مشروعات عدة سعت الدولة المصرية إلى تدشينها في السنوات الأخيرة، ارتكزت في معظمها حول إعادة هيكلة "البنية الأساسية"، والتي لم تقتصر في مفهومها حول الطرق والمرافق، والتي تهدف إلى تأهيل المدن والمحافظات إلى استقبال استثمارات جديدة، من شأنها تحقيق التنمية الاقتصادية، وإنما شملت العديد من الجوانب الأخرى، حيث امتدت إلى سياسة "البناء"، عبر وضع حجر الأساس للعديد من المفاهيم الأكثر شمولا، نحو حياة أفضل، بدءً من "بناء الإنسان"، مرورا بـ"الاستقرار" بمفهومه الشامل، سواء اقتصاديا أو أو أمنيا، أو سياسيا، لتكون المحصلة في نهاية المطاف، هي الوصول إلى مستقبل مشرق، عبر "بناء جيل جديد" مؤهل لمواجهة التحديات، بينما يمكنه الحفاظ على مقدرات بلاده في الداخل، ودورها على المستويين الدولي والإقليمي.
وبين "البنية" و"البناء"، تصبح المشروعات والمبادرات، التي حرصت الدولة على إنجازها، منذ اليوم الأول لـ"الجمهورية الجديدة"، كانت بمثابة "لبنة"، في مشروع "بناء" المستقبل، حيث كانت مجرد وسيلة وليست الهدف، وهو ما يتجلى بوضوح في القدرة الكبيرة على التعامل مع مختلف التحديات الطارئة التي شهدتها الدولة، على غرار أزمة كورونا، وما تلاها من تطورات كبيرة على الساحة الأوكرانية، وتداعياتهما الكبيرة على اقتصادات العالم، وهو ما يعكس، القراءة المتأنية للمشهد وبالتالي القدرة على التعامل مع حالات الطوارئ بكفاءة كبيرة، بالإضافة إلى التركيز على سياسة "البناء" بحيث تكون الخطوات المتواترة التي تتخذها الدولة منسجمة، وتؤدي إلى بعضها في النهاية، من أجل الوصول إلى الهدف.
فلو نظرنا إلى الجانب الاقتصادي، ربما نجد أن الخطوات الاستباقية التي اتخذتها الدولة، على غرار مشروعات البنية الأساسية، كانت مقدمة لخطوات لاحقة، تتمثل في جذب المستثمرين، أو ما يمكننا تسميته بـ"تمكين" القطاع الخاص، في إطار النهج الذى أعلنته الدولة، عبر الاعتماد عليه في عملية التنمية، مما يساهم في تحقيق الأهداف بكفاءة كبيرة، ناهيك عن قدرته على استيعاب أكبر قدر من العمالة، وبالتالي احتواء البطالة المتزايدة.
الأمر نفسه ينطبق في التركيز على زراعة القمح في السنوات الماضية، عبر مشروع الصوامع الذى أعلنته الدولة المصرية، والذي كان بمثابة "البنية الأساسية" لاستراتيجية أكبر، تقوم فى الأساس على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي، عبر توسيع المساحات المزروعة من القمح، لتكون تلك الخطوات تمهيدا لمشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي، والذي افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في إطار ما يمكن تسميته بـ"بناء الأمن الغذائي"، وهو ما جنينا ثماره جزئيا في توفير السلع الاستراتيجية في مرحلة الأزمة الحالية، بينما تبقى هناك أخرى أهدافا أخرى طويلة الأجل تقوم فى الأساس على تقليل واردات الغذاء إلى الحد الأدنى، عبر تعزيز الزراعة، وتشجيع الصناعات الغذائية.
الرؤية المصرية امتدت إلى قطاع الطاقة، فالعمل في البداية على استكشاف حقول الغاز، وتدشين منتدى غاز المتوسط، وتأسيس مصانع لإسالة الغاز الطبيعي، كلها خطوات تهدف في الأساس إلى "بناء أمن الطاقة"، ليس فقط عبر تحقيق الاكتفاء، وإنما من خلال تحويل مصر أحد أهم أكبر مراكز الغاز حول العالم، وبالتالي التحول من أحد أكبر المستوردين إلى منتج فاعل على المستوى الدولي، وهو الأمر الذي سوف يؤتي ثمارا كبيرة في المستقبل القريب.
التحول من "البنية" إلى "البناء"، لم يقتصر على الجوانب الاقتصادية سالفة الذكر، وإنما امتد إلى جوانب أخرى، وهو ما يبدو على سبيل المثال في التوجه نحو "الحوار الوطني"، بمشاركة العديد من الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وهي الخطوة التي جاءت كنتيجة مباشرة لخطوات سابقة، تمثلت في العديد الحوارات التي أجرتها الدولة مع العديد من القطاعات المجتمعية، بدءً من الشباب مرورا بالمرأة، وحتى المواطن العادي في الشارع، لتكون خطوة "الحوار الوطني" بمثابة فرصة جديدة، للبناء على ما تم إنجازه، وهو ما سبق وأن تناولته في مقال سابق.
وهنا يمكننا القول بأن "الجمهورية الجديدة" لا تسعى نحو مشروعات صماء، تهدف إلى بناء "أساطير" معمارية، بلا جدوى، وإنما تمثل تجسيدا لرؤية من "دم ولحم"، تهدف لبناء الإنسان، سياسيا واقتصاديا، ناهيك عن تأمين احتياجاته اقتصاديا، بالإضافة إلى خطوات أخرى ربما تناولناها عدة مرات من قبل، منها تحقيق الأمن بمفهومه التقليدي، عبر الحرب على الإرهاب، سواء بالملاحقات الأمنية العسكرية، أو من خلال نهج فكري شامل، وكذلك العمل على توفير حياة آدمية للمواطنين، وهو ما تجلى في مشروع "حياة كريمة"، وغيرها من الخطوات المتزامنة، التي تعكس استراتيجية شاملة ومتكاملة، بدأت مع ميلاد "الجمهورية الجديدة"، ومازالت تحمل العديد من الأبعاد في إطار بناء المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة