كنت ومازلت من المفتونين بمنطقة وسط البلد، شوارعها ومبانيها، ميادينها وحواريها، المقاهي فيها والبارات، التعديلات والتغيرات، وأفكار الخديو إسماعيل وخطواته للتنفيذ، ورؤية الرئيس السيسي في التطوير، مشاريع وإنجازات، الحفاظ على روح التاريخ والاحتفاظ بحنين الذكريات، فإن جاز قول العلماء بأن الإنسان حيوان ناطق، فالإنسان كائن له ماضٍ مفعم بالحنين، مليء بالذكريات، فما بالك وإن كان الإنسان المصري يمتلك أجمل مدن العالم، نعم شوارع وسط البلد عالم يختصر القاهرة، يلخص مصر في خريطة لا تتعدى الكيلو مترات.
أقر وأعترف بأنني أوقعت نفسي في مأزق لا فكاك منه، عندما نويت كتابة حلقات عن أسرار وحكايات وسط البلد، ذلك المكان الذي صدرت بحقه آلاف المجلدات، تناولت منه التاريخ والحكايات، وأظن وليس كل الظن إثم أنها أخفقت في ذكر تفاصيل التفاصيل، أو فقدت ربط الماضي برؤية الحاضر، أو ذكريات الحنين لأناس عاشوا وتعايشوا في شوارعها الجميلة وتسامروا في مقاهيها العتيقة.
وسط البلد، ليست مجرد منطقة عادية، بل يمكن أن نعدها مدينة الكنوز المصرية الحديثة الفنية والمعمارية، التي أرخت تاريخ مصر في شوارع شاهدة على كل العصور، بداية من ميدان التحرير قلب العاصمة النابض بالتاريخ لشوارع تتفرع منه كالشرايين وكأنها خيوط من نور منبعثة لأشعة الشمس تكتب التاريخ على أبواب شوارع وسط البلد، بداية من قصر العيني باشا، ومارييت باشا، إلى أن نصل إلى شامبليون، ونقطع طلعت حرب بعد أن زين اسمه الشارع العتيق خلفا لسليمان باشا، ومنه ندلف إلى شارع الشيخ ريحان، ويوسف الجندي ومحمد محمود، والفلكي وقصر النيل، ومنصور وشريف وصبري أبو علم.
شواع تحكى لنا تاريخ ميادين تربطها ببعضها البعض، لتشكل كيانا متتناغما لتصميم هندسي معماري فريد، بداية من عبقرية المكان في ميدان باب اللوق وهندسة ميدان عابدين وتصميم ميدان عبد المنعم رياض، والشكل المعماري لميدان سيمون بوليفار، والنادي الدبلوماسي، ونادي السيارات، ومقهى ريش وزهرة البستان، ومقهى الحرية والندوة الثقافية وسوق الحميدية.
وسط البلد عاصمة مذهلة فيها تذوب تفاصيل التفاصيل، أسرار وحكايات، حواديث حكام سكنوها، بداية من عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي، السلطان سليم الأول، ونابليون، تشرشل وكارتر، وستالين، محمد على باشا وأولاده وأحفاده.
نحن المصريين يجب أن ندرك قيمة وسط البلد، الكنز الذي يتباهى به العالم في صور وذكريات لكونها العاصمة الثقافية الحقيقية في العالم فلا يوجد مكان بنفس المساحة والتصميم المعماري شاهد على التاريخ مثل شوارع وسط البلد.. مصر جميلة وتجميلها من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة