تمر، اليوم، ذكرى فتح المماليك مدينة بيروت التى كانت تحت السيطرة الصليبية، بعدما استولوا عليها فى عام 1109م، ثم على صيدا في عام 1110م، وأخيراً صور عام 1124م، خلَّف الصليبيون وراءهم العديد من القِلاع في لبنان مثل قلعة طرابلس وقلعة شقيف وقلعة سان جيل.
وفى عهد الظاهر بيبرس، ووضع برنامجا للقضاء علي الصليبيين وطردهم من الشام، بدأت هجماته وحملاته في وقت مبكر من توليه السلطنة؛ فهاجم إمارة أنطاكية سنة (660هـ-1262م) وكاد يفتحها، ثم بدأ حربه الشاملة ضد الصليبيين منذ عام (663هـ-1265م) ودخل في عمليات حربية ضد إمارات الساحل الصليبي، وتوج أعماله العظيمة بفتح مدينة أنطاكية سنة (666هـ-1268م)، بعد أن ظلت رهينة الأسر الصليبي على مدى أكثر من مائة وخمسين عاما، وكان ذلك أكبر انتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ أيام حطين واسترداد بيت المقدس.
وواصل المماليك جهادهم ضد الصليبيين في عهد السلطان (المنصور قلاوون)، الذي تولى السلطنة في سنة (678هـ-1279م)، فاستولى على (حصن المرقب) سنة (684هـ- 1285م)، واسترد (اللاذقية) سنة (686هـ-1287م)، وفتح (طرابلس) بعد حصار دام شهرين في (688هـ-1289م) ثم تلتها (بيروت) و(جبلة)، ولم يبق للصليبيين في الشام سوى (عكا) و(صيدا) و(عثليت) وبعض المدن الصغيرة، وتجهز لفتح (عكا)، غير أن المنية كانت أسبق من إنجاز حلمه؛ فتوفي في (ذي القعدة 689هـ-نوفمبر 1290م).
وبعد وفاته خلفه على السلطنة ابنه (الأشرف خليل)، وشاء الله تعالى أن يطوي آخر صفحة للحروب الصليبية على يديه، وأن ينهي الفصل الأخير من القصة الدامية للحروب الصليبية في بلاد الشام، استهل (الأشرف) حكمه بالتخلص من بعض رجال الدولة البارزين، الذين كانت لهم السطوة والنفوذ في عهد أبيه، وبإحلال الأمن في جميع ربوع البلاد، وبدأ في الاستعداد لمواصلة الجهاد ضد الصليبيين، وإتمام ما كان أبوه قد بدأه، وهو فتح عكا، وإنهاء الوجود الصليبي.
خرج الأشرف خليل من القاهرة في (صفر 690هـ- 1291م) قاصدا (عكا)، وأرسل في الوقت نفسه إلى كل ولاته بالشام بإمداده بالجنود والعتاد، ونودي في الجامع الأموي بدمشق بالاستعداد لغزو (عكا) وتطهير الشام نهائيا من الصليبيين، واشترك الأهالي مع الجند في جر المجانيق. اشتد الحصار الذي دام ثلاثة وأربعين يوما، وعجز الصليبيون عن الاستمرار في المقاومة، ودب اليأس في قلوبهم؛ فخارت قواهم، وشق المسلمون طريقهم إلى القلعة، وأجبروا حاميتها على التراجع؛ فدخلوا المدينة التي استسلمت، وشاعت الفوضى في المدينة، بعد أن زلزلت صيحات جنود المماليك جنبات المدينة، وهز الرعب والفزع قلوب الجنود والسكان؛ فاندفعوا إلى الميناء في غير نظام يطلبون النجاة بقواربهم إلى السفن الراسية قبالة الشاطئ؛ فغرق بعضهم بسبب التدافع وثقل حمولة القوارب. انهارت المدينة ووقع عدد كبير من سكانها أسرى في قبضة المماليك، وسقطت في يد الأشرف خليل في (17 من جمادى الأولى 690هـ-18 مايو 1291م)، ثم واصل سعيه لإسقاط بقية المعاقل الصليبية في الشام؛ فاسترد مدينة (صور) دون مقاومة، و(صيدا) ودمرت قواته قلعتها، وفتح (حيفا) دون مقاومة، و(طرسوس) في (5 من شعبان 690هـ-3 من أغسطس 1291م)، و(عثليث) في (16 من شعبان 690هـ).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة