وصلت سيدة الغناء العربى أم كلثوم إلى مطار بيروت صباح 22 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1954، لتحيى حفل زفاف الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود على «منى» ابنة رياض الصلح، أول رئيس وزراء للبنان عقب الاستقلال 1943، غير أن مفاجأة وقعت بعد وصولها، حسبما يذكر كريم جمال فى كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى».
يذكر «جمال» أن أم كلثوم سافرت بعد يومين من إحيائها للمهرجان الوطنى الكبير بميدان التحرير فى 20 أكتوبر 1954 احتفالا بتوقيع معاهدة الجلاء يوم 18 أكتوبر1954، وانتظر اللبنانيون أم كلثوم بشوق، وتصف مجلة الكواكب هذه الحالة فى تقرير خاص من بيروت بعنوان «ثلاثة أيام مع أم كلثوم فى بيروت»، نشرته يوم 2 نوفمبر 1954، تذكر فيه: هبطت أم كلثوم من الطائرة بمطار بيروت، ووجدت أمامها جمهورا من الأصدقاء والمعجبين والمصورين والصحفيين، وقالوا لها: «رابطنا فى المطار منذ الصباح»، تضيف «الكواكب»: جاءت النقابات الفنية وعشرات الوفود بعد وصول أم كلثوم بنصف الساعة، فلما سمعوا أنها وصلت وتركت المطار إلى الفندق أسرعوا وراءها، وقال لها أحدهم: «يعنى اللى يحبك لازم يتعذب بالشكل ده».
تناثرت أخبار كثيرة فى الصحف حول أجر أم كلثوم الضخم، والهدايا الثمينة لها، وتذكر «الكواكب» أنها ردت على ذلك للصحفيين اللبنانيين، قائلة: «جئت إلى بيروت بدافع حبى ووفائى للرجل العظيم الغائب رياض الصلح، «اغتيل فى 16 يوليو 1951»، وزواج ابنته سعادة كبرى لى، لا سيما وأن العريس أمير عربى ينتمى إلى أسرة لها فى كل قلب حب واحترام».
تذكر «الكواكب» أن رجال الإذاعة داروا بين منزل الأمير طلال وبين عائلة الصلح، والفندق الذى تنزل فيه أم كلثوم ليحصلوا على وعد بإذاعة الحفل، وبينما كان الجميع على هذا الحال، وقعت المفاجأة، بأن أرسل العاهل السعودى، الملك سعود بن عبدالعزيز، برقية إلى أخيه العريس الأمير طلال قال فيها: «الغناء مخالف لتقاليدنا».
تصف «الكواكب» وقع هذه البرقية، قائلة: «كان لهذا الخبر وقع كالصاعقة على عائلة العروس إلى الإذاعة اللبنانية، إلى الآلاف التى تهيأت بالسموكن وثياب السهرة منتظرة أم كلثوم»، وحسب كريم جمال علقت هى قائلة: بادرت أم كلثوم بمساعدة الأمير طلال، الذى وقع فى حرج شديد وصرحت: «أنا أيضا أحترم إرادة جلالة الملك، وأرفض الغناء فى حفل الزفاف»، وتكاتفت الجهود لمعالجة هذا الموقف المحرج.
تذكر «الكواكب» أن نقابة الموسيقيين فى لبنان أقامت حفل تكرم سخية لمطربة الشرق فى فندق الكابيتول، حضرها رئيس الوزراء ووزير المالية والأنباء، وسمو الشيخ عبدالله الجابر الصباح، وسفير مصر، وكبار الأدباء والشعراء والصحفيين وأهل الفن، ووقف وزير المالية والأنباء محيى الدين النصولى، وقال: كم كنت أحب أن أضع الخزينة اللبنانية كلها تحت تصرف أم كلثوم، ولكنى أخشى أن تصبح مديونة، وارتجل الأستاذ عبدالله المشنوق كلمة رائقة حيا فيها أم كلثوم وقال لها: إذا كان أفلاطون يحمد الله لأنه عاش فى زمن سقراط، فنحن أبناء هذا العصر نحمد الله لأننا عشنا فى زمن أم كلثوم، وعلق نقيب الموسيقيين الفنان صابر الصفح وسام النقابة على صدر أم كلثوم، فما أن أعلن ذلك حتى قام وزير المالية والأنباء باسم الحكومة بمنح مطربة الشرق أرفع وسام لبنانى تقديرا لمكانتها فى البلاد العربية.
فاجأت أم كلثوم الحاضرين بالاستجابة لإلحاحهم عليها بالغناء، وغنت «يا ظالمنى» فى ساعة وربع الساعة، وفقا لـ«الكواكب»، مؤكدة، أنها كانت فى غاية الانسجام، كما كانت الطرابيش تطير فى جو «الكابيتول»، وسجلتها الإذاعة اللبنانية، وبعد الغناء، وقف الوزير محيى الدين النصولى، وارتجل كلمة حيا فيها مصر وثورتها ورجالها الأبطال بمناسبة عيد الجلاء، وقال: «همست فى أذنى أم كلثوم برأى أحب أن أعلنه، وهو أن رجال الثورة فى مصر مخلصون وطنيون يضحون بكل شىء فى سبيل مصر ورفعتها ورقيها»، ورد السفير المصرى بكلمة مرتجلة قائلا: «إن تحرير مصر هو تحرير العالم العربى، ورجال الثورة المصرية لا يهدفون إلى خدمة مصر فحسب، بل هم على استعداد لتحمل رسائل العروبة والعمل على حل مشاكلها».
فى نهاية الحفل، قال رئيس الوزراء سامى الصلح، وهو يشد على يد أم كلثوم: «كنا نتمنى أن تمكثى فى لبنان شهرا وشهرين والعمر كله إن أمكن، والبرلمان أعطانى فى الأسبوع الماضى سلطة إصدار المراسيم الاشتراعية، وكم كان بودى أن أصدر مرسوما بمصادرتك، ولكن أخاف أن تقوم بيننا وبين المعجبين بك فى العالم العربى أزمات متواصلة».
لم تدم هذه الرحلة أكثر من يومين، ففى صباح السبت 23 أكتوبر 1954 عادت أم كلثوم إلى القاهرة، وكان وداعها حافلا، ووقفت تودع الناس وتقول لهم: «لن أنسى هذه الزيارة إلى لبنان».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة