خليك فى حالك يا عم.. خليك فى حالك يا سيدى.. خليك فى حالك يا أسطى.. خليك فى حالك يا معلم.. خليك فى حالك يا كابتن.. خليكى فى حالك يا ستى.. خليكى فى حالك يا حاجة.
كم مرة تتناهى إلى مسامعنا تلك الجملة على مدار اليوم وخلال معاملاتنا اليومية؟!.. من منا لم يسمعها أو يرددها على مدار اليوم.. وحاشاك أن تكون أنت المقصود بها، فأنا أربأ بك أن تكون فى مرمى سهام قائل تلك الجملة سيئة السمعة.
"الحشرية"، أو التدخل فى شئون وخصوصيات الآخرين، أو الفضول، أصبح آفة العصر الحالى، فهو من الطباع والخصال السيئة فى الإنسان، ومن أكثر الأشياء التى يمكن أن تساعدك على تكوين عداوة مع جميع الأشخاص المحيطين بك، هى التدخل فى خصوصية الآخرين ومحاولة معرفة أمور لا يجب أن يتعرف عليها الفرد وذلك بدافع الفضول الذى يتحول إلى مرض إذا لم يتم التعامل معه بالطريقة الصحيحة.
هناك مثل إنجليزى شهير يلخص كارثة الإنسان حيث يقول "الفضول قتل القطة"، فقد دفع فضول العالم الفيزيائى شرودنجر لوضع قطته داخل صندوق ووضع معها عبوة متفجرة تكفى لقتل القطة، وذلك بهدف فحص نظرية خطرت بباله، وأغلق الصندوق عليها، فأصبحت النظرية تقول ما لم يفتح شرودنجر الصندوق فهناك احتمال 50% بأن القطة ما زالت حية وهناك احتمال 50% أن القطة قد ماتت بالمتفجرات أو الغاز السام، فماتت القطة نتيجة ذلك الفضول.
الغرب غضب غضبا عارما من قتل قطة، فى تجربة علمية ممكن أن تعود بالخير على البشرية، فما بالك بالإنسان الفضولى "الحشرى" الذى لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويدس أنفه فيها، لدرجة تتجاوز الحدود، فيؤرق راحة جيرانه وأقربائه، ويهدم بيوتا هادئة مستقرة بتدخله السافر فى شئونها.
الفضول القاتل حول حياتنا إلى جحيم، وانتشر الكره والحسد والبغضاء، وأصبحت كثير من الجلسات كابوسًا اجتماعيًّا على كثير منا، وبات الترابط الاجتماعى مجاملات كاذبة، فلانة بنت فلانة خطبتها تم فسخها.. تقوم الدنيا ولا تقعد، وتصبح حديث القرية، وتتلاعب الألسنة، ويجد "الحشريون" فرصتهم بوعاء ممتلئ بـ"اللحم النتن" يتناوبون نهشه بشهية مفتوحة تدعو للدهشة، وتجد الفلاسفة والمحللين كل منهم يجتهد فى الخروج بتفسير لفسخ الخطبة، وتفاصيل القصة الوهمية التى نسجوها من محض خيالات فراغهم المريض.
فلان اشترى.. فلان باع.. فلان اتجوز فلانة.. فلان مديون.. فلان اتحبس.. فلان سافر.. فلان صرف مليون جينه على فرح.. عزا فلان كان خالى من المعزين.. فلان حول فلوس لأهله.. يا سيدى وأنت مالك.. ما شأنك.. ما الذى يعنيك فى كل ما سبق.
تمر على الطريق، فتجد حادثا ومصابين وجثث وقتلى وسيارات محترقة، والطريق مشلول ومتوقف وجموع غفيرة بمحيط موقع الحادث، يطوقونه من كل الجهات، لأول وهلة تظن الناس تساعد رجال الإسعاف فى نقل المصابين أو رجال إطفاء فى السيطرة على النيران، ومع اقترابك من موقع الحادث تجد الجميع يرفعون هواتفهم لتوثيق المشهد وكأنهم يشاهدون فيلما سينمائيا.. فلا هم ساعدوا ولا هم أفسحوا المجال للآخرين للمساعدة والإنقاذ.
لقد واجه القرآن الكريم أصحاب تلك النفوس المريضة، والعادة المذمومة، حيث قال رب العزة فى محكم آياته "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّاب رَّحِيم"، واختصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحل لهذه الظاهرة بحديث نبوى لو طبقناه لعشنا فى سلام نفسى وراحة وطمأنينة، فقد قال عليه السلام: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
يا سيدى.. يا سيدتى.. أرجوكم.. آن أوان المصارحة مع النفس، واتخاذ قرار صريح وواضح بالتوقف عن التدخل فى شئون بعضنا البعض، ولنتوقف عن الخوض فى تفاصيل وخصوصيات الآخرين والبحث عما أخفاه غيرنا عنا، وليلتفت كل منا لخصوصياته وأحواله وأمور بيته وتربية أبنائه، وليدع الآخرين لحالهم وشأنهم.. أدام الله الطمأنينة والسكينة فى بيوتكم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة