دائماً ما يكون للفنون دور هام في توعية المجتمع ونشر الرسائل الإيجابية بطرق مختلفة تصل إلى المتلقي بطريقة سلسة وترسخ في ذهنه وتؤثر على أفكاره، فقد اتسع مفهوم الثقافة والفنون عبر التاريخ الإنساني على مر العصور والحضارات، وتطورت ونمت في المجتمعات حتى أصبحت تعرف بأنها محصلة القوانين والأعراف والعادات والتقاليد والموروث، وتنتقل من جيل إلى جيل من خلال الأسرة والمدرسة والمجتمع.
ويعد الفن شكل من أشكال التعبير الإنساني ولغة التخاطب بين الشعوب ووسيلة لنقل الحضارات والثقافات، كما يعد الفن من الأنشطة البصرية والسمعية والأدائية للتعبير عن الأفكار والرؤى الإبداعية، وهو وسيلة التواصل بعواطف ومشاعر جياشة وطلاقة في التعبير، وأسلوب حياة لتقدير الجمال، فالفن جزء مهم في الحياة اليومية بأنواعه الرسم والنحت والعمارة وكذلك الأدب والشعر والمسرح والموسيقى والسينما والأداء، وجميعها لها تأثير على المجتمع والعكس صحيح المجتمع يؤثر أيضاً على الفن، ويرتبط بالفنان والبيئة لتكون جزءاً منه ومن تعبيره.
مدى أهمية دور الفن في الحد من الجريمة والتطرف
في التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على مدى أهمية دور الفن في الحد من الجريمة والتطرف، خاصة وأن الإنسان وليد عصره ومجتمعه والمفاهيم التي ينمو معها ويجسد تجربته ويعمق ثقافته الفنية ويعزز دوره في المجتمعات الحضارية بفكر فني وذائقة جمالية، وبذلك فالفنان له تأثير على الفن الذي يسمو بالمشاعر الإنسانية ويرتقي بأحاسيس الإنسان، وتسعى مختلف الدول إلى تمكين شعوبها من العلم والثقافة والفكر والنمو الحضاري والاهتمام بالوفاق العالمي والتقارب بين الشعوب وتشجيع المثقفين والمفكرين والسياسيين لنشر خطابات مختلفة عن السلام والأمان ودور التنوع الثقافي على المجتمعات - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
في البداية - انتشرت الجريمة والتطرف في عدد من المجتمعات واتخذت الدول القوة الصلبة لمكافحتها والحد منها على مر السنين، وفي الآونة الأخيرة ظهرت ما يُطلق عليه بـ"القوة الناعمة" كأسلوب حياة لتساهم في مكافحة والحد من الجريمة والتطرف، حيث يمثل الفن وسيلة فعالة للتعبير عن الثقافة والهوية، ولكن يمكن أيضًا أن يكون أداة للحد من الجريمة والتطرف في المجتمعات، فقد يلعب الفن دورًا حيويًا في تشكيل وجدان الناس وتحفيزهم على التفكير والتأمل، مما يمكنه أن يساعد في تحقيق التغيير الاجتماعي عندما يُظهر الفن أشكالًا مختلفة من الجمال والتنوع، يمكن أن يقلل من العنف والتطرف من خلال تعزيز الفهم المتبادل والتسامح – وفقا لـ"العزاوى".
خط الدفاع الأول في مواجهة الإرهاب
ويمكن للفن أيضًا أن يساعد في بناء الوعي ورفع المستوى التعليمي في المجتمع، وذلك من خلال المعارض الفنية والحفلات الموسيقية والعروض السينمائية، بحيث يمكن للأشخاص أن يتعرفوا على ثقافات أخرى وتجارب حياة مختلفة، مما يزيد من الفهم ويقلل من التحامل والتشدد، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون الفن وسيلة لتعزيز الإلهام والأمل، فالأعمال الفنية التي تبرز القوة والتفاؤل يمكن أن تحث الناس على التخلص من اليأس، واليأس الذي قد يدفع بعضهم إلى الجريمة أو التطرف – الكلام لـ"العزاوى".
ومن جهة أخرى – فقد أوصى الخبراء المشاركون في الملتقى العلمي الدولي حول "الثقافة والفنون ودورهما في مكافحة الجريمة والتطرف"، الذي عقدته منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) يومي 17 و18 يوليو من هذا العام بشراكة مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي، بوضع تعريف جامع للتطرف، ليتسنى التعامل وفقا له بمنظور العدالة والإنصاف – طبقا للخبير القانوني الدولى.
و"القوة الناعمة" في توعية الشعوب
ودعا هؤلاء الخبراءُ المثقفين إلى الإسهام الايجابي الفعال في إثراء "حوار الثقافة والفنون إزاء الجريمة والتطرف"، مؤكدين أهمية تعزيز أدوار المقاربة الاجتماعية الاقتصادية الثقافية في استراتيجية مكافحة التطرف والإرهاب، مشددين على اعتماد برامج التكوين في المناهج الدراسية والتربوية واعتبارها مواد أساسية جاذبة في سلك الدراسة قبل الجامعية.
كما أوصى المشاركون في الملتقى سالف الذكر، الذي أقيمت فيه سبع جلسات عمل على مدى يومين، بإيلاء الناشئة اهتمامًا يماثل شراسة التحديات الماثلة على المستوى العالمي، مؤكدين على ضرورة إنشاء مراكز مناطقية تهتم بتقديم خدمات الثقافة والفنون، وقد أشار الملتقى العلمي الدولي "الثقافة والفنون ودورهما في مكافحة الجريمة والتطرف" إلى ثلاثة أمور أساسية وهى:
و3 محاور رئيسية للثقافة والفنون في مكافحة الجماعات المتطرفة والتخريبية
أولاً ـ الأمر الأول ويتعلق بالهجمة المسعورة التي تقوم بها الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي ضد الفنون وكل أشكال الإبداع الفني والموسيقي واعتبارها رجسا من أعمال الشيطان وضلالا وفسوقا يتعارض مع الشريعة، ويجب تكفير ممارسيه ومنعهم من تخريب الأخلاق والابتعاد عن نهج السلف الصالح، لكن هذه الهجمة تصدت لها مجموعات من المبدعين من خلال تنظيم ندوات ومؤتمرات وتظاهرات تراهن على الفن والإبداع انطلاقا من هاجس الحوار بين الثقافات، وتهدف إلى تعميق الائتلاف لا الاختلاف، وإلى مواجهة التطرف بأشكاله المختلفة.
ثانيًا ـ الأمر الثاني ويتعلق بتزايد الوعي بأهمية التربية الفنية والشروع في مراجعة مناهجها في النظام التربوي والتعليمي في كثير من دول العالم الإسلامي؛ من خلال تشجيع الفنون البصرية مثل: الرسم، وفنون النحت، والأعمال الفخارية، وأعمال التصميم؛ والفنون الأدائية مثل: الرقص، والموسيقى، والمسرح، والفنون المعتمدة على استخدام الكمبيوتر مثل التصوير الفوتوغرافي، والفيديو، والأفلام، والتصميم، وحصل هذا الاهتمام بالتربية الفنية وعيا بدورها الكبير في تطوير الكمال الذاتي والروحي للفرد بشكلٍ مستمر من خلال اتصاله بالفن.
ثالثًا ـ الأمر الثالث هو أن دراسات عديدة أكدت دور التربية الجمالية في نمو الشخصية الإنسانية وإذابة التطرف؛ وأن المسؤولية تقع على المجتمع والدولة بكافة مؤسساتها في تنمية الإحساس بالجمال لدى الأطفال، وفي إتاحة الفرصة لجميع أفراد المجتمع ليقدروا الفن ويستمتعوا به.
كما أكدت الأبحاث التربوية المعاصرة أن مادة التربية الفنية هي أحد الأعمدة الأساسية الرئيسة التي تسهم في تنمية الجوانب الابتكارية لدى المتعلمين، وهي خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف والإرهاب، ولا سيما أن الجماعات المتطرفة تقوم جميعها، ودون استثناء بإحباط مظاهر الفن والجمال كخطوة أساسية لنشر فكر التطرف".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة