بيشوى رمزى

"دوائر" الصمود

الأربعاء، 08 نوفمبر 2023 12:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على مدار أكثر من سبعة عقود ونصف، تمثل عمر القضية الفلسطينية، تجلى مفهوم "الصمود" في مواجهة الاحتلال، في المواجهة العسكرية، عبر حروب خاضتها الدول العربية، بدءً من النكبة في عام 1948، مرور بالعدوان الثلاثي على مصر في 1956، وحتى النكسة في 1967، ثم الانتصار العظيم في أكتوبر 1973، والذي استبقه الجيش المصري بحرب الاستنزاف، بينما شهد المفهوم تحولات تاريخية عديدة، من المواجهات العسكرية، نحو ما يسمى بـ"الانتفاضة"، والتي تشكلت من خروج مواطنين تظاهروا ضد الاحتلال وواجهوا أسلحته الفتاكة بأدوات بسيطة، تراوحت بين الأحجار والأسلحة البدائية،  بهدف إرباك الاحتلال وإحراجه، وهي المرحلة التي شهدت العديد من ردود الأفعال الانتقامية، وسقط خلالها الآلاف من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال.
 
وبين المواجهات العسكرية "النظامية"، و"الانتفاضات" المتكررة، نجد أن العامل المشترك يتمحور في استخدام السلاح في مواجهة العدو بهدف استعادة الأراضي المحتلة، برغم اختلاف الامكانات في الحالتين، والتي لم تتجاوز في مراحل من عمر الصراع مجرد "الحجارة"، ليظهر الاحتلال أقصى درجات الخسة، في مواجهة من يقصفونه بالحجارة، بالطائرات الأمريكية المتطورة، دون أدنى درجات الشفقة الإنسانية بأطفال في عمر الزهور، لا يطمحون سوى في أرض يعيشون عليها تحت سماء تظللهم، ويحيطهم وطن يرفعون رايته اسمه "فلسطين".
 
إلا أن أزمة غزة الراهنة، وإن كانت تمثل حلقة جديدة من المواجهة على النحو سالف الذكر، ربما كانت كاشفة عن "دوائر" جديدة لـ"الصمود" في مواجهة العدوان الغاشم، في ظل ما يجسده من اختلافات جذرية عن الأحداث المشابهة في الماضي، ربما أبرزها أن القصف الإسرائيلي لا يحمل في طياته مجرد الانتقام مما أسفرت عنه عملية "طوفان الأقصى"، وإنما أيضا محاولة تصفية القضية الفلسطينية عبر دعوات التهجير، والتي تمثل نقطة تحول خطيرة، في ضوء مخطط يهدف في الأساس إلى تقويض الشرعية الدولية، والقائمة على حل الدولتين، وفي القلب منه تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، ليتجلى هنا "صمود" سكان القطاع عبر تمسكهم بأراضيهم، غير مبالين بتهديدات الاحتلال ودعواته لهم بترك منازلهم وبلادهم.
 
صمود سكان غزة، ليس جديدا تماما، فقد سبق لهم التمسك بأرضهم على مدار عقود طويلة من الزمن، وإنما يبقى إدراكهم لحقيقة المخطط وخطورته وتداعياته، يمثل أول "دوائر" المواجهة، والتي تحمل بالطبع دوائر أخرى، تتصدرها دول الجوار، وعلى رأسها مصر، والتي تعد المستهدف الأول من دعوات التهجير المشبوهة التي يتبناها الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما بدا في العديد من الخطوات المتزامنة، عبر مسارين، أولهما يحمل إطارا دبلوماسيا عبر الدعوة لقمة "القاهرة للسلام"، مرورا باللقاءات التي أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع قادة وزعماء العالم، لتنجح مصر في الصمود، عبر بناء توافق دولي في مجابهتها، وهو ما يمثل انتصارا للدائرة الأولى، والمتمثلة في سكان القطاع المتمسكين بأراضيهم.
 
في حين كان المسار الآخر إنسانيا، عبر إصرار الدولة المصرية على تمرير المساعدات لسكان القطاع، بل حشد ضغط دولي على الاحتلال الإسرائيلي لإجباره على الإذعان لها، بينما حشدت ضغوطًا دولية لتخفيف القصف على المستشفيات، مقابل مرور الأجانب المتواجدين بالقطاع إلى أراضيها تمهيدا لنقلهم إلى بلدانهم، ناهيك عن استقبال الجرحى الفلسطينيين لتلقي العلاج.
 
وأما الدائرة الثالثة من دوائر "الصمود"، فهي تحمل إطار إقليمي، عبر تقويض محاولة الدولة العبرية تصدير، أو بالأحرى "إعادة تدوير" الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، وتقويض ما تحقق في السنوات الماضية سياسيا، عبر حزمة من المصالحات بين القوى الإقليمية، أو اقتصاديا، وهو ما يبدو في الطفرات التنموية التي شهدتها دول المنطقة، أو أمنيًا، من خلال نجاحات كبيرة في مكافحة الإرهاب، وهو ما يعكس التداعيات العميقة لمخطط التهجير، والتي تتجاوز مجرد القطاع أو حتى القضية الفلسطينية بينما تحمل أهدافا "عابرة للحدود"، انطلاقا من دول الجوار الفلسطيني وحتى المنطقة بأسرها.
 
ولعل انعقاد قمة "القاهرة للسلام"، في العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تمثل "درة التاج" للعملية التنموية العملاقة التي تشهدها مصر والعديد من دول المنطقة، بمثابة رسالة ضمنية مفادها إدراك مصر لأبعاد الدعوة المشبوهة التي أعلنتها إسرائيل، بالإضافة إلى تمسكها بالحفاظ على ما تحقق من مكتسبات إقليمية، خلال السنوات الأخيرة.
 
وهنا يمكننا القول بأن العدوان على غزة هذه المرة، يبدو مختلفا ليس فقط في وحشيته المفرطة، أو أهدافه التي تتجاوز فكرة الانتقام نحو تصفية القضية، وإنما أيضا في بزوغ "دوائر" جديدة للصمود يمكنها تعزيز صمود الفلسطينيين وتقدم لهم غطاء من الحماية الدبلوماسية والإقليمية، من شأنها تحقيق قدر من التوازن الدولي تجاه القضية برمتها









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة