تتجه أنظار العالم نحو مدينة السلام شرم الشيخ، لمتابعة أعمال مؤتمر قمة المناخ، وبالتزامن مع انعقاد المؤتمر وانطلاق فعالياته، نستعرض عدد من فتاوى دار الإفتاء الداعية للحفاظ على البيئة، وذلك على النحو الآتى:
اهتمام الشريعة الإسلامية وتشجيعها على حفظ المياه والتحذير من الإسراف فيها.
السؤال:
فى ظل ما حدث فى الكون من تغيرات فى المناخ ومنها التغيير الحاصل فى المياه، كيف اهتمت الشريعة الإسلامية بالمياه ونبهت على ضرورة المحافظة عليها؟
الجواب
حرصَ الإسلامُ على الحفاظِ على الماء، فقد جعله الله تعالى أصل الحياة؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَى أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: 30].
وسخَّر الله تعالى الماء للإنسان؛ فقال سبحانه: ﴿اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ﴾ [إبراهيم: 32].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ [البقرة: 164].
وقد بلغ من حِرْصِ الشريعة على الحفاظ على الماء أن أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم بحفظ الشَّرَاب ليلًا؛ فقال: «غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أن يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللهِ، فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ» متفق عليه.
ومعنى: «أَوْكُوا السِّقَاءَ» أَي: اربطوه؛ حتى لا يقع فيه ما قد يؤذى الإنسان أو يَضُرُّ به أو بصحته.
كما نَهَى النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يتنفس الشارب فى الإناء أو ينفخ فيه، والحكمة من ذلك حماية الماء أو الطعام ممَّا قد يَعلَق فيه من الجوف.
ومن أدبه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يشرب على ثلاثة أنفاس، ولا يزدرد الماء فى جوفه دفعة واحدة؛ وكان يقول: «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ» رواه مسلم.
كما نهى النبى صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسراف فى استعمال الماء؛ فقد مرَّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم بِسَعْدٍ رضى الله عنه وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ؟» فَقَالَ: أَفِى الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ» رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
ومن الآداب التى أرشدنا إليها الإسلام: النهى عن تلويث الماء؛ فقد حذَّر النبى صلى الله عليه وآله وسلم من تلويث الماء، ونهى أن يُبال فى الماء الراكد، والعلَّة فى ذلك: حمايتُه من أن يكون موطنًا للأمراض والأوبئة.
مدى موافقة إعادة تدوير المخلفات للآداب والتوجيهات الإسلامية
سائل يقول: ما مدى موافقة إعادة تدوير المخلفات للآداب والتوجيهات الإسلامية؟
الجواب
لقد كان للشريعة الإسلامية السبق فى الدعوة إلى إعادة تدوير المخلفات والانتفاع بها، والاستفادة بها كلَّما أمكن، والتراث الإسلامى حافل بأشكال وصور لعملية تدوير المخلفات وإعادة استخدامها، وإن اختلفت آلية تنفيذها عن الصورة المعاصرة، ومن الأمثلة على ذلك:
- ما ورد عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم من الدعوة إلى الاستفادة بجلود الحيوانات الميتة بدبغها بدلًا من إلقائها فى النفايات؛ فعن ابن عباس رضى الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ: «هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟!» قَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ! قَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» متفق عليه واللفظ للبخارى.
وفى رواية مسلم فى "صحيحه" أنه قال: «أَلَا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ؟!».
وروى مسلم فى "صحيحه" عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما: أنها كانت تَدُقُّ النَّوَى لِتُحَوِّلَهُ بذلك إلى علف وغذاء للدواب؛ إذ قالت رضى الله عنها: "تَزَوَّجَنِى الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِى الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ فَرَسِهِ"، قَالَتْ: "فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَكْفِيهِ مَئُونَتَهُ، وَأَسُوسُهُ، وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ، وَأَعْلِفُهُ".
حرق قش الأرز وحطب القطن
السؤال
ما حكم قيام قطاع كبير من المزارعين بحرق قش الأرز وحطب القطن؟ خاصة بعد أن ثبت أن هذا التصرف عامل كبير من عوامل تَكَوُّن السحابة السوداء التى هى من أكبر مظاهر التلوث البيئى والإضرار بالصحة، والبعض يبرر ذلك بأنه للقضاء على دورة حياة الحشرات الضارة بهذه الزراعات. فما هو الواجب حيال ذلك؟
الجواب
هذا التصرف حرامٌ شرعًا، وفاعله آثم؛ لأنه من المقرر فى المقاصد الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار، أى أنه لا يجوز للإنسان أن يضر نفسه ولا أن يسعى فى إيصال الضرر لغيره؛ كما أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة، فليس للمزارع أن يتخلص من بقايا محاصيله بطريقة تَجُرُّ الضرر إلى الناس؛ حيث أثبتت الأبحاث العلمية الطبية أن الأطفال هم أكثر الفئات تأثُّرًا بِتلوُّث الهواء الذى تُسببه هذه الأفعال وغيرها؛ فيُصَابون بضيق التنفس، وأمراض الشُّعب الهوائيّة، وزيادة احتمال الإصابة بالرّبو، والتهابات العين، التى تسبّب عدم وضوح الرؤية، وخفْض مناعة الجسم، ومن أكبر مكوِّنات هذه السحابة غاز أول أكسيد الكربون الذى يسبب أضرارًا بخلايا المخ، ويؤثر فى الدورة الدمويّة والجهاز العصبى، وعنصر الرصاص الذى يسبب أمراض الْكُلى، وزيادة التخلف العقْلى.
وإذا كانت هذه الحرائق سببًا فى كل هذه الأضرار الصحية -كما أثبتته الأبحاث العلمية- فإن القيام بها والتسبب فيها يُعَدُّ إفسادًا فى الأرض وبغيًا بغير الحق، وهذا من الكبائر التى نص الله تعالى على تحريمها بل وقرنها بالشرك به فى قوله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّى الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْى بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33]
ما حكم إلقاء القمامة والحيوانات النافقة فى مياه النيل والترع؟
الجواب
يحرم شرعًا إلقاء القمامة والحيوانات النافقة فى مياه النيل والترع؛ لأنها من جملة الخبائث والأذى المطلوب إماطته من طريق الناس ومواطن عيشهم؛ لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم «وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» متفق عليه، والمولى عز وجل أنزل الماء لحياة الإنسان؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، وإلقاء الأذى فى الماء يلوّثه ويحوِّله إلى بيئةٍ راعيةٍ للأمراض والأوبئة وهو ما يعارض مقصوده.
هذا، وقد نصَّ القانون المصرى على معاقبة وتجريم من يفعل ذلك؛ فلا يجوز للمسلم أن يرتكب ما يضر بالوطن ويحرمه الشرع والقانون، وإلا كان فعله هذا نوعًا من الإفساد فى الأرض.
ما حكم الطهارة بمياه الصَّرْف الـمُعَالَجَة؟
الجواب
المستفاد من كلام العلماء فى هذه المسألة أن الماء كما يتنجس بما يغير طَعْمَهُ أو لَوْنَهُ أو رِيحَهُ من نجاسةٍ؛ فإنه كذلك يطهر بزوال ما غيّره ابتداءً. وعليه: فإن تنقية ماء الصرف الصحى بوسائل التنقية الحديثة بحيث لا يبقى للنجاسة أثرٌ فى طعمه ولونه وريحه؛ تجعل هذه المياه طاهرةً يصح رَفْعُ الحدث بها وإزالةُ النجس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة