كشفت دراسة جديدة للدكتورة ماجدة أحمد عبد الله رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ، عن حقائق وأسرار فى حياة الملك الشاب "توت عنخ آمون" من خلال دراسة تنشر لأول مرة لواحدة من قلادات هذا الملك، والذى كان يستخدمها فى حياته ودفنت معه بالمقبرة ليستخدمها فى العالم الآخر عند بعثه مرة أخرى وهى من أروع القلادات ومسجلة تحت رقم .E 61897
وتشير الدكتورة ماجدة عبد الله إلى أن القلادة عثر عليها فى صندوق على شكل خرطوش فى مقبرة توت عنخ آمون وكانت تعرض بالمتحف المصري بالقاهرة ونقلت إلى المتحف المصرى الكبير ويظهر بها ما كان يظنه البعض أنه شكل القمر فى حين أنه يمثل الشمس المتلألة فى لحظة ضيائها بقوة وأزهار لوتس مع براعمها ومن الواضح أن الملك كان يرتديها أثناء حياته.
قلادة توت عنخ آمون
وتضيف بأن البحث تضمن دراسة تلك القلادة ومدلواتها وأرقامها السحرية والكتابة المعماه فيها والتى توضح أن الملك الشاب حاول مواجهة مؤامرات رجال آمون الذين كانوا يضمروا له شرًا وحاولوا التخلص منه بالسحر والقوة التمائمية فى واحدة من قلاداته، والقلادة طولها 40 سم مصنّعة من أحجار نصف كريمة، وكما سجلت فى سجلات المتحف المصرى فهى عبارة عن قارب ذهبى وقرص شمس من الفضة مع ثقالة وسلسلة، وحددت مادة صنعها من الذهب والراتنج والكلسيت والألباستر المصري وحجر التافرتين وحجر اللازورد والفلسبار والعقيق الأحمر والألكتروم والزجاج.
وعن القلادة يوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن القلادة تشمل أربع أزهار لوتس متفتحة وهى التى عبر عنها المصري القديم باسم "نفر" واسمها جزء من اسم" نفرتوم" أى الجمال الكامل، معبود منطقة منف ابن بتاح والمعبودة سخمت ومعها 13 برعم لنفس الزهرة وينطق بكلمة "نحبت" وتمثل مرحلتين من النمو أحدهما أصغر من الأخرى وتبدو جميعًا باسقة ومزدهرة من علامة السماء المعروفة باسم " بت" فى المصرية القديمة، وأن كل البراعم ذات اللون الأزرق الغامق مصنوعة من اللازورد أمّا ذات اللون الأزرق الفاتح مصنوعة من الفلسبار والسماء من اللازورد الداكن الزرقة وهذا الشكل يمكن أن ينطق بكلمة "حرى أو حريو" أى على أو فوق.
الدكتورة ماجدة أحمد عبدالله
ومن خلال رؤية الباحثة الدكتورة ماجدة عبد الله لهذه القلادة فإن السماء هنا هى الرحم الذى حملت فيه براعم وزهور اللوتس وهى الحاضنة لبذرتها ويؤكد الفكر الدينى المصري القديم هذه الرؤية إذ أعتبرت نوت ربة السماء هى أم الإله نفرتوم والتى تعتبر زهرته هى اللوتس والأم هى التى تهب الميلاد كل يوم للشمس طبقًا لنصوص كتاب الموتى فى التعويذة رقم 42: " انظر لقد اخبرتك أنى البرعم الذى يأتي من العمق وأمي نوت" .
ويضيف الدكتور ريحان بأن القلادة تتضمن لوحتين من الذهب أعلى النباتات عليهما الآلهتين واجيت (الحية) ونخبت (أنثى النسر) ربتى الشمال والجنوب وهما يمثلان اللقب النبتى للملك توت عنخ أمن يحميان اسمه ويمدان أجنحيتهما حول اسماء الملك واسم عرشه تقدما الأبدية شن ( أى القوة والملكية ) والحياة المفيدة والتمام والكمال له ولأسماؤه ويعلنا أن الملك وحد المملكتين وتحت حمايتهما
وعندما يرتدى الملك الشاب هذة القلادة حول عنقه فإنه يمثل ميلاد إله الشمس الصغير "نفرتوم" فى لحظة نماء اللوتس من التبة العليا التى تظهر فى النون (المحيط الآزلى)، وهو نفس التمثيل الذى يتأكد لنا فى قطعة أخرى منحوتة عثر عليها بمقبرة الملك تمثل رأس توت عنخ آمون كطفل تخرج من زهرة اللوتس وأنها تجسّد هيئة الملك الشاب بأنه نفرتوم بذاته وهو الإله الذى يمثل ميلاد إله الشمس فى بداية الزمان خارجة من المحيط الأزلى نون ومن خلال النظر للقطعة يتضح أنها بملامح الملك الشاب نفسه
وينوه الدكتور ريحان إلى استنتاجات الباحثة بأن هذه القلادة وأعداد أوراق الزهرة وتكرارها مع البراعم تشير إلى تكرار لأرقام سحرية الهدف منها اعطاء قوة البعث للملك بعد موته والحماية والقوة والسلطة له أثناء ارتدائه لها فى حياته اليومية والحفاظ عليه فى صورة متجددة دائمًا، إذ يبدو أعلى علامة السماء تخرج اربع زهرات متفتحة، كل زهرة بها خمس ورقات، ورقم خمسة من الأرقام السحرية ومرتبط بأن المتوفى يتناول خمس وجبات، 3 فى السماء و2 على الأرض وعند ضرب4 X 5 = 20 والناتج 20 هو الرقم الذى به قوة سحرية حيث يعود إلى 2 بحذف الصفر.
كما أن الزهرة الكبرى التى تمثل ثقالة القلادة تتكون من 9 ورقات بألوان مختلفة بينما كأس الزهرة من الذهب باللون الأصفر ويحيط بالزهرة برعمين من اللوتس وكل الزهور تشير للإله نفرتوم وزهرته اللوتس ولهذه الزهرة قوة تمائمية حيث أنها تحيط وترتبط بالملك الصغير وتحميه كإبن لها، وتتميز زهرة اللوتس بعدد بتلاتها الخارجية سبعة وهى لا تقبل أن تهجن مع أزهار أخرى ولذلك أحتفظت بفرديتها ورقم 7 هو رقم ذو طبيعة سحرية يكمن بها قوة الكون والطبيعة، ولقد صوّرها المصري القديم فى هذه القلادة بعدد 5 أوراق أو 9 أوراق فى ساعة اكتمالها فى النمو مثل ثقالة القلادة وكلها أرقام فردية تمنح الملك قوة سحرية على التجدد والقوة والسلطة والحماية وهو ما كان يحتاجه توت عنخ أمن فى مواجهة مؤامرات تدور حوله.
كما كشفت الدراسة أن المصري القديم أدرك معنى الأعداد السرى أو السحري ولذلك تضمنها فى هذة القلادة وبخاصة العدد 9 الذى يمثل الإنسان وما يعنيه من القوة والطاقة والدمار والحرب والسيطرة، كما يدل على الطاقة والطموح والزعامة والسيادة والسيطرة كما أن رقم 9 هو شعار المادة التى لايمكن تدميرها.
ويتضح فى نصوص الأهرام مدى ارتباط الملك واللوتس، فهو الزهرة فى يد إله الشمس، بينما فى كتاب الموتى يؤكد على قوة هذا المعبود فلا أحد يستطيع أن يسيطر عليه، وهذا ما كان يحتاجه توت عنخ أمن فى حياته لمواجهة المؤامرات حوله.
كما كشفت أن الملك الشاب اعتبر نفسه هو نفرتوم فى هيئته وقوته وأن آلهة مصر تحميه وأن "أمون" فى اسمه يحميه كما اتضح فى الدراسة اسمه مكتوب على اللوحتين الذهبيتين بصيغة الكتابة المعماة أى السرية، ورغم ذلك فلم يساعد كل هذا الملك توت عنخ أمن فى حياته وتم التخلص من الملك الشاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة