الفن قادر على تشكيل وعى أمة، والسمو بها لتصل إلى أعلى المراتب الأخلاقية الممكنة، ولكن عن أى فن نتحدث؟.. الفن هو عمل إبداعى يختلط فيه الواقع أحياناً بالخيال، أو برؤية الكاتب والمخرج فى إقامة تسلسل للأحداث يستطيع تقبله الجمهور بشكل يمكنه من تكوين صورة ما حول الفكرة أو الواقع أو الأحداث التاريخية، فقد يكون تدويناً لحدث ما أو توثيقاً لعادات، لذا فإن العمل الفنى المرتبط بالتاريخ أو بالدين أو السيرة يعتبر النموذج الأمثل فى ترسيخ الأفكار فى وعى الجمهور بشكل سلس وسريع بتسليط النظر على النقط الأساسية فقط والمهمة التى قد تفيد الفرد أى المتابع للعمل الفنى، كما تحث المشاهد على التفكير والبحث أيضاً فى ثنايا الموضوع لفهم الأمر على حقيقته، فحتى وإن كان العمل الفنى مخالفا لما قد حدث فعلياً، فإن ذلك من آثاره الإيجابية هو تفعيل قدرة النقد للجمهور، ففى جميع الحالات الجمهور هو الرابح الوحيد. فالعمل الفنى القائم على السير الذاتية كان يتم استخدامه لفترة قريبة من الوقت فى العملية التعليمية من خلال مشاهدة الطلاب لقصص أبطال فى التاريخ لتكوين صورة ذهنية لم تستطع الرواية المكتوبة ترسيخ هذه الصورة فى وعى الطلاب والشباب الأصغر سناً الذين لم يعيشوا هذه الأحداث، لنتذكر فيلم صلاح الدين قبيل الامتحانات لنراجع ونستذكر ما قد درسناه على مدار العام، بغرض الفهم والمراجعة أيضاً.
إن إعادة فن السير اتخذ طابعا تعليميا قبل أن يكن ثقافيا وفنيا فى بعض الأوقات، الفن والتأريخ للشخصيات الدينية على الرغم من ارتباطه بأحداث دينية ومواعيد مناسبات دينية، إلا أنه أيضاً يزيد الوعى الدينى بشكل كبير، فمن منا لا يرى الفنان عبد الله غيث عند استذكار اسم حمزة عم الرسول فى فيلم الرسالة؟، ومن منا لم يقدر على تشكيل صورة لبيئة وعصر النبوة إلا من خلال مثل تلك الأعمال الدينية، التى تم مراجعتها والموافقة عليها من قبل المؤسسة الدينية قبل تصويرها، الأمر الذى يمكن أن يحولها تصنيفاً بأنها تكاد تقترب من الفيلم التوثيقى بدرجة كبيرة، وأحياناً ما يتم استخدامها كذلك فى بعض الدول المهتمة بالفن الدينى العربى.
الفن التاريخى فى فترة من الفترات كان دوره توضيح الصورة التاريخية للوضع فى فترة معينة فقط، فى محاولة من المؤلف والمخرج لتوصيل أقرب صورة ذهنية للمتلقى عن طريق إضافة أو تغيير أو حذف مشاهد فى بعض الأوقات، نظراً لأنها تخل بسياق العمل الدرامى، وأيضاً كون العمل نفسه بغرض توضيح الصورة وليس إقامة عمل وثائقى لم يكن من المتاح أن ذاك عمله بالشكل الأمثل، وأيضاً لأن قدرة الفنان على توصيل المشاعر الحقيقية وتوصيف الحال أكثر قدرة على التأثير على المشاهد، فكان ولابد من إقامة العمل التاريخى كعمل فني. والأمثلة على ذلك كثيرة قام بتنفيذها مخرجون وفنانون كبار فى أفلام عاشت لعقود كثيرة ما لبثت أن تهاجم حالياً وتنظر بعيون النقاد، مما يطرح تساؤلا جديدا حول ما إذا كان النقد قائما على نهضة وعى مجتمعى أو محاولة فهم العمل الفنى كأنه فيلم توثيقى لأحداث حدثت بحذافيرها! وتحول الاهتمام فى الفترة الأخيرة للأعمال الخاصة بالسير، ومنهم شخصيات تاريخية وسياسية واجتماعية، استطاعت جذب المشاهد ولفت نظره لقصص وعبرات جديدة، فى محاولة لإعادة المشهد لقصص وروايات مطبوعة ولكنها ليست لها القدرة على الانتشار فى وسط التقدم التكنولوجي، الأمر الذى تم إهماله لفترة من الوقت عصيبة كانت الدولة منشغلة عنها، ولكنها ما لبثت أن أدركت أن تلك الأعمال قادرة على إحداث تغيير حقيقى على أرض الواقع. ولسنا بصدد عرض إحصائى عن الأعمال التاريخية والتراثية وقصص السير، ولكن نكتفى بذكر أمثلة هامة وذات علامة بارزة فى السينما والتليفزيون المصرى، مثل الزينى بركات وأرابيسك والسيرة الهلالية والخواجة عبد القادر والاختيار، وأيضاً افلام مثل رد قلبى وناصر 56 والطريق إلى إيلات والممر وغيرها الكثير والكثير.
الحقيقة.. إن تلك الصور من الفنون القادرة على إحداث تغيير فى الوعى والثقافة والأخلاق هى الجديرة بالاهتمام حالياً، وتحاول الدولة المصرية دعمها بالشكل الجيد نظراً لتجاهلها من قبل المنتجين فى العقود الأخيرة، وهو الأمر الذى يساعد فى المناخ الفني، كما يطرح منافسا جديدا قادرا بإمكانياته على تنفيذه بالشكل الأمثل، وأيضاً يسمح بمراجعته من قبل كافة المؤسسات المعنية فى تعاون فريد يضيف للفن وللدولة فى نفس الوقت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة