قرأت لك.. "صناعة القادة الدينيين فى أوروبا" ما دور الأئمة والمرشدات؟

الأحد، 10 يوليو 2022 07:00 ص
قرأت لك.. "صناعة القادة الدينيين فى أوروبا" ما دور الأئمة والمرشدات؟ صناعة القادة الدينيين
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نلقى الضوء على كتاب "صناعة القادة الدينيين فى أوروبا: تدريب الأئمة والمرشدات" الصادر عن مركز المسبار، ويطرح قضايا الرعاية الروحية، والإسلام الفردى، والتطرف المؤسسى، والتدخل الأجنبى، لينتهى بدراسةِ مقترحات تطوير مناهج تدريب تعتمد على الخطاب المحلى، ضمن سياقٍ احترافى يقوم على الموازنة بين الأصول والفروع، دون تسييسٍ للقيم الروحية واحتياجاتها.
 
وحاول الكتاب تجذير فهم دور "القيادات الدينية" المسلمة فى المجتمعات الأوروبيّة من أئمة ومرشدات روحيات، وتتبع آليات تدريبها، مع استصحاب التجارب السابقة فى الدول الأوروبية، سواء المجتمعية أو الرسمية أو المختلطة، مناقشًا عوامل ضعفها، والنظريات التى يبنى عليها الباحثون رؤىً لتدريب الأئمة فى فضاء علماني، ويقدمون مقترحات تقنية، ودليلاً فلسفيًا لتطوير لغة الخطاب وتحديث سياقه، بغرض تحقيق الكفاية الروحية، والتخلص من إكراهات التطرّف والانعزال والإقصاء، ويطرح فكرة "تمدين" الإصلاح الدينى للنقاش، فيوفر بذلك مادةً أوليّة؛ يمكن البناء عليها، فى معالجة ملف "تدريب، وتأهيل، وتكوين، القادة الدينيين المسلمين، فى سياقٍ أوروبي".
 
كتاب
 
بدأت الدراسات بتأكيد أهمية دور "الإسلام المؤسساتي" فى مشاريع التدريب المقترحة، وفى ثنايا لمحةٍ تاريخية؛ فصّلت دراسةٌ: دور الدين فى الدولة الحديثة. ورصدت انعكاسات المفاهيم الجدلية على المسلمين الوافدين على أوروبا ثقافةً وسياقاً وقيماً؛ وحذّر الباحث فيها من سيطرة الإسلام السياسى على إدارة الشأن الديني، ناصحاً بتوطين الإمامة فى أوروبا ومأسستها.
 
انتهت الدراسة الثانية؛ لعالم الأنثروبولوجيا، مارتيان دى كونينج، إلى رؤية مختلفة، تدعو إلى تدريب مستقل، فقدّمت مراجعة ناقدة للبرامج الهولنديّة لتدريب الأئمة؛ باحثةً عن سبب فشلها، ومبينةً خلل المعالجات الأوليّة الذى اضُطرَّت إليه البرامج والمبادرات السابقة وما ترتب على ذلك من عرقنةٍ للإسلام وأثننة لقضاياه، ودخولٍ فى مقايضة دينية، كان مدخلها؛ النقاش حول التوافق بين الإسلام والديمقراطية؛ ومسألة الهجرة والاندماج، فبدت كأنها استجواب، يضع المسلمين طرفاً أضعف وفى مقارنة مع الدولة!
 
ذكرت الدراسة مساهمة المفكر الفرنسى الجزائرى الأصل محمد أركون، فى هولندا إذ قال عام 1994 فى برلمانها "إذا واصلتم فى النظر إلى تدريب الأئمة بوصفه مسألةً تخص المسلمين حصراً، فإنكم تبطئون مسار الحداثة والتحديث، وإذا أُبقى الإسلام فى الهوامش عبر الطرق المعلومة، فعليكم أن لا تشتكوا حين يفشل الاندماج"! تستحضر الدراسة من ذلك ضغطًا من خارج المجتمعات المسلمة ومن دواخلها، ولكنّها تشير إلى أن النقاش تؤثر فيه "المنظمات الإسلاموية التى ترغب فى السيطرة على التعليم الإسلامي"، وعلى الرغم من إسهاب المادة فى ضرورة تبيئة البرامج وتوطينها؛ إلا أنها قدّمت ملاحظةً مهمة "أن مجرد فرض التحدث بالهولندية؛ ليس حلاً، فقد كان من أسباب التطرّف فى هولندا، أن النصوص الأولية التى تمت ترجمتها، فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، وتمّ توزيعها على مناهج متعددة، أخذت من مراجع راديكالية، فتسببت فى موجة التطرف فى الألفية الراهنة".
 
وكتبت الباحثة جوليان دى ويت دراسة ميدانية، عن دور الأئمة فى إعادة تأهيل المتطرفين من الشبان، عرّفتهم فى البداية بأن مهمتهم لا تختلف كثيرًا عن مهمة القس فى المسيحية والحاخام فى اليهودية، وأنهم "الوصلة بين المسلم ودينه"، وأنّ بيدهم: إنجاح الإدماج أو إفشاله، ومكافحة التطرف أو تعزيزه. رصدت الباحثة الفاعلين فى برامج التدريب فى هولندا وبلجيكا، وفصلت المخاطر؛ فلاحظت أن بعض الأئمة يدعون إلى الكراهية، ويقولون أشياء يصعب وصفها بأنها متوافقة مع المجتمع الغربي. وأن صلتهم مقطوعة بالمجتمع؛ مما يلجئ صغار السن، إلى البحث عن مصادر أخرى، تعزز انعزالهم عن الأسرة والمجتمع، وتربطهم بهوية أيديولوجية جديدة، وتعزز نظرتهم الانقسامية. وانتهت الدراسة إلى أن مشكلة معاصرة؛ مثل التطرّف فى حاجة إلى نهج معاصر، وأئمة معاصرين.
 
جمعت الدراسة الثالثة، مناقشةً لواحدٍ وعشرين بحثاً، تخصصت فى مسارات ونظريات تكوين الأئمة فى أوروبا الغربية؛ ضمها كتاب حرره ثلاثة من المختصين فى الإسلام الأوروبي، راجعت مواطن الخلل الرئيسة؛ وناقشت صناعة المرجعية الإسلامية فى أوروبا، والمستفيد منها، وراهنت على قدرة الروح الأوروبية على بناء إسلامها المستقل.
 
كانت الإمامة فى أوروبا، ضربًا من التطوّع، ولم يكن وضع يد الدولة على أمرٍ دينى سهلاً، خصوصاً فى السياق العلماني، الذى يحتاج أن يعترف بالدين الوافد؛ ثم يخصص له منصرفاته ونطاقه، لذا استفادت الجماعات التفاوضية، فنشأت أزمات عرضتها دراسة لاحقة أشارت فيها إلى: مخاطر الإرهاب والتكفير والغلو، وفوضى الفتاوى، وخلل الهوية، فتطرقت إلى أجيال الأئمة الوافدين واختلافها، وإشكاليّة الأئمة المتطوعين والوافدين، وارتباطها ببروز سمات الفكر الصدامي، والمؤامراتي. واستعراضاً لتجربة النمسا؛ التى أصدرت قانون الإسلام سنة 1912، وتأسست الجمعية الدينية الإسلامية فيها عام 1979، فإنها أتاحت تعليماً دينياً فى جامعة فيينا، إلا أنه لم يصل إلى برامج تدريب الأئمة. أما الأنموذج الألمانى فظهرت فيه كلية الإسلام، التى بدأت بالتدريس فى العام 2021، بغرض تنشئة الدولة للأئمة الألمان، وانطلق الباحث من ذلك إلى مقترح لتكوين أئمة وصفتهم الدراسة بالمتخصصين!
 
ناقشت دراسة تالية افتراضات تقديم الأئمة، لمكافئ موضوعى لدعاة الإرهاب والتأثير الراديكالي، ولاحظت أنّ الإمام لا يكتسب نفوذه فى أوروبا من منصبه، ولكن من تفاعله الرقمي، وألمحت إلى أنّه «لم يعد بمقدور القادة الدينيين الزعم بأن أتباعهم ومريديهم لا يزالون يدينون لهم بالولاء والطاعة ما داموا على قيد الحياة».فوظفت التوجهات الرقمية لتطوير برنامج تدريب الأئمة، باستخدام البيانات والتحليلات الرقمية، فى ظل العولمة الاجتماعية؛ والهجرة العالمية؛ وتشققات مفهوم العلمانية، مستعرضةً فرص التعليم الرقمي، وتحدياته.
 
وفى سياق الاقتراحات، قدم الباحث وِم فان آل (Wim Van Ael)، مبادرة لتطوير التقنيات التواصلية، بدأها بتفعيل خطاب الشك، وتطوير الأساليب الفنية المستقاة من السيرة النبوية؛ وصمم أنموذجاً لخطبة الجمعة، مقترحاً لمجلسٍ مركزى يتحكم فيها، ولكنه ترك رعايته مفتوحة.
 
يحتاج تطوير الخطاب، إلى عدة فلسفية، طرحها الفيلسوف خيرت كورنيليس (Geert Cornelis) بسردٍ فلسفي؛ لجذور تعليمٍ تعددي، يفتت يقينية الإدراك الحسي، ويصنع هياكل سردية متماسكة وأفكاراً ثنائية بظاهرٍ وباطن، وتستند على البحث التجريبى والشك المنهجي، وتطوير مفاهيم تؤدى إلى احتمالية «أن الأشياء ليست دائماً كما تدرك، وأن العالم ليس دائماً كما تعتقد»، وترتكز على مبدأ المعاملة بالمثل، واحترام الآخر.
 
طرح سيرجيو سليم سكاتولينى (Sergio Saleem Scatolini)، مقترحات لتحديث الفكر والخطاب الدينى فى أوروبا، مشددًا على ضرورات إجرائية متباينة، فمن ناحية الأئمة المسلمين فيجب عليهم قبول التنوّع على إطلاقه، والاعتراف بالخصائص الجوهرية الدينية المميزة لأوروبا، ومن ناحية الحكومات الأوروبية فيجب عليها الاعتراف بالدين كما هو؛ وتفهّم الرتب الدينية والعلمانية، وتفهّم منابع المصداقية الاجتماعية، وتطويرها لتكون مقرونةً بالعدالة. وعلى المجموع الدينى توسيع مفهوم الهداية. ونظّم المقال القيم الدالة على تعزيز النظم المحيطة، مثل الإنصاف، والتضامن، والاعتدال، وكاد أن يصل لفهمٍ موسّع لمبدأ المعروف فى الإسلام؛ الذى يتسع بالعرف الحسن والمنافسة فى الطيبات الخيرية.
 
قدّمت دراسة يونس الأحمدي؛ جدلية "علمنة" الإصلاح الديني، التى يتبناها المفكر التونسى محمد الحدّاد، وعلى الرغم من أنّ النظرية تطورت كثيرًا عن بداياتها، فإن الباحث اقتصر على الكتب الأوليّة للحداد، وتطبيقه المنهج النقدى فى فهم الإصلاح الديني، وتمييزه عن التجديد.
 
تعيد الدراسة الأخيرة عن التطور الاجتماعى والسياسى لمملكتى السويد والنرويج، التذكير بإنسانية تجربة الدولة؛ والتفاوضية بين المؤسسة الدينية والفاعلين السياسيين، مؤشرةً إلى أنّ التجارب يمكن أن تستلهم بذكاء، ولكنّ استيعاب مقتضياتها يحتاج إلى بعد نظرٍ وحنكة كبيرين.
 
ما تزال الأسئلة التى فتحها المشروع تتسع، ولكنّها تؤشّر إلى إمكانية بناء هويّات متسقة مع سياقها، وقد تشير إلى أنّ الأسئلة الحيّة فى السياق الأوروبى تختمر أجوبتها ببطء فى الدوائر الرسمية.
 
 
 
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة