"زوجتي أخبرتني أنني نرجسي، كيف يمكنني حقًا تحديد ما إذا كان هذا دقيقًا وماذا أفعل لتغييره؟ شكرًا لكم" سؤال بسيط طرحه مستخدم على موقع "كورا" العالمي للأسئلة والأجوبة. الطريقة المهذبة والمستسلمة لطرح السؤال دفعتني فورًا للتعاطف معه. هل أصدق عيني؟ هذا رجل مستعد لتغيير نفسه لأن زوجته أخبرته أنه نرجسي؟ بهذه البساطة؟ كان هذا السبب بالتحديد ما جعلني أهمس لنفسي وأنا أقرأ سؤاله "لست نرجسيًا بالطبع! لو كنت كذلك لم تكن لتطرح مثل هذا السؤال" وهو التعليق الذي أجمع عليه معظم المعلقين على السؤال، إلا أن بعضهم زادوا عليه بثقة "أن زوجتك هي النرجسية بلا شك".
نرجسى
كم مرة سمعت هذا الاتهام يتردد مؤخرًا؟ لقد بات الأمر سهلاً جدا مجرد عبارة بسيطة جعلت البعض يجزمون بأن امرأة ما نرجسية. وهي المرأة نفسها التي لأسباب لا نعرفها رأت أن زوجها نرجسيًا وكانت واثقة من ذلك لدرجة أنها قذفت في وجهه الاتهام مباشرة ولم تطلب منه حتى أن يذهب لمتخصص يجري له تقييمًا نفسيًا. وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ترى الكثير من القصص التي تبدأ بـ"زوجي نرجسي" أو "حبيبي السابق كان نرجسيًا" وكان يفعل كذا وكذا، ونتابع من وقتٍ لآخر أشخاص يصنفون أنفسهم "ناجين من النرجسيين" فيما لم نعد نسمع عن عيوب مثل شكاك أو غيور أو حتى أناني.
اضطراب الشخصية النرجسية بين الإحصاءات والشكاوى
بينما تشير الإحصاءات إلى أن معدل انتشار اضطراب الشخصية النرجسية يتراوح بين 1 إلى 5 % ، نرى على السوشيال ميديا أن انتشار هذا الاضطراب أصبح أوسع كثيرًا من ذلك، فهل أصبح الاتهام بالنرجسية موضة؟ وأحيانًا وهمًا؟ وهل نعرف من الأساس التعريف الصحيح للشخصية النرجسية؟ أم لا يزال البعض يخلط بينها وبين الأنانية أو الغرور الزائدين؟
في مقال على موقع "فسيولوجي توداي" ناقشت أخصائية علم النفس الإكلينيكي الأمريكية ليندساي وايزنر الأمر، وتساءلت "لماذا يعتقد الجميع أنهم تزوجوا من نرجسي؟" وألقت جزءًا كبيرًا من المسئولية على مقاطع تبسيط علم النفس التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي التي تؤدي بالتبعية إلى تشخيص غير دقيق لعدد كبير من الناس بالنرجسية ما إن تتطابق معهم عدة صفات قيل إنها موجودة في الشخص النرجسي.
نرجسية
أشارت كذلك إلى تفسير آخر وهو أنه في الكثير من الأحيان يكون السبب في اعتقاد البعض أنهم مرتبطون بشخص نرجسي هو ألم قديم في الماضي يتسرب إلى الحاضر ويجعلهم يسيئون الحكم على الطرف الآخر، واختتمت مقالها بأن "ألمك لا يجعل من الطرف الآخر شخصيًا نرجسيًا" وهي العبارة التي يحتاج الكثيرون إلى الوقوف طويلاً أمامها، ففي الكثير من الأحيان تكون العيوب التي نراها في الآخر ما هي إلا مرآة لمخاوفنا نحن وهواجسنا نحن وأثر تلك الآلام التي لم نتجاوزها بعد. فكثيرًا ما نبحث في الطرف الآخر عن ذلك الوجه الذي نكرهه ونخافه، فنلوي الحقائق لا إراديًا ونضخم بعض العيوب الطبيعية جدًا من فرط هوسنا بفكرة أن نغفلها.
لا أحاول بالطبع هنا أن أقلل من ألم أي شخص كان ضحية لنرجسي، ولكن كل ما أرجوه فقط أن يتأكد من ذلك بشكل دقيق قبل أن يبدأ التعامل مع ذلك باعتباره أمر واقع. فالبعض ينهي علاقات حقيقية أو يتراجع عن الاستمرار في علاقات ظنًا منه أن الطرف الآخر شخص نرجسي غير قابل للإصلاح على الإطلاق.
الصفحة فى العدد الورقى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة