عبر نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية النيل من معسكره بالجيزة ودخل القاهرة فى 24 يوليو، 1798 مصحوبا بضباطه وأركان حربه بعد احتلالها بهزيمة المماليك فى معركة «الأهرام»، ونزل فى قصر محمد بك الألفى بالأزبكية، وشرع فى تأسيس الديوان، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
كان عدد سكان القاهرة ثلاثمائة ألف نسمة، وفقا لكتاب «بونابرت فى مصر» تأليف «ج.كرستوفر هيرولد»، ترجمة «فؤاد أندراوس»، مراجعة «دكتور محمد أحمد أنيس»، مضيفا أن الهدف من إنشاء هذا الديوان فى القاهرة ثم دواوين أخرى فى الأقاليم هو إنشاء إطار عام للحكم المحلى، وأعضاؤه من كبار المشايخ لإضفاء الصفة الشرعية على السياسات الفرنسية وإقرارها بفضل مكانة العلماء والفقهاء الذين تتألف منهم هذه الدواوين.. يذكر «هيرولد»: «كتب بونابرت لكليبر يقول: إننا إذا كسبنا تأييد كبار شيوخ القاهرة كسبنا الرأى العام فى مصر كلها، فليس بين زعماء الأمة كلهم من هو أقل خطرا علينا من الشيوخ، فهم جبناء، عاجزون عن القتال، يوحون كجميع رجال الدين بالتعصب دون أن يكونوا هم متعصبين».
يذكر «الجبرتى» فى الجزء الخامس من موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار مقدمات فكرة إنشاء «ديوان القاهرة»، قائلا إنه بعد هزيمة الفرنسيين للمماليك فى موقعة الأهرام، اجتمع فى الأزهر علماء ومشايخ وتشاوروا، فاتفق رأيهم أن يرسلوا مراسلة إلى الإفرنج وينتظرون جوابهم، وأرسلوا «مغربى» يعرف لغتهم وآخر فى صحبته، وقابلا كبير القوم «بونابرت» وأعطياه الرسالة، فقرأها عليه ترجمانه ومضمونها «الاستفهام عن قصدهم، فقال على لسان الترجمان: «وأين عظماؤكم ومشايخكم لمَ تأخروا عن الحضور إلينا لنرتب لهم ما يكون فيه الراحة»، ثم قال للرسولين: «لا بد أن المشايخ يأتون إلينا لنرتب له ديوانا ننتخبه من سبعة أشخاص عقلاء يدبرون الأمور».
يؤكد الجبرتى، أن الرسولين رجعا بهذا الجواب، فاطمأن الناس، وركب الشيخ مصطفى الصاوى، والشيخ سليمان الفيومى، وآخرون إلى الجيزة فتلقاهم «بونابرت» وضحك لهم، وقال: «أنتم المشايخ الكبار؟»، فأعلموه أن المشايخ الكبار خافوا وهربوا، فقال: «لأى شىء يهربون اكتبوا لهم بالحضور، ونعمل لكم ديوانا، لأجل راحتكم وراحة الرعية، وإجراء الشريعة، فاستكتبوه عدة مكاتبات بالحضور والأمان، ثم عادوا من معسكر الجيزة بعد العشاء وحضروا إلى مصر «القاهرة» واطمأن برجوعهم الناس، وأرسلوا الأمان إلى المشايخ فحضر الشيخ السادات، والشيخ الشرقاوى، والمشايخ ومن انضم إليهم من الناس الفارين من ناحية المطرية، وأما عمر أفندى نقيب الأشراف فإنه لم يطمئن ولم يحضر وهاجر إلى سوريا».
بعد أن استقر «بونابرت» فى القاهرة، أمر باستدعاء المشايخ والوجاقلية، وفقا للجبرتى، مضيفا: «لما استقر بهم الجلوس خاطبوهم وتشاوروا معهم فى انتخاب عشرة من المشايخ للديوان وفصل الحكومات، فوقع الاتفاق على الشيخ عبدالله الشرقاوى، والشيخ خليل البكرى، والشيخ مصطفى الصاوى، والشيخ سليمان الفيومى، والشيخ محمد المهدى، والشيخ موسى السرسى، والشيخ مصطفى الدمنهورى، والشيخ أحمد العريشى، والشيخ يوسف الشبرخيتى، والشيخ محمد الدواخلى».
يعلق الرافعى على كلام الجبرتى، بقوله، إن مفهوم روايته أن المشايخ والوجاقلية هم الذين اختاروا أعضاء الديوان أى أن هذا الديوان تألف بطريقة تشبه طريقة الانتخاب ذى الدرجتين، وهو يمثل فى تأليفه المصريين الأصليين من أهالى البلاد، وأن عدد الأعضاء عشرة، لكن إذا رجعنا للنص الفرنسى الذى أصدره «بونابرت» نجده يختلف عن رواية الجبرتى فى بعض النقاط ومنها عدد الأعضاء وبيان أسمائهم..يأتى الرافعى بالنص الفرنسى الذى صدر فى 25 يوليو، مثل هذا اليوم، 1798، ويقول:«بونابرت عضو المجمع العلمى الأهلى، والقائد العام للجيش يأمر بما يأتى:
أولا: تحكم مدينة القاهرة بديوان مؤلف من تسعة أشخاص.. ثانيا: يتألف هذا الديوان من المشايخ، السادات، والشرقاوى، والصاوى، والبكرى، والفيومى، والعريشى، وموسى السرساوى، والسيد عمر نقيب الأشراف ومحمد الأمير، وعليهم أن يجتمعوا اليوم فى الساعة الخامسة مساء، وينتخبون من بينهم رئيسا لهم وسكرتيرا «كاتم سر» من غير الأعضاء، ويعينون اثنين من الكتبة والتراجمة يعرفان الفرنسية والعربية، ولهذا الديوان حق تعيين اثنين من الأغوات «رؤساء الجند» لإدارة البوليس، وينتخب لجنة مؤلفة من ثلاثة لمراقبة الأسواق وتموين المدينة، ولجنة من ثلاثة آخرين يكلفون بمهمة دفن الموتى بالقاهرة وضواحيها إلى فرسخين منها.. ثالثا: يجتمع الديوان كل يوم من الظهر، ويبقى ثلاثة أعضاء على الدوام بدوار المجلس.. رابعا: يقوم على باب الديوان حرس فرنسى وآخر تركى.. خامسا: على الجنرال «بريتييه» رئيس أركان الحرب وقومندان المدينة «الجنرال ديبوى» أن يكونا فى الساعة الخامسة مساء اليوم بدار الديوان لإجراء ما يلزم لأعضائه، ولكى يأخذ عليهم عهدا ألا يعملوا شيئا ضد مصلحة الجيش».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة