يوما تلو الأخر تخسر فرنسا نفوذها فى أفريقيا، و تواجه مشاعر معادية لها واحتجاجات عنيفة ضد وجودها في مناطقة إفريقية، بينما يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فى تثبيت موطأ قدمه فى القارة السمراء فى وقت يتكالب عليها النفوذ الروسي والصيني، كما توجه باريس اتهامات للأخيرتين بتغذية مشاعر الغضب المتنامية ضد بلاده، ولايزال الاستعمار الفرنسي لأفريقيا ونهب ثرواتها يستحوذ على النصيب الأكبر من مشاعر الغضب تجاه عاصمة النور.
ولم تفلح جهود الرئيس الفرنسي فى إعادة تموضع بلاده لدى بلدان القارة الأفريقية، فقد زاد مقدار مساعدات بلاده إلى القارة وبدأت عملية إعادة الآثار المنهوبة إبان الحروب الاستعمارية وعزز العلاقات مع ما هو أبعد من الحكومات - مع منظمات المجتمع المدني في تلك الدول، كما أبقى على قوات فرنسية في منطقة الساحل الأفريقي لمكافحة الارهاب ودعم التكتل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا "إيكواس".
ومع بداية عام 2023، وجهت بوركينافاسو ضربة لباريس، بعد أن طالبت بسحب القوات الفرنسية المتمركزة في البلاد، اثر تظاهرات عارمة منذ أشهر ضد الوجود الفرنسي، كانت آخرها الجمعة الماضي في واغادوغو، للمطالبة بانسحاب فرنسا من هذا البلد الساحلي الذي يستضيف كتيبة من قرابة 400 من القوات الخاصة الفرنسية، كما استهدفت التظاهرات الغاضبة السفارة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي وقاعدة عسكرية فرنسية في بوركينا فاسو، بينما أوقفت السلطات البوركينية بث (راديو فرنسا الدولي) فى ديسمبر الماضي بسبب بثه تقارير قالت إنها كاذبة.
وفى 23 من يناير ذكر التلفزيون الوطني في بوركينا فاسو، نقلا عن وكالة أنباء محلية أن الحكومة العسكرية طالبت بسحب القوات الفرنسية، البالغ عددها نحو 400 جندي من القوات الخاصة في بوركينا فاسو لمساعدة القوات المحلية في محاربة الإرهاب الذي انتشر عبر منطقة الساحل الأفريقى من مالى خلال العقد الماضي.
وجاء رد الرئيس الفرنسي ماكرون صادم، حيث لم يعلق وأعلن في المؤتمر الصحفي أعلن أنه ينتظر "توضيحات" من بوركينا فاسو بشأن طلبها، واعتبر أن الأنباء التي تنتشر في واغادوغو تخلق "ارتباكا كبيرا"، مشيرا إلى أنه بانتظار أن يتمكن الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري من "التعبير".، و أوضح: "أعتقد أننا يجب أن نتريث كثيرا. ننتظر توضيحات من تراوري".
وتعد بوركينا فاسو ثاني دولة أفريقية تطرد القوات الفرنسية العاملة في إطار قوة برخان، بعد مالي، ففى عام 2020 أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون أنه سيسحب قوات بلاده التي تقاتل الجماعات المتشددة في مالي منذ 2013 جاءت الخطوة على إثر تدهور العلاقات بين مالي وفرنسا بعد تغيرات فى السلطة في مالي في أغسطس من نفس العام.
وقاتلت فرنسا الجماعات المتشددة فى "عملية برخان" ، التي أعقبت "عملية سرفال"، والتي انطلقت في عام 2013، لمدة 9 سنوات في منطقة الساحل وتأمين مناطق عديدة من الأراضي المالية، واثر تدهور العلاقات مع السلطة التي وصلت إلى الحكم فى عام 2020، نمت المشاعر المعادية لفرنسا بشكل مطرد في البلاد وخرج الماليون للتظاهر للمطالبة بتسريع رحيل القوة العسكرية الفرنسية.
وفي 15 أغسطس 2022 غادرت مالي آخر وحدة من قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية التي كانت تتمركز منذ 10 سنوات هناك بهدف محاربة الإرهاب في المنطقة، اعتبرها رئيس وزراء مالي، شوغيل مايجا، تخلى عن بلاده، والذى اتهم فى سبتمبر الماضى، فرنسا في الأمم المتحدة بالتخلي عن بلاده في منتصف الطريق، ولقي حديثه موجة من التعاطف والإصغاء.
ومن مالى إلى جمهورية أفريقيا الوسطى والتي وجهت ضربة جديدة للنفوذ الفرنسي فى نوفمبر 2022، بإنهاء عمادة السلك الدبلوماسي الممنوحة حصريا للسفير الفرنسي، وتتزامن قرار بانغي مع اقتراب إنهاء وجود القوات الفرنسية في البلاد ديسمبر من نفس العام.
وهاجمت وزيرة خارجية أفريقيا الوسطى، سيلفي بابوتيمون، في رسالة لنظيرتها الفرنسية كاترين كولونا، السفير الفرنسي الحالي بعبارات عنيفة، متهمة إياه بأن له "مواقف غير محترمة تجاه دعوات رئيس الدولة"، أو حتى الانغماس في "التضليل والاستنكار".
في عام 2021، قررت باريس تعليق التعاون العسكري مع بانغي، لأنها اعتبرت أنها متواطئة مع حملة مناهضة للفرنسيين تقف خلفها روسيا وفق الرواية الفرنسية.
وفى ديسمبر 2022، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية سحب آخر وحدة عسكرية قوامها 130 فردا من جمهورية إفريقيا الوسطى، وقالت وزارة الدفاع في بيانها: "في 15 ديسمبر، غادر الجنود الفرنسيون الذين كانوا متواجدين في جمهورية إفريقيا الوسطى، في إطار المهمة اللوجستية (MISLOG) تحت مظلة القيادة الوطنية". مشيرة إلى أن "المهمة التي شارك في في تنفيذها 130 عسكريا فرنسيا، لم يعد لها مبرر عملى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة