"أنت تمزحين أليس كذلك؟"
"هل لديك سيجارة؟"
"يا إلهي هل جننت؟ أجيبي. ما قلته الآن هو مجرد مزح سمجة أليس كذلك؟"
"يبدو أنك لا تملكين واحدة كم أنت عديمة الجدوى!" قالتها وهي تتململ في تكاسل مغر قبل أن تنهض نحو النافدة.
"يبدو أنها ستمطر، يجب أن أذهب"
"لما لا تقضين الليلة هنا؟"
"ربما يوما آخر" ردت وهي تلقي بأغراضها داخل حقيبتها الجلدية السوداء.
لم ترد صديقتها أن تلح عليها أكثر بالبقاء فهي لن تعدل عن رأيها ...ولها كل الحق في ذلك ثم أردفت في قلق "هل أخبرته؟"
"من؟"
"لا تحطمي أعصابي بالله عليك!"
أفلتت الأخرى قهقهة مقتضبة وهي تنظر باستسلام نحو النافدة وكأنها تلحظها لأول مرة.
"ليس بعد" قالتها وهي تفلت معصمها ببرود ورقة معا من بين أنامل صديقتها التي مازالت تحضها على الكلام.
"يجب أن أذهب، سأتصل بك لاحقا"
كانت تمرر أصابعها الرفيعة بين خصلات شعرها الفاحم وتطبع قبلة في الهواء قبل أن تستدير مباشرة نحو الباب وتختفي.
كانت في كل مرة تخرج من البناية تلوح لها من الخارج نحو النافدة المطلة على الشارع الرئيسي ولكن هذه المرة لم تفعلها. ظلت واقفة تراقبها إلى أن تلاشت عن الأنظار وسط الزحام.
كان المطر قد توقف عن الهطول عندما وصلت محطة القطار، اقتطعت تذكرة وبقيت تنتظر. أحست بدوار وغثيان مفاجئين ولكنها تماسكت.
يجب أن تتماسك وهل تملك فتاة مثلها خيارا آخر؟
أخرجت المرآة من حقيبتها وأخذت تصلح ما فعله المطر بشعرها الكثيف، كادت أن تعيدها لو لا أنها لاحظت شفتيها الممتلئتين اللتان تنضحان نبيذا معتقا خالصا لتتناول مباشرة أحمر الشفاه وتقوم بتمريره فوقهما ليصبغ لونا ورديا ناعما.
عادت بذاكرتها إلى مساء كهذا. كان يتفحصها بعينين بندقيتين بينما كانت تتسلى بتعذيبه. كان يلتهمها برغبة بدائية من رأسها حتى أخمص قدميها أما هي... فكانت تريد أن...
وما لبثت إلا أن سمعت صوتا من خلفها
"هل تسمحين يا آنسة؟"
أفلتت منها ابتسامة انتصار خبيثة قبل ان تستدير نحوه. تفحصته ولم يكن شيئا مميزا، كان مجرد انتصار من انتصارات عديدة. حتى هده المرة سوف تنتصر انتصارا لذيذا آخر، فهي لن تخبره!
ستتخلى عنه.
لمعت كفكرة مغرية في رأسها. لن يعرف ما أصابه، ستتركه قبل أن يكرهها، سيتصل عشرات المرات إلى أن يتبخر من ذاكرتها نهائيا.
"سأتخلص من كل أثر له غدا" قالتها في سرها وهي تحدق فة بطنها المسطحة وجسدها الملتهب كخوخة ناضجة.
أفاقت على صوت القطار الدالف إلى المحطة، أعادت المرآة وأحمر الشفاه إلى مكانهما وهي ترسم ابتسامة عريضة كما وضعت بعض العطر على معصميها قبل أن تنهض من كرسيها وتختفي وسط ذلك الضجيج لتترك ورائها رائحة نفادة لا يخطئها أنف خبير... كان مزيجا من الكبرياء واللذة والانتصار!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة