كان أبطال قواتنا المسلحة فى جبهة سيناء يشعرون بالاطمئنان التام فى 9 أكتوبر، 1973، وهو اليوم الرابع فى الحرب التى بدأت مصر وسوريا خوضها ضد إسرائيل يوم 6 أكتوبر، وفى مذكراته «حرب أكتوبر 1973» يذكر المشير محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة العمليات أثناء الحرب، ووزير الدفاع فيما بعد، سبب هذا الاطمئنان، قائلا: «تحققت المهمة المباشرة لقواتنا المسلحة، وأنشأ الجيشان الثانى والثالث «رأس كوبرى جيش» بعمق 12 إلى 15 كيلومترا فى سيناء، يشمل قوات بها دبابات ومدفعة وأسلحة أخرى، تجعل منه صخرة تكسرت عليها كل هجمات العدو المضادة، وكان أهمها وأخطرها تلك الضربة المضادة التى قام بها العدو يوم 8 أكتوبر، وفشل فى تحقيق هدفها، وأطلق على هذا اليوم «يوم الفشل العام للقوات الإسرائيلية».
يذكر الجمسى، أن جميع حصون خط بارليف تمت تصفيتها تماما عدا اثنين منها، أحدهما فى أقصى الشمال بمنطقة شرق بورفؤاد على الطريق الساحلى بورسعيد رمانة - العريش، لارتكازه على البحر المتوسط من جهة والملاحات من جهة أخرى، وقامت قوة قطاع بورسعيد بمهاجمة هذا الحصن أكثر من مرة إلا أنه لم يسقط، لأن الطريق الساحلى من رمانة إليه كان يسمح بوصول الإمداد للحصن وإخلاء الخسائر منه، والحقيقة أن مهاجمة هذا الحصن كانت تحتاج لأسلوب غير نمطى وطرق مبتكرة لتدميره أو محاصرته حتى يضعف، وظل هذا الحصن هو الوحيد الذى لم يسقط فى الجبهة.
أما الحصن الثانى، فيذكر الجمسى أنه كان على «لسان بورتوفيق» فى مدخل خليج السويس، واضطرت قواته للاستسلام وعددها 37 إسرائيليا بعد حصار طويل ومستمر، وتم ذلك بحضور ممثلى هيئة الصليب الأحمر الدولى، وكان مشهدا تاريخيا عندما نكَس قائد الحصن الإسرائيلى علم بلاده المعتدية، ورفع القائد المصرى علم مصر عزيزا على أرضه.
يؤكد الجمسى: استمر القتال فى جبهة سيناء، حيث كانت قوات الجيشين تهدف إلى تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة، بينما تهدف قوات العدو إلى تعطيل تقدم قواتنا شرقا، وبصفة عامة كان الموقف العسكرى فى جبهة سيناء قويا بنهاية 9 أكتوبر، فقد أتمت قواتنا المسلحة «المهمة المباشرة» تمهيدا واستعدادا للمهام التالية.
يذكر الجمسى، أنه خلال هذا اليوم دارت معركة بحرية بين تشكيل بحرى معاد يعاونه مجموعة من طائرات الهليكوبتر وبين مجموعة من اللنشات المصرية فى البحر المتوسط شمال الساحل الشمالى لسيناء، وتمكنت اللنشات المصرية من إغراق خمسة لنشات إسرائيلية، وأصيب لنا ثلاثة لنشات، وفى المعارك البرية أتمت قواتنا الاستيلاء على الشاطئ الشرقى لقناة السويس، وأخذت تشكيلاتنا فى التقدم على طول المواجهة حتى وصلت إلى مسافة 15 كيلومترا داخل سيناء، بعد أن كبدت العدو خسائر فادحة فى الأفراد والمعدات، كما فرت مجموعات من أفراد العدو تاركين مواقعهم وأسلحتهم وذخيرتهم، ووقع الكثيرون منهم فى الأسر.
تذكر «الأهرام» فى عددها، 10 أكتوبر 1973، أن العدو فشل فى محاولة قصف بعض مطاراتنا الأمامية، حيث تصدت له وسائل الدفاع الجوى لتسقط له 16 طائرة من طراز فانتوم وسكاى هوك، وتم أسر أربعة من الطيارين الإسرائيليين، كما نقلت الأهرام مقتطفا من حديث العقيد عساف ياجورى قائد اللواء المدرع 190 للتليفزيون المصرى بعد أن وقع أسيرا فى أيدى القوات المدرعة المصرية يوم 8 أكتوبر، قال «ياجورى»، إن المعركة التى خاضها بقواته كانت صعبة ودقيقة، وأن الدبابات المصرية كانت تحارب بكفاءة عالية، وكان قتالها متفوقا وباسلا، وأن مهمته كانت صد هجوم الدبابات المصرية على طريق الفردان، ولكنه لم يستطع أن ينجز هذه المهمة، وأنه فقد الاتصال ببقية وحداته المدرعة، ولكنه شاهد بعض دباباته وقد دمرت تماما بينما أصيب عدد كبير آخر.
فى صباح 9 أكتوبر، ووفقا للجمسى، تبلغ الدكتور هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية، أن إسرائيل تطلب وبصفة عاجلة وملحة إمدادها بالأسلحة والمعدات، نتيجة للخسائر الجسيمة التى لحقت بقواتها وخاصة فى الدبابات والطائرات، وفى الساعة الثامنة والثلث صباحا، اجتمع بالسفير الإسرائيلى «دينتز» فى «غرفة الخرائط» بالطابق الأرضى من البيت الأبيض، وصحب السفير معه «الجنرال مردخاى جور» الملحق العسكرى بسفارته.
ينقل الجمسى ما قاله كيسنجر عن هذا الاجتماع: «أخذ دينتز وجور بالحديث، وأخبرانى أن الخسائر التى تكبدتها إسرائيل حتى هذه اللحظة مرعبة وغير منتظرة، فقد فقدت 49 طائرة منها 14 طائرة دمرت، وكانت صدمتى كبيرة عندما علمت أن إسرائيل خسرت 500 دبابة من بينها 400 دبابة على الجبهة المصرية وحدها، وطلب دينتز الاحتفاظ بسرية هذه الأرقام، وعدم إطلاع أحد عليها سوى الرئيس نيكسون، لأن الدول العربية التى ما زالت تختار لنفسها موقف التحفظ حتى الآن، قد تنضم إلى المعركة لو عرفت بحجم الخسائر الإسرائيلية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة