المشاعر هي تفاعل كيميائي معين داخل المخ، والذي يؤدي بدوره إلى تحفيز بعض الخلايا العصبية والتي ينتج عنها حركات وانقباضات معينة في العضلات أو في أجهزة الجسم المختلفة. المشاعر هي مجموع الحالة النفسية والمزاج والشخصية والإدراك لدى الإنسان تجاه المواقف المختلفة، كما أن المشاعر المختلفة قد تولد نتيجة الخبرات والتجارب المختلفة التي يمر بها الإنسان على مدار حياته. المشاعر أعمق كثيرا من الأحاسيس، حيث أن المشاعر هي شعور داخلي كامن في العقل اللاواعي وقد يستمر لفترات طويلة ولا تتغير بسهولة، بل قد يعيش الإنسان حياته بأكملها وهو يسيطر عليه شعور معين تجاه موقف معين (مثل شعور الانتقام) والذي قد يدفعه لفعل كثير من التصرفات والسلوكيات التي ربما لم تكن حميدة. أما الأحاسيس فإنها ناتجة عن العقل الواعي وتتصف بأنها لحظية ومؤقته ومتغيرة دائما، حيث أن الإحساس تجاه شيء معين قد ينتهي بمجرد تلبية النداء والاحتياج ومن ثم تنتقل لإحساس أخر (مثل الإحساس بالجوع أو العطش).
الصوت البشري هو الطاقة الكامنة التي من خلالها يمكن التعبيرعن المشاعر كافة؛ وذلك عن طريق مركز الكلام في المخ والخلايا العصبية التي تتحكم في عضلات أعضاء النطق والكلام المختلفة، لكي تتكون الكلمات والجمل والمعاني، أو مقاطع صوتية معينة ليس لها معنى بذاتها ولكنها مجموعة أصوات تستخدم في التعبير عن شعورنا تجاه مواقف معينة مثل المقاطع الصوتية: واااو، يااااه، امممممم. كما أن الكلمات التي تصف المشاعر هي ذاتها التي تصف الصوت؛ مثال: فعندما تكون في حالة حب، وتتحدث مع أحد أصدقاءك الذي لا يعلم عن الأمر شيء، فقد يقول لك: "صوتك هيمان كده ليه؟".
الصوت البشري قادر على توصيل المشاعر والتعبير عنها بشكل أكثر كفاءة من لغة الجسد أو تعبيرات الوجه المختلفة. ومثال على ذلك، عندما يكون الإنسان في حالة حزن لوفاة عزيز عليه، فقد تبدو ملامح وجه عادية وثابته، لكن عند سماع صوته وهو يتحدث في أي موضوع، قد يشعر المستمعين بمدى الحزن في صوته. على المستوى الفيسيولوجي ( أي العلم المختص بدراسة وظائف الأعضاء البشرية) نجد أنه عندما تتغير مشاعر الإنسان ينتج عنها تغيرات فيسيولوجية مرتبطة بأعضاء النطق والكلام، مما يؤثر حتما على صوت الإنسان بشكل لا إرادي وغير واعي؛ وهذه التغيرات الفيسيولوجية هي الأكثر شيوعا وتتلخص في جفاف بالفم والحلق، وزيادة معدل التنفس وضربات القلب، وارتعاش أو ارتجاف فى العضلات (ربما عضلات الشفاه أو الفك)
قدرة الأذن البشرية في إدراك اختلافات المشاعر في الصوت
في 2014، أثناء تحضير رسالة الماجستير الخاصة بي، قمت بعمل دراسة بحثية تجريبية لقياس مدى إدراك الإنسان لأنواع المشاعر المختلفة في الصوت البشري، حتى لشخص لا تعرفه وتسمع صوته لأول مرة في حياتك. استعنت في هذه الدراسة بمثل محترف واعطيته جملة واحدة مكتوبة، وطلبت منه أن يقول نفس الجملة بمشاعر مختلفة. وتتضمن الدراسة خمسة مشاعر طبيعية والأكثر شيوعا وهما: شعور طبيعي محايد (Neutral)، شعور بالحزن (Sadness)، شعور بالخوف (Fear)، شعور بالسعادة (Happiness)، شعور بالغضب (Anger). أثبتت نتائج الدراسة أن لكل شعور مميزات فيزيائية خاصة وتختلف تماما من ناحية التحيل الفيزيائي للصوت عن المشاعر الأخرى. فعلى سبيل المثال قد يتسم الصوت السعيد بعلو شدة الصوت ونمط صوتي عالي بالإضافة لزيادة معدل سرعة الكلام. أما الصوت الغاضب فقد يتسم بشدة صوت مرتفعة للغاية (شدة أعلى من الصوت السعيد) وزيادة معدل سرعة الكلام بشكل كبير؛ حيث أن على المستوى الفيزيائي والطيفي في تحليل الصوت تحت تأثير المشاعر المختلفة، نجد أن الفرق ملحوظ جدا بينهم بالرغم من أن الشخص المتكلم هو ذات الشخص (الممثل المحترف) ويقول نفس الكلمات (ذات الجملة المكتوبة)، بحيث يكون المتغير الوحيد هو تغير المشاعر.
وعلى المستوى الإدراكي، قد قمت باختبار سمعي لمجموعة من المتطوعين بحيث يستمعون إلى الخمس مشاعر السابق تسجيلها بمساعدة الممثل المحترف، ويقومون باختيار الشعور الذي يصلهم من خلال الاستماع للمقطع التسجيلي الصوتي. وكانت النتائج مدهشة، حيث أن نسبة إدراك المشاعر المختلفة لدى المستمع وصلت إلى 95%، بالرغم من أنه المستمعين يستمعون إلى الصوت لأول مرة وجميعهم غير مدربين على أداء مثل هذه الاختبارات السمعية.
وأيضا أكدت كثير من الدراسات على القدرة المذهلة للأذن البشرية في تمييز الفروقات بين المشاعر الإنسانية المختلفة وذلك عن طريق الصوت فقط. حيث أثبتت دراسة أخرى أن الأذن البشرية قادرة على تمييز ما يقرب من 23 شعور مختلف من الاستماع إلى الصوت البشري، ومن هذه المشاعر، الاشمئزاز، الاطمئنان، الضيق، التعاطف، الإحباط، الاستعجاب، الرغبة، الغضب، الدهشة، الحزن، الألم، الخوف، الإحراج، الاهتمام، الراحة، الانتصار، الابتهاج. وقد ترى صديقي القارئ مدى دقة الفروقات بين جميع هذه المشاعر، ومع ذلك تزداد كفاءة الإدراك السمعي ويزداد تحفيز الخلايا السمعية في التدقيق في الأصوات المختلفة للتفريق بين جميع أنواع هذه المشاعر وغيرها، ويحدث ذلك بكفاءة أعلى عند حجب رؤية المستمع بحيث يكون الاعتماد على حاسة السمع فقط وليس حاسة البصر مع السمع.
الصوت والمشاعر والذكاء الاصطناعي
وبالرغم من أن المشاعر معقدة جدا ومركبة جدا ولم يتفق العلماء على تعريفها بشكل دقيق حتى الآن؛ إلا أن حاليا مع التقدم التكنولوجي وظهور الذكاء الاصطناعي، يحاول بعض العلماء تغذية بعض الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي بتمييز الفروقات الدقيقة بين المشاعر المختلفة لدى الإنسان من صوته (Vocal Emotion Recognition Systems)، بحيث يسهل ذلك من عملية التواصل السليم بين الروبوت والإنسان ويزيد من فكرة قبول الإنسان للربوتات كبديل للإنسان عند الشعور برغبة في التحدث أو الفضفضة! بحيث يكون الروبوت قادر على فهم شعور الإنسان من صوته وهو يتحدث إليه مما يتيح للروبوت أن يجيبه بشكل يتماشى مع حالة الإنسان النفسية والشعورية.
الصوت والمشاعر والضوضاء البيضاء
كما يتأثر الصوت بالمشاعر بشكل غير واعي ولا إرادي، يمكن أيضا أن يؤثر الصوت على المشاعر ولكن بشكل إرادي أو ربما غير إرادي. حيث يمكن استخدام بعض الأصوات والترددات الفيزيائية للسيطرة على المشاعر وتهدئتها وطمأنينتها أو إثارة غضبها وإزعاجها. حيث تستخدم الضوضاء البيضاء (White Noise) في تهدئة مشاعر الإنسان وزيادة شعوره بالأمان والاطمئنان وربما الحنين للأماكن والأحباب. الضوضاء البيضاء هي نوع من الموسيقى أو الترددات التي تتمكن أذن الأنسان من سماعها، وتكون هذه الترددات ذات إيقاع واحد متكرر ونمط ثابت. ويمكن أن تتمثل الضوضاء البيضاء في عدة أنواع منها: أصوات الطبيعة المختلفة (مثل: صوت هطول المطر، صوت حفيف الأشجار، صوت غدير الماء، صوت تلاطم أمواج البحر، صوت هبوب الرياح، إلخ) أو أصوات الأجهزة الكهربائية باختلاف أنواعها (مثل: صوت المكنسة الكهربائية، صوت السيشوار أو مجفف الشعر، صوت الغسالة، إلخ). يساعد صوت الضوضاء البيضاء على التأثير في مشاعر الإنسان بحيث يشعر بالأمان والاطمئنان والراحة والهدوء وبالتالي يمكن أن تساعد هذه الأصوات على النوم العميق والهادئ في حالات الأرق وكثرة التفكير.
ومن نعم الله علينا أنه أمرنا بعبادة الذكر، وهي عبادة في الديانات السماوية، حيث يقوم فيها الأنسان بترديد عبارة واحدة مكونة من جملة واحدة أو أكثر (أذكار أو ترنيمة)، بحيث يقوم بترديدها بشكل متكرر وبنمط ثابت وبصوت منخفض وهادئ وبأعداد كبيرة متتالية، وبذلك تطمئن نفسه وتهدأ مشاعره.
صديقي القارئ، بإذن الله تعالى سنستكمل في المقال القادم التأثيرات السلبية للصوت على المشاعر، وإلى أن نلتقي تذكر دائما أن "المشاعر عميقة بعمق الأصوات، والأصوات متغيرة بتغير المشاعر".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة