توطين الصناعة المصرية مع "ابدأ" وحكاية مبادرة قلبت الموازين

السبت، 24 ديسمبر 2022 10:00 م
توطين الصناعة المصرية مع "ابدأ" وحكاية مبادرة قلبت الموازين مبادرة ابدا
كتبت : أماني سمير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تولي الدولة المصرية أهمية كبيرة للارتقاء بالصناعة المصرية، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة التي يشهدها العالم من تغييرات متعددة سواء في المناخ أو الطاقة أو الصناعة، بالإضافة إلى التضخم العالمي وتبعياته حيث أثبتت كل هذه العوامل أنه ينبغي على كل الدول ومنها مصر تعزيز اكتفائها ذاتيًا في مختلف المجالات، ومن ثم دعم الصناعة الوطنية وتعزيزها بكل الإمكانيات والمقومات من أجل خلق منتجات مصرية تستطيع وبقوة أن تنافس مثيلاتها من المنتجات بالأسواق الأخرى بنفس الجودة، مستهدفة تقليل الاستيراد بشكل كبير. 
 
واستهدفت دراسة شاملة من مي صلاح الباحثة بمنصة المرصد المصري التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، مواكبة القضايا والأحداث الجارية في مصر والإقليم والعالم بمتابعة فورية وتقديم رؤى وتقارير موضوعية معمقة واستراتيجية لجمهور القراء والمحللين والكتاب وصانعي القرار، من خلال تحليل الأحداث وشرح أبعادها واستشراف مساراتها، عبر نخبة من الخبراء والباحثين المتخصصين في الشؤون المحلية والإقليمية والدولية .
 
 
تأتي المبادرة الشبابية الوطنية لتوطين الصناعة “ابدأ”، والتي جاءت ضمن العديد من المبادرات التي أطلقتها الدولة لتحقيق التنمية والعبور نحو الجمهورية الجديدة التي تضمن توفير حياة كريمة للجميع. 
 
مبادرة “ابدأ” لتوطين الصناعة المصرية تنبثق عن “حياة كريمة”
 
أصبحت مصر في الآونة الأخيرة استهلاكية بشكل كبير، ومع تزايد عدد السكان أصبحت احتياجاتهم تفوق الموارد المتوفرة، ما جعل الإنتاجية تنخفض اعتمادًا على السلع الاستهلاكية المستوردة. ولكن مع ارتفاع الأسعار، والأزمات الأخيرة التي يشهدها العالم، وتفاقم أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على العالم أجمع وليس مصر وحدها، وأثرت بشكل كبير على سلاسل الإمداد؛ أصبح الاتجاه لتوطين الصناعة واجبًا وطنيًا؛ لتقليل الفجوة الاستيرادية، والتحول إلى مجتمع منتج.
 
ولهذا، تم إطلاق مبادة “ابدأ” لتوطين الصناعة المصرية بناء على تكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسي من أجل تعزيز القطاع الصناعي في مصر، والاعتماد على المنتج المحلي وزيادة حجم الصادرات، خاصة بعد نجاح المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” التي تهدف إلى تطوير الريف المصري. وباستغلال هذا النجاح وتنميته، أوصى الرئيس السيسي أن يكون هناك مشروع متكامل للصناعة مرتبط بالمؤسسة، يضمن تنمية العنصر البشري، ويساعد على توطين التنمية، وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص في توطين العديد من الصناعات.
 
تأتي هذه المبادرة انطلاقًا من إدراك أهمية الصناعة في تحقيق التنمية الاقتصادية؛ كونها المحرك الأساسي الذي يضمن الاستغلال الأمثل والأكثر كفاءة للموارد، ما يضمن أن “ابدأ” ستدفع وبقوة قطاع الصناعة في مصر إلى آفاق جديدة، لتصبح سوقًا جاذبة للاستثمار يصدر منتجاته وينافس بها في الأسواق العالمية.
 
“ابدأ”.. ذراع اقتصادية لمبادرة “حياة كريمة”: أهداف ومحاور
 
على مدار السنوات الماضية، وجهت مصر مواردها وإمكانياتها لتنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية ومشروعات النقل والطرق والكباري، وبعد نجاح هذه المشروعات، بدأت مرحلة جديدة وهي الاستفادة من هذه البنية في توطين الصناعة، بتأسيس “ابدأ”، الشركة الوطنية التي تهدف إلى تطوير وتنمية الصناعة المصرية بكل أنواعها، وذلك بمشاركة مؤسسة “حياة كريمة”، بالإضافة إلى شريك متخصص في الإدارة والاستشارات المالية، وهي شركة “INI” المصرية.
 
وبدأ التنفيذ بضخ استثمارات تصل إلى 200 مليار جنيه، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على المواطنين خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد التخبطات الاقتصادية الأخيرة التي سلطت الضوء على أهمية توفير العملة الصعبة للبلاد، وإدراك أن ذلك لن يتحقق إلا بتقليل الاستيراد ودعم الصناعة المحلية، وتذليل العقبات أمام المصنعين.
 
وبالتنسيق الكامل مع اتحاد الصناعات، وجمعيات المستثمرين ورئاسة مجلس الوزراء، ووزارة التجارة والصناعة، وكل الجهات المعنية في الدولة، وبالاتحاد مع القطاع الخاص؛ تم الاتفاق على أبرز أهداف مبادرة “ابدأ”، التي تعد أحد الدورات الرئيسة وصولًا إلى تحقيق استراتيجية رؤية مصر 2030، وباستعراضها نجد ما يلي:
 
● الاعتماد على المنتج المحلي وتقليل الواردات، وبالتالي تستهدف المبادرة تقليل الفجوة الاستيرادية بنسبة 40%، وخفض حجم الواردات وزيادة حجم الصادرات بمعدل 12 إلى 14 مليار دولار، والتركيز على جميع الصناعات التي تعتمد على الواردات، حتى يتم الوصول نحو الاكتفاء الذاتي من أغلب السلع والمنتجات الصناعية.
 
● توجيه الدعم الكامل للقطاع الخاص في توطين العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وتوطين أحدث تكنولوجيات الصناعة.
 
● توفير أكثر من 150 ألف فرصة عمل سواء مباشرة أو غير مباشرة خلال السنوات الأربعة القادمة.
 
كل هذا جنبًا إلى جنب مع خلق اقتصاد معرفي تنافسي متنوع، وتحسين مناخ الأعمال. وتتضمن المبادرة “ابدأ” محاور عدة من أجل تحقيق هذه الأهداف والوصول إلى فاتورة تقليل الاستيراد، بما ينعكس على الاقتصاد القومي، وجذب استثمارات داخلية وخارجية جديدة، بالإضافة إلى مشاركة القطاع الخاص في قاطرة التنمية، وتشمل هذه المحاور:
 
المشروعات الكبرى: من أجل توطين الصناعة، تم تجميع المصنعين المتنافسين، وجرى تنفيذ 64 مشروعًا صناعيًا تحت مظلة هذا المحور؛ إذ يستهدف هذا المحور جميع الصناعات في عدة قطاعات تعتمد على الواردات، والوصول إلى أعلى نسبة للمكون المحلي، ولأول مرة سيتم تصنيع منتجات هذه القطاعات في مصر وستشمل:
 
قطاع الأجهزة الكهربائية المنزلية.
قطاعات الأسمدة والمواد الكيماوية.
قطع غيار السيارات ووسائل النقل.
الصناعات المعدنية.
المحركات.
المولدات الكهربائية.
المعدات الثقيلة.
 
دعم الصناعات: الجيد في الأمر في هذه المبادرة هو تقديم عدد من الحوافز والتسهيلات في صورة أراضٍ بحق الانتفاع، والإعفاء من الضرائب لمدة 5 سنوات، وهو الأمر الذي يمثل دافعًا قويًا نحو ضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع الصناعة خلال الفترة المقبلة وخلق مزيد من الفرص لرجال الأعمال المحليين والأجانب. هذا بالإضافة إلى تقديم الدعم الفني والمالي للمصانع المخالفة والمتعثرة ومساعدتها على تقنين أوضاعها، فضلًا عن توطين الصناعات المتكاملة بمراكز “حياة كريمة” في كل القرى، وذلك للبناء على جهود الدولة وطفرة البنية الأساسية. 
 
البحث والتدريب: تقدم المبادرة دعمًا لتنمية الموارد البشرية، وتقديم التدريب الفني والمهني، ورفع الوعي بأهمية العمل الذي يقوم به كل صانع في مجاله، فضلًا عن رفع كفاءة العاملين في قطاع الصناعة في جميع أنحاء الجمهورية، بما يلبي احتياجات سوق العمل المحلي والدولي، وبالفعل تم العمل على إنشاء قاعدة بيانات على عدد العاملين في القطاعات الصناعية المختلفة.
 
جدير بالذكر أن الأكاديمية الوطنية للتدريب هي شريك استراتيجي للمبادرة بتنفيذ هذا المحور، بهدف تأهيل عمالة مثقفة ومدربة طبقًا للمعايير الدولية.
 
إذًا مما سبق، نستنتج أن مبادرة “ابدأ” تعد الذراع الاقتصادية لـ مبادرة حياة كريمة لضمان التنمية المستدامة في مشروعات حياة كريمة، ونجد أن كل هذا الدعم يأتي بوجود شركاء كثر مع رجال الصناعة المصرية وشركاء تكنولوجيين من 12 دولة. وبالفعل حققت المبادرة إيجابيات عدة تأتي في صدارتها جمع مجموعة كبيرة من رجال الأعمال الذين استجابوا سريعًا للمبادرة. 
 
وعلى أرض الواقع، تم عقد لقاءات مهمة بين القائمين على مبادرة مع رجال الصناعة والغرف التجارية للوقوف على رؤيتهم واحتياجاتهم، والتحول من مرحلة التحالفات الاستثمارية إلى مرحلة التفاهمات القانونية وتأسيس الشركات الصناعية، هذا بالإضافة إلى زيارة العديد من المصانع المتعثرة والمخالفة –البالغ عددها 13323- للوقوف على مشاكلها خلال الستة أشهر الماضية.
 
وشملت هذه الجولات كل أنواع المصانع التي تواجه تحديات بعينها، أو ما إذا كانت تعاني من تعثرات مالية أو تواجه مشكلة في الإنتاج، والبحث في إمكانية نقلهم لمجمعات صناعية جديدة، والتعاون مع جميع الجهات المعنية لحل هذه المشكلات في إطار منظومة متكاملة لحوكمة جميع العمليات والإجراءات باستخدام أحدث نظم التكنولوجيا العالمية المتوافقة مع استراتيجية رؤية مصر 2030.
 
وتم جمع البيانات والمعلومات عن المنتجات التي من المقرر أن يتم تصنيعها محليًا، متضمنة حجم الإنتاج المحلي واحتياجات السوق والأسعار وخطوط الإنتاج والماكينات المستخدمة وغيرها، وبالتالي، نجحت المبادرة وبقوة في تحويل عدد كبير من المستوردين إلى مصنعين.
 
وكذا تم التشاور مع 100 شركة مصرية، وتم عقد 65 شراكة كبرى لتنفيذ 65 مشروعًا، وذلك بمشاركة 33 مستثمرًا صناعيًا من مصر، و24 مستثمرًا صناعيًا من 14 دولة أجنبية، مع الاستمرار في العمل لجذب العديد من الاستثمارات الأجنبية للمبادرة، والتي ستسهم في إنشاء مصانع جديدة على أرض مصر، ومن المخطط أن يتم افتتاح 45 مشروعًا قبل ديسمبر 2023، و9 مشروعات سيتم افتتاحها خلال عام 2024. 
 
وحرصًا من المبادرة على قيمة الوقت، تم الانتهاء من التصميمات الهندسية لـ 8 مشروعات، وتم البدء في الإنشاءات المدنية في 6 مشروعات، أهمها: مصنع إنتاج مكونات مياه الشرب والصرف الصحي، ومجمع وسائل النقل الخفيف. وتم طلب معدات وماكينات لخمسة مشروعات، منها: مشروع تصنيع مكونات البوتاجاز، ومكونات التكييف المركزي.
 
وتم توصيل خطوط الإنتاج لأربعة مشروعات، كمواتير وسائل النقل الخفيف. وفي وقت قياسي، استطاعت المبادرة الوصول لمرحلة الإنتاج في مشروع إنتاج “اللوادر” الثقيلة بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع، وتم إنتاج 16 “لودر” كمرحلة أولى للتدريب على تجميع مكونات اللودر، وحاليًا يتم العمل على تجهيز المكون المحلي الذي سيصل إلى 40% مع نهاية المرحلة الثانية. 
 
مبادرات حرصت عليها الدولة لتذليل عقبات الصناعة الوطنية
 
● مبادرة مصنعك جاهز بالتراخيص: تأتي هذه المبادرة في إطار مخطط وزارة التجارة والصناعة لدعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يستهدف طرح 22 مجمعًا صناعيًا متخصصًا للصناعات الصغيرة والمتوسطة في 14 محافظة حتى عام 2022، حيث تتولى الهيئة العامة للتنمية الصناعية في إطار المبادرة عملية إنشاء مباني المصانع وإمدادها بالمرافق واصدار التراخيص الخاصة بها وإتاحتها جاهزة للمستثمرين بسعر التكلفة الفعلية للمرافق ومباني الوحدات الصناعية، دون أي تربح من قبل الهيئة.
 
● تخصيص الأراضي الصناعية بالصعيد مجانًا: وافق مجلس الوزراء على قرارات تتعلق بإجراءات وضوابط تخصيص الأراضي بالمجان بالصعيد لتشمل المناطق من محافظة الفيوم حتى محافظة أسوان، وأن التخصيص سيكون بالمجان أو نظام حق الانتفاع بغرض إنشاء مصانع، وإذا لم يتم إنشاء المصانع وفقًا لمدد محددة سيتم سحب الأرض وذلك لضمان الجدية والتأكد أن هدف المستثمر هو الاستثمار في الصناعة وليس مجرد التجارة.
 
● مبادرة إدارة الأزمات الصناعية بالمشاركة بين المستثمرين والهيئة: لقد تبنت الهيئة العامة للتنمية الصناعية مبادرة إنشاء منظومة معلومات وقاعدة بيانات لإدارة الأزمات الصناعية يتم من خلالها إنشاء أرشيف متكامل للأزمات الصناعية السابقة والمتوقعة مستقبلًا تكون بمثابة بنك معلومات داعم لمتخذ القرار للتنبؤ بالأزمات التي قد تحدث مستقبلًا، ومن ثم تمكنه من وضع الحلول والإجراءات التي تخفف من الآثار الضارة للأزمة المتوقعة وعدم تكرارها، لذا نجد أنها فكرة قائمة على “التوقع” للأزمات، سواءً كانت أزمة اقتصادية أو أمنية، فيتم عمل عدة سيناريوهات للتعامل معها وبالتالي نتجنب الآثار السلبية للأزمة إذا حدثت.
 
وختامًا، تمثل مبادرة “ابدأ” التي أطلقتها مؤسسة حياة كريمة لدعم وتوطين الصناعة المصرية خطوة على الطريق الصحيح نحو التكامل لدعم الصناعات المحلية في مختلف القطاعات، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أن الدولة المصرية تصب اهتماماتها على القطاعات الاستراتيجية المهمة للصالح القومي، موجهة إليها كافة الإمكانيات والمقومات، والهدف في المقام الأول هو مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية ودفع عجلة الاقتصاد، ورفع شأن المنتج المصري، خاصة وأن مصر لديها فرصة حقيقة لتصبح واحدة من الدول الصناعية الواعدة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم بما تمتلكه من مقومات طبيعية وبشرية لتحقيق هذا الهدف الذي سيجني ثماره الأجيال القادمة .
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة