- يجب طرح قضايا صناعة الفن أمام مائدة الحوار الوطنى، فمازلنا نعانى من العديد من المشكلات فى صناعة السينما، وفى صناعة المسرح.
- تتعاظم أهمية وضع الثقافة على مائدة الحوار الوطنى الآن لأن هناك العديد من الدول تبذل الغالى والنفيس من أجل الوجود المؤثر على الساحة الفنية الإقليمية.
لا يختلف اثنان على أهمية الحوار الوطنى الذى دعت إليه الدولة ورعته، فالحوار - بشكل عام - أمر إيجابى خلاق، يأتى بثماره فى كل وقت وحين، وإذا كان الحوار مطلوبا بين الفرقاء والأعداء، فما بالنا بأهميته بين الأخوة والأحبة الذين يستظلون بسماء الوطن وينعمون بأرضه؟
وتتجلى أهمية هذه المناسبة وضرورتها فى أنها تأتى فى ظرف تاريخى على قدر كبير من الأهمية، فمصر التى عانت كثيرا فيما سبق من فوضى وإرهاب وجماعات أرادت اختطاف مصيرها إلى المجهول، أصبحت الآن دولة ناهضة تريد أن تنعم بفضائل الاستقرار ومزايا التخطيط والتطلع إلى المستقبل، فمن ناحية أنجزت مصر فى سنوات قليلة ما كان غيرنا يحلم به فى عقود، كما أنها حافظت على وحدتها واستقرارها فى وقت تكالب فيه المتكالبون ساعين إلى تفكيكها وإغراقها فى الفوضى، كما استطاعت مصر بفضل حكمة قائدها الكبير الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن تعبر الكثير من العقبات العالمية وأهمها عقبة تفشى فيروس كورونا الذتى أرهقت العالم أجمع، وعقبة اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية التى تعانى منها العالم الآن.
كان من المهم هنا أن تنظر القيادة المصرية بعين الحكمة إلى المستقبل لتدرك أن بناء المستقبل حق للجميع وأن دعوة الجميع إلى المشاركة فى بناء المجتمع هو ما يضمن له النجاح والتقدم، وبالفعل دعت بكل محبة وشجاعة إلى التجمع حول مائدة الوطن وطرح العديد من القضايا العالقة والتحديات المستقبلية أمام الجميع.
وبحكم تخصص غالبية المشاركين فى الحوار والوطنى فى الشأن السياسى طغت الأحاديث السياسية على الأجواء العامة، ولم نر فى الموضوعات المروحة على الرأى العام إلا الأمور السياسية والمطالبات الحزبية التى تنادى بمشاركة بعض التيارات أو الشخصيات فى صناعة القرار، برغم توجيه سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، للجميع بأهمية تضمين دعائم الوطن كافة، مثل الدعامة الاقتصادية والدعامة الثقافية والدعامة الاجتماعية، وغيرها، لكى نقيم صرح المستقبل دون خلل أو فوات.
وفى الحقيقة فإنى من خلال متابعتى أرى أن الجانب الثقافى وآليات تدعيم القوة الناعمة لمصر لم يأخذ حقه بشكل كاف فى الحوار، وهو جانب على قدر كبير الأهمية والتأثير، فكيف نبنى وطنا وننسى أن نبنى إنسانا، وكيف نصنع صورة الشعب المصرى فى الخارج سياسيا واقتصاديا دون أن ننتبه إلى أن الصورة الذهنية العامة لمصر فى العالم لا تنفصل أبدا عن كونها دولة ثقافية فى المقام الأول، دولة للفن والعمارة والرسم والنحت والموسيقى والمسرح والتليفزيون، دولة صنعت من الترفيه رسالة، وصنعت من الأغنية مدفعا، وصنعت من الدراما سيفا ودرعا.
يأتى هذا فى ظل ما يمكن أن أسميه ابتذالا لفكرة القوة الناعمة فى الأحاديث العامة والأخبار المتداولة، فالقوة الناعمة لم تكن أبدا أغنية يغنيها مطرب أو مطربة، ولم تكن أبدا حفلة موسيقية هنا أو مسرحية هناك، القوة الناعمة هى إنتاج ثقافى دائم ومستمر ومستقر، يحمل فى طياته رسالة الدولة الحضارية داعما هويتها ومرسخا لها، واضعا شروطه الفنية وانحيازاته الفكرية على مائدة الوطن العامة ليأكل منها الجميع ويتأثر بها الجميع.
هذه هى القوة الناعمة التى أعرفها وهذه هى القوة الناعمة التى أريدها، ولا يتخيل أحد أننى هنا أطلب المستحيل، فمصر قادرة فى كل وقت على صناعة القوة الناعمة بكل اقتدار، فما الأعمال الدرامية المبهرة التى أنتجتها مصر فى الآونة الأخيرة إلا تعبيرا حقيقا عن القوة الناعمة المصرية، كما أننى أعد الاحتفال الذى أقامته مصر لـ«موكب المومياوات» أصدق تعبير عن قوة مصر الناعمة، وفى الحقيقة فإنى أعد هذا الحفل نموذجا يحتذى به فى هذا المضمار، فقد تجسد فيه عظمة مصر الماضى والحاضر فى آن، كما رسخت فيه مصر هويتها الفرعونية فى القلوب والأذهان، واستطاعت أن تضمن عبقرية الصورة مع عبقرية الصوت مع عبقرية الرسالة.
ولا يجب هنا أن ينتهى الحديث دون أن نشير إلى أهمية طرح قضايا صناعة الفن أمام مائدة الحوار الوطنى، فمازلنا برغم النوايا الطيبة والعزيمة الصادقة نعانى من العديد من المشكلات فى صناعة السينما، وفى صناعة المسرح، وفى علاقة الفرق المستقلة بالدولة، وفى إبراز وجه مصر الثقافى الأجمل والأكمل، وما زلنا نعانى برغم إيماننا الكامل بأهمية البنية التحتية الثقافية من بطء فى إنجاز العديد من المشاريع المهمة مثل متحف الجزيرة للفنون، أو إنشاء مؤسسة لتوثيق التراث الفنى المصرى أو إقامة عدة متاحف لتخليد رموز الفن المصريين، وما زلنا نعانى برغم انتشار وسائل المعرفة من قصور حاد فى القراءة، وغياب شبه تام للشعر والقصة والرواية عن الفضاء العام، حتى تآكلت نجوم مصر فى الثقافة من الفضاء العام برغم امتلاكها لعشرات الأسماء الكبيرة.
هذه فرصة كبيرة لإنجاز ما فاتنا إنجازه، ووضع مصر على خارطة الفن العالمى وهى تستحق هذه المكانة، وتتعاظم أهمية الظرف التاريخى الذى نعيشه الآن، إذا ما وضعنا فى الحسبان أن السباق الآن على أشده، وأن هناك العديد من الدول تبذل الغالى والنفيس من أجل الوجود المؤثر على الساحة الفنية الإقليمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة