رهام سلامه

ملتقى البحرين دعوة للتعارف ونبذ الصراع

الخميس، 10 نوفمبر 2022 03:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يقال إن البحرين سميت بهذا الإسم لوجود ينابيع الماء العذب وسط مياه البحر المالح عند هذه الجزيرة، وهذا الوصف البديع يصدق أيضًا على اللقاء الأخوى التاسع بين فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، وكأنهما ينابيع تروي الإنسانية فى خضم صراعاتها ومشاكلها بمياه التسامح والحب والإخاء، في رسالة موجهة إلى العالم أنه ما بين أمواج الحياة المتلاطمة ودقات طبول الحرب المتسارعة والصراعات المتزايدة يوجد ينابيع لمياه عذبة تروي الأرواح المتعطشة للسلام والأمان، الباحثة عن الاستقرار والعيش الكريم.

لقد شهدنا هذا اللقاء التاريخي الذي جمع أكبر رمزين دينيين في العالم، عقلين حكيمين أرادا أن يعطيا رسالة للعالم أجمع من أرض البحرين، والتي ضربت مثلا للتعايش السلمي بين مختلف الأديان والأجناس والأعراف، من تلك الأرض الطيبة، وجه فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، بالإضافة إلى جلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، ملك مملكة البحرين، العديد من الرسائل يجمعها الدعوة إلى التعايش وإعلاء قيم السلام والتعارف المتبادل، الذي يقوم على الحوار بين أتباع الأديان ونشر ثقافة التعارف الحضاري بدلا من الصراع الحضاري.

كلمات سيسجلها التاريخ في صفحاته المشرقة التي تؤسس للأخوة الإنسانية قولا وفعلا ظاهرا وباطنا، ولعل من أبرز ما جاء في تلك القمة هي دعوة فضيلة الإمام الأكبر إلى إحلال نظرية "التعارف الحضاري" بدلا من نظرية "صراع الحضارات" لأن هذا التعارف هو الذى يؤدى إلى الانفتاح، وتمكين الإنسان فى الأرض شرقًا وغربا، كما نادى بإحلال "الثقافة" بدلا من "السياسة" في العلاقات الدولية.

لقد حمل الإمام على عاتقة ضرورة تصحيح المفاهيم وبيان الحقائق خلال الحوار بين الشرق والغرب، فمصطلحي (الصراع، والأقليات) –مثلا- يحملان في طياتهما معاني ودلالات لا تخدم إلا الإرهاب، ولا تؤسس إلا للكراهية، ولا تنتج إلا ثقافة الإقصاء، ولا يترتب عليها إلا إفساد وتهديد الدول، مما دفع فضيلة الإمام وقداسة البابا في العديد من المناسبات بمحاربة مثل الأفكار بقوة وشجاعة، فالآن يدعو إلى التعارف بدلا من الصراع، وبالأمس وتحديدا خلال الجولة الثانية لحوار الشرق والغرب الذي انعقد في فرنسا في شهر مايو 2016، دعا فضيلة الإمام الأكبر بضرورة الانتقال من فكرة الأقليات إلى  فكرة الاندماج؛ بما يحقق المواطنة الكاملة والتي لا تتناقض مع الدين على أي حال.

أيضًا ظهرت تلك القوة الحاسمة في تناول القضايا الملحة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية حين دعا فضيلة الإمام الأكبر إلى عقد حوار إسلامي – إسلامي جاد للتقارب ونبذ الفرقة وضرورة تجاوز الصراعات التاريخية والجلوس مع الأخوة الشيعة على مائدة واحدة لتجاوز صفحة الماضي وتعزيز التعاون الإسلامي ووحدة المسلمين، حتى لا ينساق المسلمون خلف الدعوات الهدامة التي تسعى للشقاق واستغلال الدين في إثارة النعرات القومية والمذهبية والتدخل في شؤون الدول والنيل من سيادتها واغتصاب أراضيها.

إن لمثل هذه الملتقيات وتلك الدعوات الوسطية التي تلمس مشكلات مجتمعاتنا تأثير كبير في تكوين الرؤى وتحديد المسارات الصحيحة لخريطة الفكر الديني، وبناء المواقف الصحيحة تجاه تلك الأحداث التي تحفظ الشباب من العنف أو تبني ثقافة الكراهية، والتي تقوم على أساس من التفرقة على أساس الدين والمذهب والعرق.

إن أهم ما يلفت النظر في كلمات فضيلة الإمام الأكبر جميعها، تلك الموضوعية  الممزوجة بالعقلانية المنطقية والتي تصبغ كافة أطروحاته؛ فلا يأتي على طرف دون آخر ولا ينحاز لطائفة على حساب أخرى، ولا يقف إلا في صف المظلومين المقهورين، حتى تلك الوقفة تكون وقفة واضحة غير مغلفة بالمواربات السياسية والمصالح الشخصية، وفي ذات الوقت مسئولة توضح الصورة بشكل كامل؛ لذا نراه هنا خاطب الغرب قائلا: "إن الغرب لمحتاج إلى أسواق الشرق وسواعد أبنائه، في مصانِعه في إفريقيا وآسيا وغيرهما، وهو في حاجةٍ إلى الموادِّ الخام المكنوزة في أعماقِ هاتين القارَّتين، والتي لولاها لما وجدت مصانع الغرب ما تنتجه، وليس من الإنصاف في شيء أن يكون جزاء المحسن مزيدًا من الفقرِ والجهلِ والمرضِ".

كذلك وجه الإمام كلماته إلى الشرق، ولم يمنعه من ذلك أنه ينتمي إلى الشرق نشأة وإقامة وسكنا وتعليما، بل عاش أغلب أيامه وسنواته فيه؛ فأقر بأن الشرق يحتاج إلى اقتباس علوم الغرب والاستعانة بها في نهضته التقنية والمادية، واستيراد المُنتجات الصناعية، من أسواق الغرب، كما طالب الشرقيين بأن ينظروا للغرب نظرة جديدة فيها شيء من التواضع والفَهْم المتسامح لمدنية الغرب وعادات الغربيين بحُسبانِها نتاج ظروف وتطوُّرات وتفاعلات خاصة بهم دفعوا ثمنَها غاليًا عبر قرون عدة.

تلك الكلمات التي تكتب بمداد الذهب في هذا الملتقى التاريخي ملتقى البحرين للحوار "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني"، والذي يأتي في وقت دقيق من عمر الإنسانية لا سيما في ظل التحديات العالمية التي تواجه البشرية مثل قضايا المناخ وتأثيرها السلبي على حياة الناس، ودور قادة الأديان في معالجة هذه الظاهرة وتحديات العصر الأخرى من منطلق ديني يُسهم في التخفيف من آثار هذه الأزمات، ويبعث الطمأنينة في نفوس شباب العالم.

وخلال الزيارة التقى فضيلة الإمام الأكبر بأعضاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمملكة البحرين، وذلك بحضور رئيس المجلس معالي الشيخ عبدالرحمن بن محمد آل خليفة، وأعضاء المجلس، ووفد علماء الأزهر المرافقين لفضيلة الإمام الأكبر، بالإضافة إلى لقاء مفتوح مع الشباب البحريني وصناع السلام إذ ألغى الكلمة المكتوبة وخاطبهم خطابا مفتوحا من القلب تحدث معهم فيه من قلبه دون أي قيود في أسئلة أو استفسار، داعيًا الشباب إلى الحديث بكل أريحية في كل ما يشغلهم من قضايا واستفسارات وتحديات الحوار بين الشباب والتواصل مع الشباب من مختلف الدول والثقافات.

في السياق ذاته، وخلال الكلمة الختامية للملتقى، أشاد العاهل البحريني جلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، ملك مملكة البحرين، بالدور المؤثر للقيادات الدينية، وأصحاب الفكر وأصحاب الاختصاص الذي حضروا الملتقى، وطريقتهم في معالجة مختلف التحديات المجتمعية في مسعاهم نحو مزيد من السلام والاستقرار.

من جانبه، رحَّب قداسة البابا فرنسيس، بفضيلة الإمام الأكبر، معربًا عن تقديره لجهود الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين في دعم وتشجيع الحوار بين أتباع الأديان، ونشر ثقافة الأخوة الإنسانية وتعزيز السلام العالمي، مؤكدًا أهمية تضامن قادة وزعماء الأديان من أجل خير البشرية، وإعلاء صوت الدين لخدمة الإنسانية، مؤكدًا أيضًا على أهمية الحوار في إنهاء الحروب والصراعات والحد من انتشار العنصرية والكراهية.

إن هذا الحوار بين الشرق والغرب يثبت بشكل قاطع إلمام القادة الدينين بالمشكلات التي تحيط الإنسانية، كما يعبر أنهم لا يدخرون جهدا في دعم الإنسانية إلى تجاوز أزماتها ومشكلاتها في جو تسوده المودة والإخاء حتى مع الاختلاف في الدين والجنس والعرق والمذهب.

كما تؤكد تلك اللقاءات على أن علماء الأديان كما تجمعهم الإنسانية ويقربهم الحوار مما يؤدي بهم حتما إلى التعارف والتفاهم فكذلك الإنسانية جميعا لابد أن يتخلوا عن ثقافة الصراع وسحق الآخر إلى العيش المشترك والنظر إلى المصلحة العامة للإنسانية، بما يقضى على كافة الدعوات العنيفة والمطرفة أيا كان منبعها أو مستندها، وسبيل ذلك هو الالتقاء على المشتركات والحوار والنقاش والعذر في الاختلافات.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة