خالد دومة يكتب: منطق الأقوياء

الإثنين، 20 نوفمبر 2023 01:30 ص
خالد دومة يكتب: منطق الأقوياء خالد دومة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن الرعاية تحتاج إلى تلك القوة، التي تمهد لها الطريق نحو الأفضل، لا القوة التي تُبطش، ولا هم لها سوى السيطرة، وفرض الرأي، فالقوة  هنا، غيرها هناك، ومن يحمل هذه، غير الذي يحمل تلك، فليس بقوة تلك التي تهدم النفوس، وتبني للطغيان عرشاً، ولكن القوة هي التي ترمم على بينة، ما أفسدته الفطر المعوجة، والسلوك الشاذ، القوة بناء في النفوس والأرواح. 
إن القوي الذي انتزعت من قلبه الرحمة والحب، لهو أضعف الناس، مهما كان ذا بطش ونفوذ، إن استطاع قهر الأجساد، فلن يستطيع أن يقهر القلوب والأرواح، إن رهبته ظاهرية، وقوته خداع لا قيمة لها. 
 
وفي عالمنا لا صوت، فوق صوت القوة، فصوتها قوي مدوي، تحف به القنابل والرصاص، وتدوي من حولها صرخات الثكالى، الذي لا يُسمع.
 
من هنا لا يجد الحق متنفس، وتضيق به السبل، وينزوي في ركن ركين، يندب حظه العاثر، وتميل به الأيام إلى زاوية النسيان، فصورة الدم مفزعة، مربكة للنفوس، وقد تنهار وتتلاشى فيها، وعندما تؤمن بالحق إيمانا عميقا، يقف في وجهه عراقيل كبرى، لعلها اختبارات قاسية، لا يتجاوز مرارتها إلى القليل، والذي لا أثر له في معمعة القوة وطغيانها.
 
فمنطق القوة التي يؤمنون بها، هي الغلبة، الانتصار في جميع أحوالها، سواء كانت على حق، أو على باطل، فيجب أن تسود، أن يكون لها الكلمة الأولى، والرأي الأوحد، الذي ينبغي أن يفرض نفسه، وقد تكون قوة غاشمة، لا تعرف حق، ولا تنحني لعقل، فعليها هي أن تمضي قدما، إلى ما تريد، ومنطق القوة أمام الضعف، أن تمحوه، أو يكون هو التابع، حتى ولو كان معه الحق، فالحق الذي لا يقف خلفه قوة، لا قيمه له، ولا رأي، فالقوة حين تجابه أي شيء، أقل منها، فهي لا محالة طاغية، منطق الأقوياء أن الزعامة خلقت للأقوياء، لأنه الأولى والأقوى، والأرفع مقاما، فالوصول إلى القوة، إنما هي المزية التي ترفعه عن الأخر، وإن الحق معه أينما كان، وحيثما حل.
 
وكأن لسان حال القوة يقول للفلسطيني، أقبل أن تكون غريبا في وطنك، قدم القرابين للمحتل، أقبل أن تدهسك أقدامه، أن تموت تحت نعاله، لا تثور من أجل نفسك، من أجل وطنك، لا تحمل أحجارا من الطريق، لترمي بها عدوك، لا تحمل سلاحا تصون به أرضك المغتصبة، منطق العالم غريب مريب، ازدواجية في التعامل، في الحكم، في الميزان، إن القضية تحت وطأت السلاح، أن تقبل، أو تموت، تقبل أن تغتصب، أن تُنتهك، الخيار بين الموت، والرضا المهين، الموت أو تقبيل النعال، الموت أو الخضوع، الاستسلام التام راضيا، أن ترفع راية بيضاء، في قضية خاسرة محسومة، أن تلوح بيدك، الجوع أو الرضا، كي نطعمك، كي تعيش عبدا، أليس الخير لك، أن تعيش عيشة الأرقاء، خير من موتك، من أن لا تعيش، إن الإنتفاضة من أجل الكرامة الإنسانية، لا يملأ المعى، لا يسد الرمق، القضية ليست قضية، أحكامها محسومة، لأنها لا توجد من الأساس، كيف تكون قضية، لشعب يحاول أن يسمح له مغتصب أرضه، أن يسمح له بأن يعطيه الفتات، كي يعيش عليه، يسمح له بأن يعطيه كوخ في نهاية أرضه، كي يعيش، يتفاوض على السماح له بأن يرضى بالقليل، إذا ما فاض من العدو، يأخذ ما يريد، ويترك له مايشاء، وبعد كل هذا، لا يريد ان يترك له أي شيء سوى الخراب، أن يُلقي له بالشغت، بالجيف، وليس له أن يعترض، أو يثور، فهي منحة منه، منة عليه، يجب أن يشكره ويحمد آلائه، وإن أعترض فهو كافر، بالنعم جاحد، ينظر إليه العالم نظرة ازدراء، على إنه إرهابي مقيت، همجي لا معرفة لديه بأدب اللياقة، أو أدب الحضارة، الحضارة التي تريد أن تسلبه الأرض والحياة، لمن لا حق لهم في الأرض، وكيف للحضارة أن تكون عوراء، تنظر بعيون عمياء، إن الحضارة التي لا تميز بين الحق الواضح الصريح، والباطل الواضح الصريح، هي حضارة تحتاج إلى الهدم، ثم البناء من جديد، إنها مزيفة لا نرى منها سوى صورة جميلة، بعقيدة فاسدة، ولن تقوى الحياة، على أن تستمر  بهذا الوضع، سوف تنهار إن لم يكن اليوم فغدا، فالباطل الذي يفرض بقوة الجبروت، والطغيان، سوف تُعريه الأيام، وتنفض عنه أوساخه، وترابه لا محالة، سوف يسقط إن لم يكن بأيدي الحق، فبهشاشة الباطل، وضعفه من الداخل.  









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة