عرف التاريخ المصرى القديم أحداثًا كثيرة منها غزو الهكسوس لمصر والذى استمر قرابة 200 سنة حتى خرجوا مهزومين ومدحورين على يد أحمس بطل التحرير، لكن ما معنى كلمة الهكسوس؟
يقول كتاب "1177 ق.م .. عام انهيار الحضارة" لـ إريك اتش كلاين:
غزا الهكسوس مصر للمرة الأولى في حوالي عام ١٧٢٠ق.م قبل مائتي وخمسين سنة من زمن تحتمس الثالث. وبقوا قرابة مائتَي سنة، حتى عام ١٥٥٠ق.م وفي الوقت الذي اجتاح فيه الهكسوس البلاد، كانت مصر واحدةً من القوى الراسخة في منطقة الشرق الأدنى القديمة. كان عمر أهرامات الجيزة قد بلغ بالفعل قرابة ألف عام بحلول تلك المرحلة، بعد أن بُنِيَت أثناء حكم الأسرة الرابعة، في فترة المملكة القديمة.
عرَّف مانيتون، الكاهن المصري الذي عاش وكتب أثناء الفترة الهلِّينستية اللاحقة في القرن الثالث قبل الميلاد، الهكسوس بأنهم "الملوك الرعاة" — وهي ترجمة خاطئة للعبارة المصرية hekau khasut، والتي تعني في الواقع "زعماء البلاد الأجنبية".
وقد كانوا بالفعل أجانب؛ إذ كان الهكسوس ساميِّين ارتحلوا إلى مصر من منطقة كنعان نرى رسومًا تمثل هؤلاء الساميين في مصر منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد؛ ومن ذلك، مثلًا، لوحة جدارية في داخل مقبرة مصرية في منطقة بني حسن، نرى فيها باعةً وتجارًا "آسيويين" يجلبون بضائعهم إلى البلاد.
أنهى غزوُ الهكسوس لمصر عهدَ المملكة الوسطى (حوالي ٢١٣٤–١٧٢٠ق.م). ومن المحتمل جدًّا أن نجاحَهم في الغزو كان نتيجةً لميزةٍ لديهم في تكنولوجيا الأسلحة وقدرتهم على توجيه الضربة الأولى، لأنهم كانوا يَمتلكُون أقواسًا مركَّبة يُمكن أن تُطلِق سهامًا إلى مسافات أبعد من الأقواس التقليدية لذلك الوقت، وكان لديهم أيضًا عجلاتٌ حربيةٌ تجرُّها الخيول، لم يُرَ لها مثيلٌ من قبلُ في مصر.
بعد فتحهم العسكري، دانَت السيطرة للهكسوس على مصر، التي حكموها بالأساس من عاصمتهم أواريس في دلتا النيل، أثناء ما يُطْلَق عليه الفترة الانتقالية الثانية (الأسر من الخامسة عشرة إلى السابعة عشرة) لحوالي مائتَي سنة، من ١٧٢٠ إلى ١٥٥٠ق.م4 هذه الفترة من ٣٠٠٠ إلى ١٢٠٠ق.م هي الفترة الوحيدة التي حُكِمَت مصر فيها على يد أجانب.
وتسجل قصصٌ ونقوشٌ يرجع تاريخها إلى قرب نهاية هذه الفترة، حوالي ١٥٥٠ق.م، بعضًا من المعارك التي اندلعت بين المصريين والهكسوس. وبالتحديد، لدينا قصة تُسجل خلافًا بين حاكمَين، والتي تُعْرَف باسم "نزاع أبوفيس وسقنن رع"، في هذه الحكاية، التي من المحتمل جدًّا أن تكون ملفَّقة، يَشتكي ملك الهكسوس أبوفيس من أنه يبقى مستيقظًا بالليل جراء الضوضاء الناجمة عن أفراس نهر يحتفظ بها، في بركة ماء، الملكُ المصريُّ سقنن رع، الذي كان يحكم في نفس الفترة أماكن أخرى في مصر. الشكوى غير معقولة لأنَّ عدة مئات من الأميال كانت تفصل البلاطين الملكيَّين؛ فواحد كان واقعًا في مصر العليا أو صعيد مصر والآخر كان في مصر السُّفلى؛ لذا لم يكن من الممكن أن يكون ملك الهكسوس قد سمع أفراس النهر، مهما كان صوت خوارها عاليًا. ومع ذلك، فإن مومياء سقنن رع قد اكتُشفَت بواسطة علماء الآثار، وواضحٌ من الجروح في رأسه، الناتجة عن فأس حربية، أنه مات ميتة عنيفة في معركة. هل كانت المعركة مع الهكسوس؟ لا نعرف يقينًا؛ ومع ذلك، من المحتمَل أن يكون أبوفيس وسقنن رع قد تقاتَلا، سواء كان بسبب أفراس النهر أم لا.
لدينا أيضًا نقْش تركه لنا الفرعون كامس، آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة في مصر. في ذلك الوقت، كان كامس يَحكم من مقرِّه في طيبة، في صعيد مصر. يقدِّم كامس تفصيلات بشأن المعركة المظفرة الأخيرة في مواجَهة الهكسوس، الذين يُشير إليهم بوصف "الآسيويين"، وكتب ما يلي في حوالي سنة ١٥٥٠ق.م:
أبحرتُ شمالًا في جبروتي لطرد الآسيويين… وجيشي المغوار أمامي مثل شعلة نار … ورماة السهام في أعلى صواري القتال ليُدمِّروا مواقعهم … أمضيتُ الليل في سفينتي، مُنشرِح الصدر؛ وعندما أبلج الفجر انقضَضتُ عليه كالصقر. وعندما جاء وقت الإفطار، كنت قد أطحتُ به بعد أن دمرتُ أسواره وذبحتُ قومه، وجعلتُ زوجته تنزل إلى ضفة النهر. وتصرَّفَ جيشي كالأسود عندما تنقضُّ على الفريسة … فأخذوا العبيد، والماشية، والدهن، والعسل … وقسَّموا غنائمهم وقلوبُهم فَرِحة.
يُخبرنا كامس أيضًا عن مصير مدينة أواريس نفسها:
أما أواريس الكائنة على النهرين، فدمَّرتها وبددت سكانها؛ دمرت بلداتهم وأحرقت بيوتهم حتى صارت كومة أنقاض محمرة للأبد، بسبب الدمار الذي كانوا قد ألحقوه بوسط مصر؛ أولئك الذين كانوا قد سمحوا لأنفسهم بالإصغاء إلى دعوة الآسيويين، [الذين] تخلَّوا عن مصر سيدتهم!
وبذلك، طرد المصريون الهكسوس من الأرض، فلاذُوا بالفرار عائدين إلى "رتينو" وهي نفس المنطقة العامة التي كان المصريون يعرفونها باسم "با-كا-نا-نا"، أو كنعان)، في نفس تلك الفترة، أسس المصريون الأسرة الثامنة عشرة، التي بدأَها أحمس شقيق كامس، التي استهلَّت ما ندعوه الآن بحقبة المملكة الحديثة في مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة