وراء كل رجل عظيم امرأة.. عصمة الدين خاتون زوجة صلاح الدين الأيوبى أكبر داعم لزوجها فى تاريخ الفتوحات.. حمت دمشق من احتلال الصليبيين بعد وفاة "زنكى".. وشجعت "الناصر" على تحرير أراضى العرب وحزن كثيرا على وفاتها

الإثنين، 30 يناير 2023 07:19 م
وراء كل رجل عظيم امرأة.. عصمة الدين خاتون زوجة صلاح الدين الأيوبى أكبر داعم لزوجها فى تاريخ الفتوحات.. حمت دمشق من احتلال الصليبيين بعد وفاة "زنكى".. وشجعت "الناصر" على تحرير أراضى العرب وحزن كثيرا على وفاتها
كتب أحمد عرفة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عندما قال نابليون بونابرت عبارته الشهيرة "وراء كل رجل عظيم امرأة"، كان يستلهم من التاريخ قصص وحكايات لعظماء كانت لزوجاتهم دورا كبيرا في نجاحهم الكبير وتحقيق الانتصارات التي أبهرت العالم، وإن اختلفت الأقاويل حول قصد "بونابرت" بهذه العبارة وأنه قصد تمجيد نفسه ولكن في الحقيقة هي عبارة تفسر نفسها، فإذا طالعت كتب التاريخ وتفحصت حياة عظماء التاريخ ستجد أن زوجاتهم كن أكبر داعم لهم لتحقيق تلك الإنجازات التي لا زلنا نتحدث عنها حتى الآن، وكن أكبر معين لأزواجهن في مشوار الحياة، وإن كنا نسلط الضوء كثيرا على تلك الشخصيات التاريخية سواء في القديم أو التاريخ المعاصر فإن البعض يجهل المعلومات عن أزواج تلك الشخصيات.

 

لا يمكن أن تجد رجلا ناجحا وكانت له إنجازات بارزة، إلا وكانت زوجته تتمتع بصفات النجاح والصبر والدعم المستمر للزوج، وتهيئة المناخ المناسب كى يحقق زوجها كل أحلامه وأهدافه وتشجعه بشكل مستمر، وعلى النقيض، ستجد من يذكرهم التاريخ بالسوء كانت زوجاتهم يتسمن بنفس صفات السوء، وبالطبع هذا ليس تعميما ولكن الغالبية العظمى، وكذلك من حققوا النجاح اتسم زوجاتهم بصفات النجاح والإصرار، فلا يمكن أن ينكر أي أحد الدور الكبير للمرأة سواء في المنزل أو في الدعم المستمر للزوج نفسيا ومعنويا إلا جاحد.

 

في هذا الملف والذى اخترنا أن يحمل عنوان "وراء كل رجل عظيم امرأة"، نسلط الضوء على زوجات شخصيات تاريخية مصرية وعربية يجهلها الكثيرين، نعرف تلك الشخصيات وما حققته من انتصارات وإنجازات أبهرت الجميع ولكن نختزل مشوار حياتهم في تلك الإنجازات التي حققوها وننسى زوجاتهم اللاتى كن الداعم الأول والأساسى لهم، والقصص كثيرة للغاية وإذا سردنا قصص زوجة كل شخصية تاريخية عظيمة قد نحتاج لسنوات وسنوات وعمر بالكامل، ولكن في هذا الملف سنسرد أبرز قصص حياة زوجات تلك الشخصيات ونسلط الضوء على حياتهن وكيف كن داعما لأزواجهن.


 

عصمة الدين خاتون زوجة صلاح الدين الأيوبى
 

حزن كثيرا على وفاتها، فقد رافقته خلال مشوار الفتوحات التي حققها ونجح فيها من دخول البلاد العربية وتحريرها من الصليبيين، مشوارها الناصع فى الدفاع عن بلادها ضد الصليبيين، كان السبب الأول في زواجه منها، ونصائحها له وتشجيعها له كانت نبراسا لتحقيق النجاحات الذى لا زال يذكرها التاريخ عنه حتى الآن.

عصمة الدين خاتون
عصمة الدين خاتون

 

كثيرا ما نذكر بطولات الناصر صلاح الدين الأيوبى، فهو هازم الصليبيين ومحرر الأقصى، والكتابات عنه وعن انتصاراته لم تقتصر على العرب فقط ولكن أيضا الغرب، وما زلنا نتذكر تاريخه المشرق حتى الآن، ولكن كثير منا يجهل زوجته عصمة الدين خاتون، أرملة نور الدين زنكي التي تزوجها بعد وفاة زوجها، لتكون أكبر معين له خلال مشوار انتصاراته.

 

من هي زوجة صلاح الدين؟
 

هي عصمة الدين خاتون ابنة معين الدين أنر الذى كان يحكم دمشق، ووفقا لما ذكره المؤرخون فقد نشأت في بيت جهادي، ، حيث كان والدها معين الدين يتولى شؤون الدولة في فترة الأتابك وتعلمت منه الأدب والصبر والذكاء، ثم أصبح والدها حاكم دمشق فى 1138، وحكمت في المدينة بالنيابة عن سلسلة من الأمراء الشباب من سلالة بوريون.

 

زواجها من نور الدين زنكى
 

المعلومات عن تفاصيل زوجها مع نور الدين زنكى ليست كثيرة، ولكن بحسب ما ذكره المؤرخون فإن زواج عصمة الدين خاتون من نور الدين زنكى، عندما حكمت "خاتون" دمشق بالنيابة عن سلسلة من الأمراء الشباب، وحينها كان لدمشق منافس كبير في الشمال في حلب والموصل، وهذه الولايات كان يحكمها عماد الدين زنكي، وفى هذا الوقت حافظت دمشق على تحالفها مع مملكة بيت المقدس، وفى عام 1147، تزوجت عصمة الدين من نورالدين زنكي ضمن هذا التحالف، وحينها اعترف والدها "معين الدين" بنور الدين زنكى بعد الحملة الصليبية الثانية التي حاصرت دمشق، الذي جاء لإنقاذ دمشق من الصليبيين، ليتوفى معين الدين في عام 1149 ويمكن "زنكى" من السيطرة الكاملة على دمشق في عام 1154.

نور-الدين-زنكي
نور-الدين-زنكي

 

كيف حافظت "خاتون" على دمشق بعد وفاة زوجها نور الدين زنكى؟
 

كانت مصيبة كبرى حلت على دمشق بعد وفاة حاكمها نور الدين زنكى، خاصة أن خطر الصليبيين الذين يحتلون بيت المقدس مستمر على تلك المدينة المهمة، ووجدت عصمة الدين خاتون نفسها أمام مسئولة كبيرة تتمثل في الحفاظ على بلادها من عدوان الصليبيين، فبعد وفاة نور الدين محمود زنكي في عام 1174، ظلت "خاتون" في قلعتها بدمشق تزيد من أعمال الخير والبر، وهو ما جعل "نوري الأول"، الذى كان يحكم بيت المقدس حينها وتابعا للصليبيين، وفاة نور الدين زنكى، وهو ما أحدث حالة خلل كبيرة في مدينة دمشق وجيشها،  خاصة أن وفاة "زنكى" كانت مفاجئة وبالتالي لم تستعد المدينة لمرحلة ما بعد "زنكى" ليذهب نورى الأول بجيش من بيت المقدس في محاولة للسيطرة على مدينة دمشق والتي إن استولى عليها ستكون ضربة كبرى للمسلمين، وبالفعل حاصرها لمدة أسبوعين كاملين، إلا أن المدينة واجهت هذا الخطر بكل شجاعة، بقيادة عصمة الدين خاتون، والتي عرضت على نوري الأول الهدنة، ورفضها في البداية حتى تنازلت له عن مبلغٍ كبيرٍ كانت تدفعه لخزينة المسلمين، وأخلت سبيل عدد من الجنود الصليبيين التابعين لبيت المقدس، لتنجح الهدنة ويعود حاكم بيت المقدس من حيث أتى وتحافظ عصمة الدين خاتون من خلال حكمتها على دمشق من الاحتلال الصليبى.

 

زواجها من صلاح الدين الأيوبى
 

بعد وفاة نور الدين زنكى، سعى صلاح الدين الأيوبى، الذى كان يحكم مصر حينها، من توحيد راية المسلمين، وجعل كل المدن الإسلامية تخضع لسلطته بعد مصر، كى يستطيع بعدها مواجهة خطر الصليبيين، وكان من بين البلاد التي سعى صلاح الدين الأيوبى لضمها تحت قيادته مدينة دمشق أحد أكبر مدن المسلمين حينها، فدخل دمشق وتزوج من عصمة الدين خاتون، والتي كانت معروفة بمواقفها البطولية وأعمالها الخيرة في دمشق، ليختارها صلاح الدين الأيوبى زوجة له تعينه في مشواره الصعب المتمثل في تحرير أراضى المسلمين من الصليبيين وفتح المسجد الأقصى، وبالفعل كانت له السند والمعين، وناصحة أمينة له في كثير من أمور الدول، خاصة أنها تتمتع بالحكمة، والذكاء، والذى اكتسبته من والدها معين الدين وزوجها المتوفى نور الدين زنكى، وبعد زواج صلاح الدين الأيوبى لها عام 1176، أعلن نفسه وصيا على العرش في دمشق، ثم أعلن نفسه سلطان على كل من الشام ومصر.

download
صلاح الدين الأيوبى

 

ويقول ابن الكثير في كتابه "البداية والنهاية" عن تفاصيل الزواج: في هذا الشهر تزوج السلطان صلاح الدين بالست خاتون عصمة الدين بنت معين الدين أنر ، وكانت زوجة الملك نور الدين محمود ، فأقامت بعده في القلعة محترمة مكرمة ، وولي تزويجها منه أخوها الأمير سعد الدين مسعود بن أنر ، وحضر القاضي ابن أبي عصرون العقد ، ومن معه من العدول ، وبات الناصر عندها تلك الليلة والتي بعدها ، ثم سافر إلى مصر بعد يومين من الدخول بها ، فركب يوم الجمعة قبل الصلاة فنزل بمرج الصفر ، ثم سافر فعشا قريبا من الصنمين ، ثم أجد السير حتى كان دخوله الديار المصرية يوم السبت سادس عشر ربيع الأول من هذه السنة في أبهة الملك، وقد تلقاه أخوه ونائبه الملك العادل سيف الدين أبو بكر إلى عند بحر القلزم ومعه من الهدايا شيء كثير ولا سيما المآكل المتنوعة ، وكان في صحبة السلطان العماد الكاتب ، ولم يكن ورد الديار المصرية قبل ذلك ، فشرع يذكر محاسنها ، وما اختصت به من بين البلدان ، ووصف الهرمين ، وشبههما بأنواع من التشبيهات ، وبالغ في ذلك حسب ما ذكر في " الروضتين " .


 

الأعمال الخيرية والدعوية لعصمة الدين خاتون
 

كانت عصمة الدين خاتون نعمة الزوجة التي تشد من عضد زوجها وتشجعه على تحرير أراضى المسلمين وتدفعه نحو الجهاد لفتح الأراضى من أيدى الصليبيين، وكان لها دورا كبيرا في محاولة إصلاح المجتمع والنهوض به، وكانت معروفة بين المسلمين حينها بالصلاح والمسارعة إلى الخيرات، وخصصت أموالا طائلة من أجل أعمال الخير وتعليم الأمة وتربيتها، ووصفها العديد من المؤرخين بالفقيهة في المذهب الحنفى، وساهمت في بناء مدرسة في دمشق واشتهرت فيما بعد بالمدرسة الخاتونية الجوانية بمحلة حجر الذهب، وتخصصت المدرسة في تدريس المذهب الحنفي في دمشق، وتخرج منها الكثير من العلماء في هذا العصر، وكانت تكثر من تدارس القرآن وقيام الليل وتجتهد في الطاعة، وأسست تربة بقاسيون على نهر بردى، خانقاه على نهر بانياس ، بجانب تأسيس الكثير من الأوقاف، وقال عنها العديد من المؤرخين إنها كانت من أحسن النساء وأعفهن وأكثرهن خدمة لدينها، وكانت لها أوقاف والكثير من الصدقات، وكانت كثيرة القيام بأعمال الخير، وكانت مربية متميزة لأبنائها، حيث ربتهم على حب الجهاد، وتحرير بيت المقدس، وتحافظ على قراءة القرآن وقيام الليل، وتوفيت في دمشق في عام 1185، ودفنت بتربتها التى بنتها، ومن شدة حب صلاح الدين الأيوبى لها، تم إخفاء خبر وفاتها عنه لمدة ثلاث أشهر نظرا لمرضه، وعندما علم بوفاتها اشتد مرضه، وحزن عليها كثيرا.

 

 

أبرز مقولات المؤرخين عنها
 

قال عنها عبد القادر بن محمد النُّعيمي الدمشقي خلال حديثه على المدرسة الخاتونية :"خاتون بنت أنر زوجة الملك نور الدين فتأخرت، ولها مدرسة بدمشق و خانقاه معروفة على نهر بانياس، بجانب محلة حجر الذهب، أنشأتها خاتون بنت معين الدين أنر"

 

قال عنها العماد في كتاب الدارس في تاريخ المدارس، "إن عصمة الدين خاتون من أعف النساء وأعصمهن وأجلهن في الصيانة وأحزمهن متمسكة من الدين العروة الوثقى ولها أمر نافذ ومعروف وصدقات ورواتب للفقهاء وإدارات وبنت للفقهاء بدمشق مدرسة ورباطا وكلاهما ينسبان إليها فالمدرسة داخل دمشق بمحلة حجر الذهب قرب الحمام الشركسي والرباط خارج باب النصر راكب على نهر بانياس في أول الشرف القبلي ، وذلك سوى وقوفها على معتقيها وعوارفها وأقاربها ".

وأكد الإمام الذهبي أن صلاح الدين كان يصدر عن رأيها، ويأخذ عنها الكثير خلال فتوحاته نظرا لطبيعتها الجهادية، كما ذكر ابن طولون، أن عصمة الدين كانت من أحسن النساء.

 

عضو اتحاد المؤرخين العرب: نشأت وترعرعت في بيت يحمل هم الأمة ويدافع عنها
 

خلال الحلقة الأولى من هذا الملف، حاورنا الدكتور زين العابدين كامل عضو اتحاد المؤرخين العرب، ليكشف لنا تفاصيل حياة عصمة الدين خاتون، وكيف كانت سندا لزوجها الأول نور الدين زنكى ثم بعد وفاته وزواجها من صلاح الدين الأيوبى كانت أكبر داعم له في مشوار الفتوحات الإسلامية وطرد الصليبيين من الأراضى العربية، ويكشف الكثير من ملامح شخصيتها.

 

في البداية.. كيف كانت المرأة المصرية والعربية داعمة لزوجها في تحقيق البطولات والنجاحات على مر العصور؟
 

في الحقيقة.. من طالع محطات التاريخ الإسلامي عبر مراحله المختلفة، يلحظ أنه في كثير من الأحيان، تلعب النساء دورًا كبيرًا في تماسُك المجتمع الإسلامي، بل وفي صد الغزاة والأعداء عن الأمة، لأن المرأة الواعية والمثقفة، والمتمسكة بدينها وعقيدتها، تمثل في كثير من الأحيان حائط صد، أمام أعداء الأمة، وتقف حجر عثرة أمام مخططات الهدم والتدمير.

 

كيف كانت عصمة الدين خاتون داعمة لزوجها "زنكى" و"صلاح الدين الايوبى"؟
 

لعل من أبرز الشخصيات النسائية التي لعبت دورًا عظيمًا ومهمًّا في مرحلة حرجة من تاريخ الأمة، هي عصمة الدين خاتون، ومن المعلوم أن عصمة الدين خاتون قد نالت الشرف مرتين؛ حيث تزوجت أولًا من سلطان مصر والشام؛ نور الدين محمود زنكي، ثم بعد وفاته، تزوجت من الناصر صلاح الدين الأيوبي، وبهذا تكون عاصرت عصمة الدين خاتون، مرحلة حرجة من تاريخ الأمة، وهي مرحلة الحروب الصليبية.

 

هل كانت نشأة عصمة الدين خاتون لها دورا في أن تتمتع بصفات الجلد والسند لزوجها والداعم للفتوحات العربية ضد الصليبيين؟
 

بالفعل.. عصمة الدين خاتون قد نشأت وترعرعت في بيت يحمل هم الأمة ويدافع عنها، لأن أباها هو الأمير معينِ الدِّينِ أَنُرَ، أحد القادة الكبار في دمشق في عهد حكم السلاجقة الأتابكة، وقال عنه المؤرخون إنه كان عاقلاً سائسًا مدبِّرًا، حسن الديانة، ظاهر الشجاعة، جليل القدر، عالي الهمة، موصوفًا بالرأي، مُحِبًّا للعلماء والصُّلَحاء، كثير الصدَقة والبِر.

 

ما هي تفاصيل زواج عصمة الدين خاتون بنور الدين زنكى ثم صلاح الدين الأيوبى؟
 

والدها مُعِينِ الدِّينِ أَنُرَ كان في بادىء الأمر على خلاف مع آل زنكي حكّام حلب والمَوْصل، إلا أنه تحالف مع السلطان نور الدين زنكي في عام 541ه، وصلح أمره، ثم تقدم نور الدين وطلب الزواج من عصمة الدين خاتون، فوافق أبوها وتم الزواج المبارك، وبعد وفاة نور الدين؛ تقدم للزواج منها؛ السلطان صلاح الدين عام 572ه، لما كانت تتمتع به من صفات حميدة، والذي دعا صلاح الدين إلى ذلك، أنه يعرف قدرها وعفتها ورجاحة عقلها، وسمعتها الطيبة التي كانت تتمتع وتُعرف بها، حيث يقول أبو شامة المقدسي صاحب كتاب: الروضتين في أخبار النورية والصلاحية؛ "وفي آخر صَفَر تزوّج السلطان بالخاتون المنعوتة عصمة الدين بنت الأمير معين أنر، وكانت في عصمة نور الدين -رحمه الله تعالى- فلما توفي أقامت في منزلها بقلعة دمشق، رفيعة القدر، مستقلة بأمرها، كثيرة الصدقات، والأعمال الصالحات، فأراد السلطان حفظ حرمتها، وصيانتها وعصمتها، فأحضر شرف الدين بن أبي عصرون وعُدُوله، وزوَّجه إياها بحضرتهم؛ أخوها لأبيها الأمير سعد الدين مسعود بن أنر بإذنها، ودخل بها وبات عندها، وقرن بسعده سعدها؛ وَخرج بعد يَوْمَيْنِ إِلَى مصر.

كيف ربت عصمة الدين خاتون أولادها ؟
 

لقد أثمر زواج الخاتون عصمة الدين؛ من السلطان نور الدين زنكي عن؛ ابنة وولدين، هما أحمد الذي توفي طفلاً صغيرًا، و الثاني هو الصالح إسماعيل الذي توفي عنه أبوه وهو  لم يزل طفلًا صغيرًا، فاهتمت به أمه عصمة الدين، وقامت بتربيته أحسن تربية، وأصبح من القادة الشباب، ومَلَك الشام والجزيرة بعد وفاة أبيه عام 569هـ، وكان عمره إحدى عشرة سنة تقريبًا، وقد اشتُهر بتقواه وورعه، كما يذكر ابن الأثير في كتابه: الكامل في التاريخ؛ أنه رفض الأخذ برأي الأطباء في شرب الخمر للتداوي عندما أصيب بمرض - القُولَنْجُ - وهو مرضٌ مِعَويّ مؤلمٌ يصعب معه خروج الِبراز والريح، وسببه التهاب القولون، حيث قال: لا أفعل حتى أستفتي الفقهاء، فاستفتى الفقهاء، فأفتاه فقيه من مدرِّسي الحنفية بجواز ذلك، فقال له: أرأيت إن قدر الله -تعالى- بقرب الأجل، أيؤخره شرب الخمر؟ فقال له الفقيه: لا؛ فقال: والله لا لقيت الله -سبحانه- وقد استعملت ما حرَّمه عليَّ، وأبى أن يشرب الخمر، فتُوفي -رحمه الله- ولم يبلغ العشرين من العمر، وهذه ثمرة المربية العابدة الفاضلة؛  عصمة الدين خاتون.

 

كيف كان دور عصمة الدين خاتون في دعم زوجها صلاح الدين الأيوبى وقبله نور الدين زنكى؟
 

عصمة الدين خاتون لم ينحصر دورها في التربية والعبادة فقط، بل كانت نعم السند لزوجيها أثناء حركة الجهاد في القرن السادس الهجري، وكانت تشد من أزرهما، وكانت تعينهما بالرأي والمشورة والنصح، ومن أعمالها كذلك أنها كانت وميض إصلاح في المجتمع، وقد خصصت أموالاً كثيرة في سبيل الله تعالى، وذلك مساهمة منها في أعمال الخير؛ والتربية والتعليم، حيث قال عنها أبو شامة :" وَكَانَت فِي عصمَة الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي رَحمَه الله فَلَمَّا توفّي وَخَلفه السُّلْطَان بِالشَّام فِي حفظ الْبِلَاد ونصرة الْإِسْلَام تزوج بهَا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَهِي من أعف النِّسَاء وأعصمهن وأجلهن فِي الصيانة وأحزمهن مستمسكة من الدّين بالعروة الوثقى وَلها أَمر نَافِذ ومعروف وصدقات ورواتب للْفُقَرَاء وإدرارات وَبنت للفقهاء والصوفية بِدِمَشْق مدرسة ورباطًا، ووصف بعض المؤرخين؛ الخاتون عصمة الدين، بأنها كانت فقيهة في المذهب الحنفي، ولشدة حبها للعلم والفقه، قامت ببناء المدرسة الخاتونية على نفقتها الخاصة، عام 573هـ، على مذهب الحنفية، وكانت أيضًا تقوم برعاية طلاب العلم والعلماء والفقهاء، وهكذا تلعب المرأة المسلمة؛ دورًا كبيرًا وعظيمًا؛ في بناء الحضارة؛ وتشييد المجد للأمة الإسلامية.

 

أستاذ تاريخ الحضارة: خالفت والدها الموالى للصليبيين وحملت لواء الدفاع عن بيت المقدس
 

رواية أخرى يكشفها الدكتور مصطفى حسين، أستاذ تاريخ الحضارة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، عن شخصية عصمة الدين خاتون، وعن والدها، تختلف عن روايات كثيرة، حينما كشف أن والدها كان مواليا للصليبيين، وأن ابنته لم تكن كذلك، كما كشف عن دور المرأة في تلك الحقبة والتي سماها دور المرأة في الحقبة الزنكية، لذلك أجرنا معه الحوار التالى ليكشف المزيد من سمات وصفات زوجة صلاح الدين الأيوبى، وإلى نص الحوار..

 

في البداية ما هي أبرز سمات عصمة الدين خاتون؟
 

عصمة الدين خاتون كانت تتميز بأنها امرأة صالحة ذات أعمال خيرية كثيرة، هي زوجة نور الدين محمود حاكم دمشق، هذه المرأة عارضت والدها الذى كان مواليا لملك بيت المقدس التابع للصليبيين، بينما عصمة الدين خاتون كانت متعاونة للغاية مع زوجها نور الدين زنكى الذى كان يحارب الصليبيين، ووقفت معه، وبعد وفاته وزواجها من صلاح الدين الأيوبى وقفت معه حتى حرر بلاد العرب من الصليبيين.

 

لكن كيف تزوجت عصمة الدين خاتون من صلاح الدين الأيوبى الذى كان على خلاق كبير مع نور الدين زنكى قبل وفاة الأخير؟
 

الخلاف بين صلاح الدين الأيوبى ونور الدين زنكى كان خلافا شكليا، فكان صلاح الدين وزير نور الدين محمود في مصر، والخلاف بينهما كان يتعلق بالنفقات فقط، حيث إن نور الدين زنكى رجل يحسب كل شيء وكان يطلب من صلاح الدين الأيوبى أن يرسل له كشف حساب مفصل عن مصر وأن يرسل الخزائن والأموال له، بينما كان صلاح الدين الأيوبى يرى ضرورة صرف تلك الأموال على مصر فقط، وكان شخص حازم للغاية، وبالتالي الخلاف لم يكن كبيرا، إلا أن هناك مصادر تاريخية حاولت تضخيم هذا الخلاف على غير الحقيقة.

 

هل هناك ما يؤكد أنه لم يكن هناك خلافا كبيرا بين صلاح الدين الأيوبى ونور الدين زنكى؟
 

بالطبع، هناك موقف يؤكد تقدير صلاح الدين الأيوبى لنور الدين زنكى بعد وفاة الأخير، فنور الدين قام بعمل منبر وقبلة بمسجد حلب، وكان ينوى نقلهما إلى بيت المقدس بعد فتحه، ولكن لم يتمكن من ذلك نظرا لوفاته، إلا أن صلاح الدين الأيوبى ظل على العهد وعندما فتح بيت المقدس قام بنقل منبر مسجد حلب إلى بيت المقدس ولكن ظلت القبلة مكانها بحلب.

 

كان كانت تدعم عصمة الدين خاتون زوجها سواء صلاح الدين الأيوبى أو نور الدين زنكى؟
 

المرأة في عهد الدولة الأيوبية كان لها مشاركة واسعة في العمل العام ودور كبير في تشجيع الزوج، وهذا الدور ورثته الدولة الأيوبية من الدولة الزنكية التي شهدت مشاركة قوية للغاية للمرأة ودور كبير لها، فلم تكن المرأة فقط تابعة للرجل وليس لها دور، بل كانت تتمتع بشخصية قوية للغاية ومساندة للزوج، وهناك قصص كثيرة على ذلك على رأسها عصمة الدين خاتون، التي كانت تقف بجانب زوجها نور الدين زنكى في معاركه ضد الصليبيين، على عكس والدها، وبعد زوجها من صلاح الدين الأيوبى، كانت الداعم الأول والناصح له وكانت دائما ما تقف بجانبه، بل ربت أبنائها على الجهاد والقتال ضد الصليبيين، ودور المرأة في العهد الزنكى والأيوبى ظهر جليا في نهاية الدولة الأيوبية وبالتحديد مع شخصية شجرة الدر التي كان لها دورا تاريخيا في المعاهد بين مصر وفرنسا، عندما قرر المماليك قتل لويس التاسع، وحينها رفضت شجرة الدر قتل ملك فرنسا وفضلت أخذ فدية وصلت إلى 800 ألف دينار، حيث قالت للماليك حينها إنه بقتل الملك ستتضرر مصر بشكل كبير، بل يجب مفاداته بأموال أفضل مصلحة للبلاد.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة