فى تمام الساعة الخامسة بعد عصر يوم 31 يناير 2015 بدأ التليفزيون المصرى فى بث كلمة للرئيس السيسي، وهو يقف وسط أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقال كلمات حاسمة كثيرة، وحينما قال نصاً "إحنا مش هانسيب سيناء لِحَد".. أدرَكتُ فى حينها أننا أمام رئيس فدائي قوى يعرِف حجم التحديات والمخاطر التى تواجهها مصر، لكنى لم أستطع استيعاب هذه الجُملة جيداً لأننى شعرتُ بـ "غُصة فى قلبي" لثلاثة أسباب هى:
_ كُنت فى أشد الحُزن على أبنائنا من الجيش الذين استُشهِدوا فى العملية الإرهابية فى شمال سيناء.
_ كُنت فى حالة قلق من حدوث مُعوقات تَحُول دون إقامة المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ.
_ لم أكن أتوقَع عدد التنظيمات المُتطرفة التى ظهرت على السطح وأعلنت مُعاداتها للدولة.
أخدت وقتا ليس بالقليل لكى أبدأ فى التركيز الشديد فى الكلمات الهامة التى قالها الرئيس السيسي، وقُلت لنفسي: إن مصر تمُر بمرحلة صعبة فى تاريخها، وأحمِد الله بأن الرئيس السيسي يقودها الآن وإن شاء الله سيقودها لبر الأمان، كُنتُ على يقين _ راسخ _ بأن الله معنا ولن يتركنا، لأننا دافعنا عن الوطن وصَمدنا فى وَجه المُتطرفين الإرهابيين حتى زال حُكمهم لكن لم يَزل إرهابهم ومازالت تنظيماتهم الإرهابية موجودة، لكننى _ وبنفس اليقين الراسخ _ كُنت أعلم بأن لدينا رجالا شُرفاء فى الجيش والشرطة صامدون وأُمناء ومُخلصون وقادرون على التصدى لهذه التنظيمات الإرهابية والتى أعتبِرُها بمثابة خلايا سِرية عنقودية خرجت مِن رَحِم تنظيم الإخوان الإرهابى الذى يُعتبر (الأُم الحاضنة) لباقي التنظيمات الإرهابية.
ومِن يومها وأنا أُركِز على أخبار سيناء، إلى أن تَحَول تركيزى إلى الاهتمام بأخبار تعمير سيناء وحجم ما تم بها من إنشاءات وطُرق وبنية أساسية ومساكن ومصانع ومحطات تحليه مياه.. فقد كُنتُ من أوائل الإعلاميات اللاتي ذهبن إلى شمال سيناء لتغطيه الأحداث بِحُكم مسئوليتي عن إدارة مكتب قناة فضائية دولية فى هذه الأوقات، كُنت أتَجَول فى شوارع العريش وأنا حريصة _ كل الحِرِص _ على النظر فى وِجوه المواطنين من أهالى سيناء، وجدت فى عيونهم النضال مُتَجَذرا، وحب الوطن يُطِل ويُشِع ويبدو أنه سمة أساسية لديهم وكأنهم يقولون: سيناء الغالية علينا، رِجعت كاملة لينا، لا يُمكِن نِفَرط فيها، دى رِمالها أمانة فى إيدينا.
ليعلم الجميع أن غلاوة أرض سيناء ورِمالها نابعة من كونها الجزء الذى نعتز به على مدار تاريخنا الحديث، فقد ارتوت رِمالها بدماء الشهداء الذين حاربوا _ فى أشرف حرب فى تاريخنا فى أكتوبر 1973 _ وضَحوا بحياتهم من أجل عودتها ووفقهم الله وحَققوا النصر المُبين، وعادت لنا بأغصان زيتونها ورِمالها وقبائلها وعشائرها الطيبيين.
ومنذ اندلاع المواجهات فى قطاع غَزة بين حركة حماس وإسرائيل، وانكشف سر المخطط القديم الذى حاولوا تجديده وهو مُخطط تهجير أهالى قطاع غزة إلى سيناء، ويحاولون الإسراع فى تنفيذه الآن، فقد صَرَحت قيادات كبرى فى إسرائيل فى وسائل الإعلام عَلانية برغبتهم فى تنفيذ تهجير أهالي غزة إلى سيناء، كما كشف عدد من الخبراء العسكريين الإسرائيليين فى برامج تليفزيونية بأن حكومة نتنياهو طلبت من مصر استقبال 1.5 مليون فلسطينى من سكان قطاع غزة، وإقامة ملاجى مُؤقتة لهم فى سيناء، وقال عدد من المنتمين لوزارة الخارجية الإسرائيلية السابقين: لابد أن تتعاون معنا مصر وتستقبل أهالى غزة فى أراضيها بـ "سيناء".. كل هذا جعلنى أُدرِك أن اشتعال المنطقة حَوَلنا وإدخالنا فى صراعات يُساعدهم على تنفيذ هذا المُخطط.
ومنذ صباح يوم 7 أكتوبر الجارى واندلاع المواجهات بين إسرائيل وحماس فى قطاع غزة ونحن نُتابع _ بكل اهتمام _ لقاءات "الرئيس السيسي" وتصريحاته فى المؤتمرات الصحفية والتى كشف خلالها عن رفض "مصر" لمخطط تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأراضى المصرية فى سيناء.. وفى هذه النقطة تحديداً لى تفسيران مهمان:
_ أن الرئيس السيسي ينطِق بما ينطِق به الشعب المصرى من رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى سيناء.
_ أن الرئيس السيسي يُدرِك أن التاريخ يُسجِل مواقف الرؤساء وسيكتُب التاريخ بأنه: أنقذ مصر وحافظ علي بقائها وعمل على تحقيق تنمية فى كل ربوعها ولم يوافق على توطين الفلسطينيين فى سيناء حتى لا تنتهى القضية الفلسطينية.. وبذلك وَضَح للجميع أن مصر ترفُض الإملاءات ، ولن تقبل بأى ضغوط خارجية، وقرارها مُستقِل وهى دولة ذات سيادة، ولن تترك الشعب الفلسطينى وحده وستُقدُم له المساعدات تحت شعار (مسافة السكة) ليصبح شِعار المرحلة التى نعيشها، وهى مرحلة تقديم المساعدات للأشقاء العرب الذين يعانون من ظروف غير مُستقرة ومنهم الأشقاء فى ليبيا والسودان.
أنا مع الرئيس السيسي فيما قاله عن رفض مصر أى عملية تهجير للأشقاء الفلسطينيين إلى سيناء، وأعتَبِر نفسي من مؤيديه وأنصاره الذين وَجَدوا فيه _ منذ أن ظهر على الساحة _ بأنه المُنقِذ والمُخلِص والأمين على هذا البلد، وأفتخر بما حققه من مشروعات فى سيناء فى كل المجالات ، وأفتخر أكثر بموقفه تجاه القضية الفلسطينية والذى جعلنى أُصَفِق له وأقول عنه "السيسي رئيس مُشَرِف"، فقد ظهر خلال الأسبوعين الماضيين فى المؤتمرات الصحفية ثابتاً قوياً وناصحا أمينا وفاهماً وواعياً لكل أبعاد وتَبِعات القضية الفلسطينية.. هُنا تحديداً وللمرة الثانية وصلت إلى عقلي رسالته والتى تتلَخص فى الجملة القوية التى قالها منذ ما يقرب من ثماني سنوات ونصف وهى "إحنا مش هانسيب سيناء لِحَد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة