لم تكن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى (أمام قمة جدة للأمن والتنمية) كلمة عابرة، بل كانت بمثابة روشتة لإنقاذ العالم من التحديات الراهنة من بينها أزمات الغذاء والطاقة وتداعيات فيروس كورونا المستجد وآثار النزاعات والإرهاب، فقد دعى الرئيس صناع القرار حول العالم بتبنى تلك الأفكار التى عرضها فى سابقة هى الأولى من نوعها فى مثل تلك القمم، وإرساء ما جاء بها، خاصة التأكيد أن بناء المجتمعات من الداخل على أسس الديمقراطية والمواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان ونبذ الأيديولوجيات الطائفية والمتطرفة، وإعلاء مفهوم المصلحة الوطنية، فهو يرى بحنكته السياسية وحكمته الرشيدة أنها الضامن لاستدامة الاستقرار بمفهومه الشامل، وهو ما يتطلب تعزيز دور الدولة الوطنية، وتوفير المناخ الداعم للحقوق والحريات الأساسية، وتمكين المرأة والشباب، وتدعيم دور المجتمع المدنى كشريك فى عملية التنمية.
تحدث الرئيس عن أهمية تكريس مسيرة الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى ودفع عجلة الإنتاج والاستثمار وتوفير فرص العمل وصولا إلى التنمية المستدامة، تلبية لتطلعات الشعوب نحو مستقبل أفضل يشاركون فى بنائه ويتمتعون بثمار إنجازاته دون تمييز، وأكدت الكلمة أن مصر تمتلك رؤية صائبة فى مواجهة كل الأزمات الإقليمية والدولية خاصة الاقتصادية والاجتماعية، فهى صاحبة تجربة فريدة فى ذلك، كما أكدت الكلمة على أهمية التعاون بين دول المنطقة، ووضع حلول لكل الأزمات والقضايا الشائكة التى تواجهها، وضرورة تعزيز التعاون والتضامن الدوليين لرفع قدرات دول المنطقة فى التصدى للأزمات العالمية الكبرى والناشئة، كقضايا نقص إمدادات الغذاء، والاضطرابات فى أسواق الطاقة، والأمن المائى، وتغير المناخ.
لقد شهد العالم كله وعلى رأسهم خبراء السياسة والاقتصاد أن كلمة مصر كانت قوية جدا وواضحة فى رؤيتها لأزمات العالم، واشتملت على خمس محاور حاسمة وواضحة، قال فى محورها الأول موجها كلامه لكل الأطراف المشاركة: لعلكم تتفقون معى أن الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على كيفية التعامل مع أزمات الماضى الممتدة، ومن ثم فإن جهودنا المشتركة لحل أزمات المنطقة، سواء تلك التى حلت خلال العقد المنصرم، أو تلك المستمرة ما قبل ذلك، لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا من خلال التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ونهائية لقضية العرب الأولى، وهى القضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين المستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تضمن للشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة، وتعيش فى أمن وسلام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، على نحو يحقق أمن الشعبين ويوفر واقعا جديدا لشعوب المنطقة يمكن قبوله والتعايش معه، ويقطع الطريق أمام السياسات الإقصائية، ويعضد من قيم العيش المشترك والسلام وما تفتحه من آفاق وتجسده من آمال.
وفى قضية بناء المجتمعات من الداخل على أسس الديمقراطية والمواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان ونبذ الأيديولوجيات الطائفية والمتطرفة وإعلاء مفهوم المصلحة الوطنية، أكد فى محوره الثانى على أن الضامن لاستدامة الاستقرار بمفهومه الشامل، والحفاظ على مقدرات الشعوب، والحيلولة دون السطو عليها أو سوء توظيفها، ويتطلب ذلك تعزيز دور الدولة الوطنية ذات الهوية الجامعة ودعم ركائز مؤسساتها الدستورية، وتطوير ما لديها من قدرات وكوادر وإمكانات ذاتية، لتضطلع بمهامها فى إرساء دعائم الحكم الرشيد، وتحقيق الأمن، وإنفاذ القانون، ومواجهة القوى الخارجة عنه، وتوفير المناخ الداعم للحقوق والحريات الأساسية، وتمكين المرأة والشباب، وتدعيم دور المجتمع المدنى كشريك فى عملية التنمية وكذلك دور المؤسسات والقيادات الدينية لنشر ثقافة الاعتدال والتسامح بما يضمن التمتع بالحق فى حرية الدين والمعتقد، فضلًا عن تكريس مسيرة الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى ودفع عجلة الاستثمار وتوفير فرص العمل وصولا إلى التنمية المستدامة، تلبيةً لتطلعات شعوبنا نحو مستقبل أفضل يشاركون فى بنائه ويتمتعون بثمار إنجازاته دون تمييز.
أما فيما يتعلق بالأمن القومى العربى، فقد أكد الرئيس فى محوره الثالث على أن الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ، وأن ما يتوافر لدى الدول العربية من قدرات ذاتية بالتعاون مع شركائها، كفيل بتوفير الإطار المناسب للتصدى لأى مخاطر تحيق بعالمنا العربى، ومن هنا شدد السيسى فى هذا الصدد على أن مبادئ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، والإخاء، والمساواة، هى التى تحكم العلاقات العربية البينية، وهى ذاتها التى ينص عليها روح ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، ويتعين كذلك أن تكون هى ذاتها الحاكمة لعلاقات الدول العربية مع دول جوارها الإقليمى، وعلى الصعيد الدولى، وأضاف: هذا، ولا يفوتنا فى إطار تناول مفهوم الأمن الإقليمى المتكامل، معاودة التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية تفضى لنتائج ملموسة باتجاه إنشاء المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط، مع تعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى هذا الصدد، والحفاظ على منظومة عدم الانتشار، وبما يمثل حجر الأساس لمنظومة متكاملة للأمن الاقليمى فى المنطقة.
ولأن الإرهاب قضية عالمية ولا تخص مصر وحدها، فقد أشار فى محوره الرابع قائلا: يظل الإرهاب تحديا رئيسا عانت منه الدول العربية على مدار عدة عقود، لذا فإننا نجدد التزامنا بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف بكافة أشكاله وصوره بهدف القضاء على جميع تنظيماته والميليشيات المسلحة المنتشرة فى عدة بقاع من عالمنا العربى، والتى تحظى برعاية بعض القوى الخارجية لخدمة أجندتها الهدامة، وترفع السلاح لتحقيق مكاسب سياسية ومادية، وتعيق تطبيق التسويات والمصالحات الوطنية، وتحول دون إنفاذ إرادة الشعوب فى بعض الأقطار، بل وتطورت قدراتها لتنفذ عمليات عابرة للحدود.
وفى هذا الصدد شدد على أنه لا مكان لمفهوم الميليشيات والمرتزقة وعصابات السلاح فى المنطقة، وأن على داعميها ممن وفروا لهم المأوى والمال والسلاح والتدريب وسمحوا بنقل العناصر الإرهابية من موقع إلى آخر، أن يراجعوا حساباتهم وتقديراتهم الخاطئة، وأن يدركوا بشكل لا لبس فيه أنه لا تهاون فى حماية أمننا القومى وما يرتبط به من خطوط حمراء، وأننا سنحمى أمننا ومصالحنا وحقوقنا بكل الوسائل.
وفيما يتعلق بضرورة تعزيز التعاون والتضامن الدوليين لرفع قدرات دول المنطقة فى التصدى للأزمات العالمية الكبرى والناشئة أكد السيسى فى محوره الخامس على أن قضايا نقص إمدادات الغذاء، والاضطرابات فى أسواق الطاقة، والأمن المائى، وتغير المناخ، هى قضايا جوهرية ينبغى الاهتمام بها لضرورة احتواء تبعات هذه الأزمات والتعافى من آثارها، وزيادة الاستثمارات فى تطوير البنية التحتية فى مختلف المجالات، وبما يسهم فى توطين الصناعات المختلفة، ونقل التكنولوجيا والمعرفة، ووفرة السلع.
وفى هذا السياق أكد السيسى أن مصر تدعم كل جهد من شأنه تطوير التعاون وتنويع الشراكات لمواجهة أزمتى الغذاء والطاقة الراهنتين، مع التأكيد على أن التعامل مع أزمة الغذاء يتطلب مراعاة أبعادها المتعددة على المديين القصير والبعيد لوضع آليات فعالة للاستجابة السريعة لاحتياجات الدول المتضررة من خلال حزم عاجلة للدعم، فضلًا عن تطوير آليات الإنتاج الزراعى المستدام وتخزين الحبوب وخفض الفاقد، وذلك بالتعاون مع الشركاء ومؤسسات التمويل الدولية، وهو الأمر نفسه الذى ينسحب على التعامل مع أزمة الطاقة التى تتطلب من جانبنا تعاونًا فعالًا لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، ولعل ما حققه منتدى غاز شرق المتوسط من نجاحات فى السنوات الماضية يمثل ترجمة عملية لإرادتنا السياسية فى التعاون مع شركائنا، وتجسيدًا لأحد أبرز الإسهامات فى كيفية إدارة الثروات والتوظيف الأمثل للموارد الحالية والمستقبلية صونًا لمصادر الطاقة.
أما فيما يتعلق بالأمن المائى، فمن الأهمية تجديد الالتزام بقواعد القانون الدولى الخاصة بالأنهار الدولية بما يتيح لجميع الشعوب الاستفادة من هذه الموارد الطبيعية بشكل عادل، وضرورة صون متطلبات الأمن المائى لدول المنطقة والحيلولة دون السماح لدول منابع الأنهار، التى تمثل شرايين الحياة للشعوب كلها، بالافتئات على حقوق دول المصب.
واتصالا بتغير المناخ، أوضح السيسى أنه يتعين علينا استمرار العمل الجماعى المشترك فى الأطر الدولية متعددة الأطراف ذات الصلة بهذه القضية المهمة، وفى مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس، وذلك لضمان تحقيق الأهداف التى اتفقنا عليها وفقًا للقواعد والمبادئ التى ارتضيناها، ولا يفوتنى فى هذا الإطار التأكيد على أن منطقتينا العربية والأفريقية تعدان إحدى أكثر مناطق العالم تضررا من الآثار السلبية لتغير المناخ، وما يترتب على ذلك من انعكاسات على الأمن الغذائي، وأمن الطاقة والمياه، والسلم المجتمعى والاستقرار السياسى، ومن ثم يتعين علينا التوافق حول رؤية شاملة لدعم الدول العربية والأفريقية، وتمكينها من الوفاء بالتزاماتها الدولية ذات الصلة، ورفع قدرتها على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، بحيث تساهم تلك الرؤية فى معالجة أزمة السيولة المالية وتكثيف تمويل المناخ الموجه إلى هذه الدول، فضلًا عن دعم وتعزيز الاستثمارات فى الطاقة المتجددة.
وفى هذا الصدد، قال: إننى أتطلع لاستقبالكم بمدينة شرم الشيخ فى القمة العالمية للمناخ COP 27 فى نوفمبر 2022 لنواصل معا التأكيد على التزامنا الراسخ تجاه جهود مواجهة تغير المناخ، ولكى نحول هذا التحدى إلى فرصة حقيقية للتنمية والانتقال إلى أنماط اقتصادية خضراء أكثر استدامة لصالح شعوب الأرض جميعًا.
وفى نهاية كلمته التى تقدم روشتة لإنقاذ العالم من التحديات والمخاطر تحدث بصراحة مطلقة مخاطبا الضمير الإنسانى بقوله: أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، لقد أردت اليوم أن أشارككم المحاور الخمسة التى تقوم عليها رؤية مصر لمواجهة التحديات الراهنة من أجل وضع منطقتنا على طريق الاستقرار الشامل والمستدام، ولكى نبدأ معا فصلا جديدا من الشراكة الاستراتيجية بين دولنا وشعوبنا، والتى تقوم على أسس الثقة والدعم المتبادلين، وإعلاء المصالح المشتركة، وتقاسم الأعباء والمسئوليات، والتضامن، مع الأخذ فى الاعتبار ظروف وخصوصية كل مجتمع وتجاربه وأعرافه وعاداته وتقاليده وما يواجهه من تحديات، وبما يتواكب مع مفهوم تكامل الحضارات فى زمننا المعاصر.
السيسى فى كلمته الكاشفة شدد مجددا على: أن الوقت قد حان لتتضافر جهودنا لنضع نهاية لجميع الصراعات المزمنة والحروب الأهلية طويلة الأمد، مشددا على أن الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على كيفية التعامل مع أزمات الماضى، وأكد الرئيس السيسى أن منطقتينا العربية والأفريقية تعدان إحدى أكثر مناطق العالم تضررا من الآثار السلبية لتغير المناخ، وما يترتب على ذلك من انعكاسات على الأمن الغذائى، وأمن الطاقة والمياه، والسلم المجتمعى والاستقرار السياسى، ومن ثم يتعين علينا التوافق حول رؤية شاملة لدعم الدول العربية والإفريقية، وتمكينها من الوفاء بالتزاماتها الدولية ذات الصلة، ورفع قدرتها على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، بحيث تساهم تلك الرؤية فى معالجة أزمة السيولة المالية وتكثيف تمويل المناخ الموجه إلى هذه الدول.
لقد أثبت السيسى أنه رجل سياسة من طراز رفيع خبر كل تحديات العالم ووضع يده على الحلول انطلاقا من رؤية عميقة تعكس كفاءته وعمق تحليله لمتطلبات المرحلة القادمة، ليكتب فى تاريخ البشرية أنه يتمتع بحس إنسانى يهدف للعيش فى سلام قوى قائم على العدل والمساوة بين مختلف البشر، ولسان حاله يقول: إن الخالق سبحانه وتعالى خلقنا جميعا على هذا الأرض بناء ومعمرين لا ساعين إلى الخراب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة