شريف عارف

وطن واحد.. وحزن واحد

الخميس، 18 أغسطس 2022 11:44 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ليس غريباً أن يعم هذا الحزن كل أرجاء مصر جراء الحادث الأليم، الذى شهدته كنيسة القديس أبو سيفين بمنطقة إمبابة بمحافظة الجيزة قبل أيام، وراح ضحيته نحو 41 شهيداً وأصيب فيه نحو 14 آخرين.

 

ليس غريباً أن يسارع المصريون فى تقديم هذه الملحمة، التى جسدتها المنطقة المحيطة بالكنيسة وأهلها، الذين قدموا أرواحهم فداء للمصلين وإنقاذهم، وإخلاء الجثث قبل أن تلتهمها النيران.

 

كل هذه القصص ليست غريبة على المجتمع المصرى، الذى عاش فى تآخ وود وتماسك عبر التاريخ.

 

كانت صنيعة الاستعمار على الدوام، هى محاولات مستمرة ومستميتة للوقيعة بين المسلمين والأقباط، بهدف أن يصبح هناك شرخاً كبيراً فى الجسد المصرى، يصعب التئامه مرة أخرى تحت شعار "فرق تسد".

 

كل هذه المحاولات باءت بالفشل، وكل هذه المؤامرات لم تجد طريقاً واحداً نحو النجاح.

 

تشرفت قبل يومين بالمشاركة فى العزاء الكبير الذى نظمته مطرانية شمال الجيزة، لتلقى العزاء الرسمى فى ضحايا الحادث الأليم.

 

مكان ملىء بالدفء والأمان، وشعور لا يوصف، أن تجلس بين المعزين دون أن تعرف من هو القبطى ومن هو المسلم.. الجميع فى رباط.. الجميع فى حزن عميق، وفى ألم وحسرة.

 

هذه هى مصر، التى لم تفرق بين أى من أبنائها بسبب دين أو عرق.

 

فليس غريباً أن تظهر كل هذه المشاعر الجياشة، فى التعبير عن الحزن وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، التى تدفقت بالآلاف من الصور، التى جسدت عمليات إجلاء الضحايا، وحتى الوداع الأخير فى القداس الإلهى.

 

ليس غريبا أن تجد محمد ومينا كتفاً بكتف، يقف كل منهما إلى جانب الآخر لإنقاذ الوطن والأهل والأصدقاء.

 

وحدة مصر، هى جزء من تراثها الحضارى والإنسانى. هى دولة متماسكة وقوية وعميقة من الداخل. دائما ما حاول أعداء الأمة المصرية السيطرة عليها، وتمهيد الأرض للاستعمار. ودائما ما يكون عنوان الحملة هو إثارة الفتنة الطائفية أولاً، بعدها يصبح كل شيء هين وأى مخطط قابل للتنفيذ.

 

قبل مائة عام من الآن، وبعد أن أتم الزعيم سعد باشا، تمثيل العناصر السياسية فى "الوفد المصرى"، اتجه إلى ضم بعض الأقباط لتأكيد معنى الوحدة الوطنية، وسد الطريق فى وجه الدسائس الإنجليزية.

 

يقول سعد فى مذكراته: كان سينوت بك حنا أول شخص من الأقباط افتكرنا فيه، ثم جورجى بك خياط، فدعوناه، فحضر، وقبل أن يقبل عضوية الوفد، استفهم منى عما يكون من شأن الأقباط بعد الاستقلال؟

 

فقلت له: "بعد الاستقلال يكون شأنهم شأننا.. لا فرق بين أحد منا إلا فى الكفاءة الشخصية" فسّر بذلك.

 

كان الزعيم سعد زغلول على حق فى إصراره، على أن يشترك الأقباط فى قيادة الثورة، وعندما ألف سعد زغلول وزارته الأولى سنه 1924 اختار وزيرين من الأقباط، فعندما عرض قائمة الوزراء على الملك فؤاد، كانت التقاليد المتبعة أن يكون عدد الوزراء عشرة بينهم وزير قبطى واحد! أى بنسبة هى واحد من الأقباط لكل تسعة من المسلمين !

 

فقال سعد للملك:

-هذه ليست وزارة تقاليد.. إنها وزارة ثورة.. عندما كان الإنجليز يطلقون علينا النار فى الثورة لم يراعوا النسبة بين الأقباط والمسلمين.. وعندما نفانا الإنجليز إلى سيشيل نفوا أربعة من المسلمين واثنين من الأقباط ولم يراعوا النسبة.. فكيف نراعى اليوم هذه النسبة فى اختيار الوزراء؟

 

واضطر الملك فؤاد أن يوقع مرسوم الوزارة بتعيين اثنين من الأقباط وثمانية من المسلمين!

 

روعة الوحدة تتجسد فى العلاقة بين عنصرى الأمة فى كل زمان.. وكما أن وطننا واحد.. فحزننا واحد.

sherifaref2020@gmail.com

 









الموضوعات المتعلقة

حيوية مصر الثقافية

الخميس، 28 يوليو 2022 04:59 م

مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة