حوارات باريس ريفيو.. ميلان كونديرا: التكثيف مهم للرواية حتى لا تسقط فى الفخ

الأحد، 11 سبتمبر 2022 09:00 ص
حوارات باريس ريفيو.. ميلان كونديرا: التكثيف مهم للرواية حتى لا تسقط فى الفخ  ميلان كونديرا
كتب عبد الرحمن حبيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تنبع رغبة الروائى التشيكى المعروف ميلان كونديرا فى عدم الحديث عن نفسه من رد فعل اتخذه ضد ميل معظم النقاد لدراسة شخصية الكاتب وحياته الخاصة، بدلاً من أعمال الكاتب، وقد قال كونديرا لصحيفة "لو نوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية ما اعتبره قاعدة أو قول مأثور: "الاشمئزاز من الحديث عن الذات هو ما يميز الموهبة الروائية عن الموهبة الغنائية".
 
لذلك فإن رفض الحديث عن الذات كان وسيلة لوضع الأعمال والأشكال الأدبية التى تخصه فى بؤرة الاهتمام والتركيز على الرواية نفسها.
 
وإلى نص الحوار الذى أجرته معه باريس ريفيو ضمن سلسلة حوارات أجرتها مع كتاب عالميين واعتبرت من الحوارات الأهم فى تاريخ الحوارات الكاشفة لأفكار الروائيين وشخصياتهم وقد أجرى الحوار الكاتب الفرنسى كريستيان سالمون عام 1984 .

لقد قلت إنك تشعر بأنك أقرب إلى الروائيين روبرت موسيل وهيرمان بروخ أكثر من أى مؤلفين آخرين فى الأدب الحديث هل يعود ذلك إلى أن هيرمان بروخ اعتقد مثلك أن عصر الرواية النفسية قد انتهى، وآمن، بدلاً من ذلك، بما أسماه الرواية "متعددة التواريخ"؟

 حمل موسيل وبروخ الرواية بمسؤوليات هائلة. لقد رأوا أنها التوليف الفكرى الأسمى، والنوع الأدبى الذى لا يزال فيه الإنسان يستطيع من خلاله أن يشكك فى العالم ككل. كانوا مقتنعين بأن للرواية قوة تركيبية هائلة لأنها يمكن أن تكون شعرًا وخيالًا وفلسفة وحكمة مأثورة ومقالًا كلها مدمجة فى صيرورة واحدة. يقدم بروخ فى رسائله بعض الملاحظات العميقة حول هذه المسألة. ومع ذلك، يبدو لى أنه يخفى نواياه باستخدام مصطلح "الرواية متعددة التواريخ"، فى الواقع، كان مواطن بروخ أدالبرت شتيفتر وهو كاتب نثر نمساوى كلاسيكى هو من ابتكر فكرة الرواية متعددة التواريخ حقًا فى رواية Der Nachsommer أو "الصيف الهندي"، التى نشرت عام 1857، الرواية مشهورة وقد اعتبرها نيتشه واحدة من أعظم أربع روايات أعمال الأدب الألماني، لكن، اليوم، الرواية غير قابلة للقراءة، إنها مليئة بالمعلومات حول الجيولوجيا وعلم النبات وعلم الحيوان والحرف اليدوية والرسم والعمارة ؛ لكن هذه الموسوعة العملاقة المعززة تستبعد الإنسان نفسه ووضعه بالنسبة للمحيط الذى يدور حوله، نظرًا لأنها متعددة التواريخ تحديدًا، تفتقر Der Nachsommer أو الصيف الهندى تمامًا إلى ما يجعل الرواية مميزة، هذا ليس هو الحال مع بروخ، على العكس تماما! لقد سعى جاهداً لاكتشاف "ما تستطيع الرواية وحدها اكتشافه"، الهدف المحدد لما أحب بروخ أن يسميه "المعرفة الروائية" هو الوجود. 

ميلان كونديرا
 

تسبب مقال طويل نشرته فى مجلة" لو نوفيل أوبزيرفاتور" الفرنسية فى إعادة اكتشاف الفرنسيين لبروخ وفى النهاية قلت: كل الأعمال الرائعة (لمجرد كونها رائعة) هى أعمال غير مكتملة جزئيًا فهل كنت تقصد بروخ؟

يعتبر بروخ مصدر إلهام لنا ليس فقط بسبب ما أنجزه ولكن أيضًا بسبب كل ما استهدفه ولم يستطع تحقيقه، يمكن أن يساعدنا عدم اكتمال عمله فى فهم الحاجة إلى أشكال فنية جديدة بما فى ذلك: (1) التجريد الجذرى والتخلص من العناصر غير الضرورية بالحكاية (من أجل التقاط تعقيد الوجود فى العالم الحديث دون فقدان الوضوح المعماري) ؛ (2) "الرواية المضادة" (لتوحيد الفلسفة والسرد والحلم فى موسيقى واحدة) ؛ (3) طريقة السرد الروائى (بعبارة أخرى، بدلاً من الادعاء علينا الاهتمام بنقل بعض الرسائل الحكيمة مع البقاء أثناء السرد بين المرح والسخرية)

يبدو أن هذه النقاط الثلاث تعبر مشروعك الروائى بالكامل أليس كذلك؟ 

من أجل تحويل الرواية إلى إضاءة للوجود متعددة التواريخ، تحتاج إلى إتقان تقنية القطع، وفن التكثيف، خلاف ذلك، فإنك تسقط فى الفخ الذى لا نهاية له، لننظر مثلا إلى رواية روبرت موزيلThe Man Without Qualities ،إنها واحدة من روايتين أو ثلاث روايات أحبها. لكن لا تطلب منى الإعجاب بمساحتها الهائلة غير المكتملة! تخيل قلعة ضخمة جدًا بحيث لا يمكن للعين استيعاب كل شيء فى لمحة، هناك حدود أنثروبولوجية وأبعاد بشرية لا ينبغى خرقها، مثل حدود الذاكرة، عندما تنتهى من قراءة أى رواية يجب أن تظل قادرًا على تذكر البداية، إذا لم يكن الأمر كذلك، تفقد الرواية شكلها، ويصبح "وضوحها المعماري" غامضًا.

 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة