كان الدكتور محمد حسين هيكل باشا، فى القطار عائدا إلى القاهرة من بلدته «كفر غنام» بمحافظة الدقهلية فالتقى أحمد لطفى السيد، الذى كان مشغولا وقتئذ بترجمته «فلسفة أرسطو»، حسبما يذكر «هيكل باشا» فى الجزء الأول من مذكراته «مذكرات فى السياسة المصرية».
كان الاثنان «هيكل، ولطفى» ضمن «لجنة الثلاثين» المكلفة من الملك فؤاد وثروت باشا رئيس الحكومة بإعداد الدستور، وكانت تعقد اجتماعاتها فى الإسكندرية، ومن الطبيعى أن يكون ذلك مجالا للكلام بينهما فى لقاء القطار، لكن هيكل باشا يركز على جانب آخر يذكره قائلا: «كان لطفى بك يترجم إذ ذاك فلسفة أرسطو، فلما حدثته عنها قال لى إن جزءا منها أوشك على التمام، وأضاف: سأطبعه عندك، ودهشت، فقلت: عندى أنا؟ قال: نعم، فستتولى رياسة التحرير لجريدة الحزب الجديد الذى يؤلفه عدلى باشا يكن وإخوانه، فلما ذكرت له ما أعرفه من أن عدلى باشا لا يريد أن يؤلف حزبا، قال: أقنعناه لمصلحة مصر، وانتقل الحديث بنا بعد ذلك إلى شؤون أخرى عكف لطفى بعدها على قراءة كتاب كان فى يده، وأخرجت أنا كذلك كتابا من حقيبتى أقرأه».
سافر هيكل باشا من القاهرة إلى الإسكندرية، ويكشف أنه وجد أن التفكير فى الحزب الجديد انتقل إلى حيز التنفيذ، وأن أعضاء لجنة الدستور جميعا سيكونون أعضاء فى هذا الحزب، وأن الدفاع عن الدستور والعمل لسرعة صدوره فى مقدمة أغراض الحزب ومبادئه، وأن خطاب الافتتاح الذى يعلن عنه عدلى باشا تأليف الحزب يعد».
يذكر هيكل باشا: «دعيت لحضور اجتماعات المؤسسين ومناقشاتهم وكانوا يجتمعون بمنزل عدلى باشا برمل الإسكندرية، واجتمعنا عدة مرات تحدثنا فيها عن اسم الحزب، وانتهينا إلى تسميته: حزب الأحرار الدستوريين، وعن اسم الجريدة التى تنطق بلسان الحزب، وانتهينا إلى أن يكون اسمها «السياسة»، وعن الأشخاص الذين ينضمون إلى لجنة الدستور أعضاء فى الحزب، واتفق على أن يكون من بينهم، مدحت باشا يكن، محمد باشا محمود، حسن عبدالرازق، وجماعة من الشبان أمثال الدكتور حافظ عفيفى رئيس جمعية مصر المستقلة، ودسوقى بك أباظة، وأحمد بك عبدالغفار، وأمثالهم من مديريات مختلفة عرفوا بنشاطهم فى مديرياتهم وتأييدهم عدلى باشا، وكان كثيرون منهم أعضاء فى الحزب الديمقراطى، أوفى جمعية مصر المستقلة التى أنشئت فى أثناء مفاوضات عدلى باشا مع لورد كرزون، وكانت تؤيده فى موقفه من هذه المفاوضات».
يكشف هيكل باشا، أن هناك أمرا توقف عنده، وهو أن لطفى بك السيد، مع أنه لم يكن من أعضاء الحزب لأنه عاد إلى وظيفته مديرا لدار الكتب، كان وثيق الصلة بعدلى باشا وبمن يؤلفون الحزب، وكان هو الذى يحرر خطاب الافتتاح الذى يلقيه عدلى باشا، وكان من رأيه أن ينضم إلى عضوية الحزب كل من عبدالخالق ثروت باشا رئيس الوزراء وإسماعيل صدقى وزير المالية، وكانت نظرية لطفى بك السيد فى ذلك أن تكون الوزارة القائمة حزبية يؤيدها الحزب، فإذا استقالت استفاد الحزب من كفاية هذين الرجلين بنوع خاص، لكن محمد محمود باشا عارض هذا الاقتراح بكل قوته.
يذكر هيكل باشا، أنه توجه باهتمامه وعنايته إلى خطاب الافتتاح فهو الخطاب الذى تبنى عليه سياسة الحزب، ويكشف أنه بعد أن أتم لطفى السيد كتابته، أعطاه عدلى باشا له وطلب منه بعد تلاوته أن يتحدث إليه فيما يعن له من ملاحظات عليه، يضيف هيكل: «تحدثنا بعد أيام واتفقنا على بعض نقاط حررتها ودفعت بها إلى لطفى بك، فأعاد تحريرها»، ويرى: «الواقع أن الخطاب كان قطعة بارعة من الأدب السياسى فى اعتداله، وتصويره المبادئ التى يزمع الحزب تحقيقها، وفى مقدمتها استكمال استقلال مصر بعد الخطوة التى خطوناها بتصريح 28 فبراير 1922، وصدور الدستور الذى وضعت اللجنة مشروعه».
يذكر عبدالرحمن فهمى فى الجزء الخامس من مذكراته «يوميات مصر السياسية»، أنه منذ الساعة الثامنة والنصف من صباح 30 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1922، توافد المدعوون إلى فندق شبرد لسماع خطاب عدلى باشا الذى سيعلن فيه الحزب الجديد، وبلغ عدد الحضور نحو ثلاثمائة فى طليعتهم فضيلة الشيخ بخيت مفتى مصر السابق، ومدحت يكن باشا، وحشمت باشا، محب باشا، حسن عبدالرازق باشا، يوسف أصلان قطاوى باشا، عباس باشا الدرمللي، الشريعى باشا، قلينى فهمى باشا، محمد نافع باشا، السيد أبوعلي، الهلباوى بك، السيد أحمد محسن، وفى منتصف الساعة العاشرة ارتقى منصة الخطابة عدلى باشا، وألقى خطابه معلنا فيه تأليف حزب «الأحرار الدستوريين»، وفى ختام خطابه، قال: «سيتلو على حضراتكم صديقى محمود باشا محمود مبادئ الحزب».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة