام نقوم بفصلها عن الشوائب والفراغات ونبدأ بتشكيلها على الدولاب".
 
تشكيل الطين على الدولاب يدويًا
تشكيل الطين على الدولاب يدويًا

خزف
خزف
 
وبينما تلتف يديه حول قطعة من العجين بدأت تظهر معالمها على قرص الدولاب، ومئات التحف الجاهزة تتراص أمامه في صفوف طويلة، تابع سيد رضوان حديثه لـ"اليوم السابع"، "تعتمد الحرفة على حركة الأصابع ودوران الدولاب، فأثناء دوران العجينة على الدولاب يشكل الحرفي بأصابعه العجينة حتى تتحول من هيئتها المُصمتة إلى ما يريده من أشكال وقطع فنية سواءً طبق أو مزهرية أو كوب أو تمثال"، مضيفًا: "دائمًا ما كنت أكرر على تلاميذي في الكلية، حيث كنت أعلم فن الخزف لما يزيد عن 30 طالب يوميًا، أن الإحساس هو أساس العمل، لابد أن يكون هناك إحساس بينك وبين القطعة، كيف يمكن أن تنشأ محبة بينك وبين العمل حتى تصل لمرحلة تكون فيها قادرًا على تشكيل ونحت القطعة دون أن تراها".
 
الفنان سيد رضوان
الفنان سيد رضوان

عمل فني لسيد رضوان
عمل فني لسيد رضوان
 
دقائق وتحولت عجينة الطين أمامه في مهارة وإتقان إلى مزهرية ينتظر لتجف حتى يُدخلها إلى الفرن لتحرق، "تُترك القطعة بعد تشكيلها على الدولاب لتجف قليلًا لنحو ساعة أو ساعتين حسب درجة حرارة الجو، ثم نبدأ في عمل "كعب" القطعة والإمضاء عليها باسم قرية الحرانية واسم الفنان، والنقش والزخرفة أو الرسم والنحت عليها لتخرج أشكالًا مختلفة قد تكون عصفور أو جمل أو شجرة أو نخلة أو زخرفة نوبية أو ريفية وبعدها نتركها حتى تجف وتتماسك تمامًا ويخرج منها كل ما فيها من بخار الماء ثم نقوم بسنفرتها وتنعيمها وإزالة كل ما فيها من شوائب وأتربة ومسحها بإسفنجة مبتلة بالماء وبعدها نُدخل القطعة إلى الفرن في درجة حرارة تتراوح بين 850 و900 درجة مئوية، تترك القطعة حتى تجف وتحرق حرق "البسكوت" أو الفخار لنحو 4 أيام، وبعد إخراجها نقوم بتغطيسها بالكامل في مادة الجليز ونقوم بتحديد كعب القطعة من الأسفل مرة أخرى ونضيف ما نريده من رسومات ونتركها لتجف لنحو يوم ثم يتم إدخالها مرة أخرى في الفرن في درجة حرارة تصل لـ400 درجة مئوية وبعدها نرفع درجة الحرارة داخل الفرن حتى تصل لـ1200 درجة مئوية وبعد مرور 36 ساعة يتم إخراج القطعة وحينها تكون جاهزة للعرض والبيع".
 
تشكيل عجينة الطين على الدولاب
تشكيل عجينة الطين على الدولاب
 
تحف خزفية
تحف خزفية
 
صناعة مُبهرة شاهدة على التاريخ يتحول فيها الطين إلى أشكال فنية يُزينها إمضاء الحرانية، "نُصنع كل ما يخص الأدوات المنزلية و"الشغل" التلقائي الخاص بالحرانية كالأطباق والمزهريات والأكواب والفناجين والطفايات والفواحات ووحدات الإضاءة والتحف بالإضافة إلى الأعمال النحتية والتراثية المرتبطة بالبيئة الريفية وترمز للسياحة المصرية، اتعلمنا منذ النشء تصنيع المنتجات الخزفية التلقائية اليدوية دون الاعتماد على "الاسطمبات" أو القوالب، فكل ما يخرج من الحرانية هو شغل يدوي خالص تعتمد عليه أكبر الفنادق والبازارات المحلية والمختصين في بيع وتصدير الخزف".
 
تحف من الخزف
تحف من الخزف

سيد رضوان صانع الخزف
سيد رضوان صانع الخزف
 
وبينما كان يشير إلى ما صنعته يداه من مئات التحف الفنية بأنماطها التقليدية وألوانها المتعددة والزاهية، قال "سيد": "شغل الحرانية صحي 100% لأنه لا يدخل في تصنيعه مادة أكسيد الرصاص الضارة، والذي يعتمد عليها بعض المصنعين للخزف لتهدئة درجات الحرارة وضبط مادة الجليز، ففي الحرانية نصل لدرجة حرارة 1200 درجة مئوية وبالتالي لا نحتاج لتلك المادة في التصنيع، وكل ما نعتمد عليه من خامات طبيعي وصحي مستخرج من الجبل، نطحنه على أيدينا ونصنع منه مادة الطلي وهي مادة الجليز، كما أننا نعتمد في التصنيع على نوعين من الطين، الطين الأسواني المستخرج من جبل أسوان ويكون بني اللون، والطين الفاتح المستخرج من جبل سيناء، والفرق بينهما أن الأخير يحتاج إلى درجة حرارة أعلى في مرحلة الحرق مقارنة بالطين الأسواني"، مؤكدًا: "المنتج مصري وإهداء من ربنا لينا".
 
ورشة الفنان سيد رضوان
ورشة الفنان سيد رضوان
 
تشكيل الطين على الدولاب
تشكيل الطين على الدولاب
 
تظل تلك الصناعة، مهنة تراثية صامدة تحاكي العراقة، يجتهد فنانوها للحفاظ عليها ويواصلون إبداعهم فيها، "سيد رضوان" أحد هؤلاء الفنانين الذين لا يزالون يتمسكون بالمهنة ويكافحون فيها، فبالرغم من مشقتها إلى أن شغفه بها لم يتوقف ولا يزال يكدح ويبدع في مهنته، "كل أبنائي متعلمين، منهم من يدرس في سياحة وفنادق، ومنهم من في ثانوية عامة، ومع ذلك حرصت على أن أعلم زوجتي وأولادي جميعهم مهنة صناعة الخزف، حتى أحافظ على المهنة من خطر الإنقراض، وتصبح إرثًا يورث جيلًا بعد جيل، فنعمل الآن كفريق متكامل، ندعم ونساعد بعص في التصنيع.. أحلم أن تصبح ورشتي ذات يوم مصنعًا كبيرًا يُنتج إنتاجًا كبيرًا من الصناعات الخزفية يُشرف مصر ويصدر لكل دول العالم".
 
أعمال سيد رضوان من الخزف
أعمال سيد رضوان الخزفية

أعمال فنية من الخزف
أعمال فنية من الخزف

الفنان سيد رضوان
الفنان سيد رضوان

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة