سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 2 أكتوبر 1891.. وكيل حكمدار الغربية يتنكر فى زى تاجر قطن للقبض على عبدالله النديم بقرية «الجميزة» بعد اختفائه تسعة أعوام

الإثنين، 02 أكتوبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 2 أكتوبر 1891.. وكيل حكمدار الغربية يتنكر فى زى تاجر قطن للقبض على عبدالله النديم بقرية «الجميزة» بعد اختفائه تسعة أعوام عبدالله النديم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تنكر وكيل حكمدار مديرية الغربية، فى زى تاجر قطن، وذهب ليلا إلى قرية «الجميزة» فى 2 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1891 على رأس فرقة من الجند طوقت القرية للقبض على الشيخ إبراهيم الشهاوى الذى هو فى الحقيقة عبدالله النديم، وطلب وكيل الحكمدار من عمدة القرية أن يدلهم على البيت الذى يسكنه «الشهاوى» فأنكر العمدة وجود هذا الاسم، حسبما يذكر الدكتور على الحديدى فى كتابه «عبدالله النديم خطيب الوطنية».
 
كان «النديم» متخفيا وراء اسم إبراهيم الشهاوى، وكان من أسماء عديدة أطلقها على نفسه منذ اختفائه بعد هزيمة الثورة العربية فى التل الكبير، 13 سبتمبر 1882، ووفقا لقوله هو فى العدد الأول من مجلته «الأستاذ»، 24 أغسطس 1892: «خرجت من مصر (القاهرة) مختفيا، فدرت البلاد متنكرا، أدخل كل بلد بلباس مخصوص، وأتكلم فى كل قرية بلسان يوافق دعواى التى أدعيها من قولى، أنى مغربى، أو يمنى، أو مدنى، أو فيومى،  أو شرقاوى، أو نجدى، وأصلح لحيتى إصلاحا يوافق الدعوى أيضا، فأطيلها فى مكان عند دعوى المشيخة، وأقصرها فى آخر عند دعوى السياحة مثلا، وأبيضها فى بلد، وأحمرها فى قرية، وأسودها فى عزوبة (عزبة)، ورأيت من رجال المروءة والهمم من لم يكونوا فى حسابى».
 
فى البداية نزل بقرية منية الغرقى، بالمنصورة، ثم انتقل بعد أربعة شهور إلى العتوة القبلية بالقرب من طنطا، ليختفى عند عمدتها، باسم الشيخ يوسف المدنى، ثم إلى كوم الطويل، بمحافظة كفرالشيخ، وقضى فيها ثلاثة أعوام، ثم إلى القرشية، فى عزبة المنشاوى باشا»، باسم الشيخ على اليمنى، من أهل اليمن، وأخيرا فى الجميزة باسم إبراهيم الشهاوى.
 
يؤكد أنه فى سنوات الاختفاء رأى «رجال المروءة والهمم من لم يكونوا فى حسابى»، وفى سيرته الروائية «العودة إلى المنفى»، يذكر مؤلفها أبوالمعاطى أبوالنجا: «فى قلب الريف كان الشيخ شحاتة القصبى، شيخ الطرق الصوفية، وصديقه القديم، يوشك أن يكوّن دولة مستقلة، يمكن أن تبسط حمايتها على النديم، وتتصدى للحكومة والإنجليز معا»، كان القصبى هو الذى يرشح له الأماكن، ويبعث برجاله لمتابعته، أما عمدة العتوة القبلية، بحكم ولائه للشيخ القصبى، أصبح أحد حماة النديم، وحين مات العمدة بكاه كثيرا، وانتابته الهواجس، فضلا عن الأحزان، وتقدم منه أكبر أبناء العمدة، وكان صبيا فى الخامسة عشرة وبلهجة متعثرة يقلد فيها الرجل قال له: «قبل أن يموت أبى لم أكن أعرف حقيقتك، ولكن أمى الآن أخبرتنى أنك عبدالله نديم الذى تبحث عنه الحكومة، وسألتنى: هل سأكون مثل أبى فى حمايتك؟ وأحب أن تطمئن يا سيدى إلى أننى سأكون، وضمه النديم إلى صدره فى حنان».
 
يضيف «أبوالنجا»: «حين غادر مخبأه الأول فى منية الغرقى فوجئ بمأمور شركسى يعترض طريقه، قائلا: لا تحاول أن تنكر نفسك فأنا أعرفك، أنت عبدالله النديم»، ولم يصدق عينيه حين أشار له المأمور ليأخذ فى مسيرته طريقا آخر، حتى لا يلتقى بالقوة التى تتبع المأمور، ولم يصدق نفسه حين قدم له المأمور كل ما معه من نقود ليستعين بها فى مواصلة هروبه».
 
عاش «النديم» سنوات اختفائه تحت ستر هؤلاء الذين هم مصر الحقيقية التى لا يعرفها حسن الفرارجى، الذى أوشى بالنديم، ويذكر «أبوالنجا»، أن «الفرارجى» كان يقطن فى الجميزة، وكان من رجال البوليس السرى الذين اشتركوا فى البحث عن النديم، قبل إحالته للمعاش، وكان للفرارجى حقل يذهب إليه يوميا، فوجد رجلا يقرأ فى كتاب ويجلس معه مآذون القرية، ورجلا ثالثا هو خادمه، يجلس بعيدا عنهما، وحين اقترب الفرارجى من الجمع غطى الذى يقرأ وجهه بطرف ثوبه، فاشتبه الجاسوس السابق فيه، ودنا من الخادم وسأله عن الرجل، فلم يزد عن قوله: إنه شيخ جاء ليقرأ العلم، وأخذ يتهرب من أسئلة المخبر، ما جعل الشك يتزايد فى قلبه، فأخذ يراقب النديم كل يوم على البعد حتى تأكد لديه - من خبرته السابقة - أنه شخصية كبيرة هاربة من الحكومة، فتقدم إلى المعية السنية بعريضة ذكر فيها ما رأى، وادعى فيها أن الهارب من العرابيين.
 
داوم «الفرارجى» حضور حلقة الدرس، وأظهر إعجابه بالشيخ وعلمه، وظل يتحقق عن قرب ملامحه التى تغيرت مع الزمن حتى تأكد أنه النديم، فسارع إلى القاهرة وفى نفسه أحلام الحصول على الألف جنيه المرصودة مكافأة لمن يدل على النديم وقابل «الفرارجى» المسؤولين بالقصر الخديوى، وأنهى إليهم باكتشافه، ثم تقدم بعريضة يطالب فيها الألف جنيه، لكنه لم يجد غير خيبة الأمل، فالمكافأة كانت موقوتة بعام واحد فى حين مر على اختفاء النديم أكثر من تسع سنوات.
وصدرت الأوامر بالقبض على النديم، وخرجت الحملة من مديرية الغربية للقبض عليه. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة