في ظل الأزمات التي يمر بها العالم جراء ما يحدث الآن من موجة تضخم عالمية تسببت في زيادة الأسعار وارتفاع تكاليف الحياة اليومية، فإذا كان يجب على كل الحكومات أن تتخذ من التدابير اللازمة لمواجهة الأزمات باتخاذ قرارات للسيطرة على التضخم، وبذل جهود مضنية لتأمين السلع الاستراتيجية والتحرك الفعّال لزيادة الرقابة لضبط الأسواق، والسعى الجاد نحو إيجاد بدائل لأى نقص يعرض البلاد للخطر، فهناك دور مهم لا يقل أهمية عن دور الحكومة ألا وهو دور الأسرة في مثل هذه الظروف القاسية، خاصة أنه لا شك أن كثيرا من الأسر تعانى من ضغوط مالية تؤثر على استقرارها وسعادتها ومستوى معيشتها اليومية بسبب هذه التداعيات.
بداية.. القاعدة الأولى فى علم وفن إدارة الأزمات، تؤكد على ضرورة الاعتراف بوجود أزمة، لأن الاعتراف بوجود أزمة هو أول خطوة نحو طريق النجاة، وفي اعتقادى أن أغلب الضغوط المالية هي من صنع أيدينا، فنحن من نجلبها لأنفسنا سواء بسوء التدبير، أو بعدم التقدير والتخطيط بشكل جيد مما يزيد من الضغوط، أو بقلة الوعى نحو ما يجب فعله، وهنا تأتى أهمية التخطيط بعد الاعتراف بوجود أزمة، خاصة أننا وفى زمن الرفاهية وفى عصر الحداثة التي سيطرت عليه الحياة المادية وأصبحنا نهتم بالرفاهيات أكثر من الضروريات حتى على مستوى المعيشة من مأكل وملبس ومشرب وحياة.
لذا، أعتقد أن التفرقة بين القيمة والثمن في حياتنا اليومية سيقودنا قطعا نحو الأفضل، فزجاجة المياه تساوى جنيهات قليلة، وعُقد الذهب يُساوى مئات الآلاف من الجنيهات، لكن زجاجة المياه تساوى حياة، وبالتالي فهى ضرورة لا يستغنى عنها الإنسان، أم عُقد الذهب رغم أن سعره مئات الآلاف من الجنيهات إلا أنه يُمكن الاستغناء عنه، وبالتالي لا يمثل ضرورة، لذا على كل أسرة وقت الأزمة أن تفرق بين ما هو قيمة وضرورة وما هو له سعر وثمن فقط وليست بضرورة، وبالتالى فإن ضبط ميزانية الأسرة يبدأ أولا بإرساء مبدأ الضرويات لا الرفاهيات ثم تعزيز فقه الأولويات في حياة الأسرة واتخاذ ترشيد الإنفاق أسلوب حياة، فليس من المعقول أن يكون هناك اضطرابات اقتصادية سببها أزمة عالمية تؤثر على حياة الناس، وما زالت الأسرة الواحدة بها 4 و5 تليفونات محمول أو الاعتماد على الوجبات "الدليفرى" أو ما زالت الأسر تقوم باتباع مبدأ الرفاهية في التعامل كأن لم يكن هناك شيء حدث أو يحدث، وليس من المعقول أيضا أن نقوم بالتنظير والنقد لسياسات الحكومة في مواجهة الأزمة ونحن ما زلنا على مستوى الأسرة نعيش كأن لم يكن هناك أزمة فى الأساس!!
فدعوتنا اليوم هي ضرورة الإبداع في التوفير من خلال قيام كل أسرة بابتكار أسلوبا للتوفير، فإن لم تستطع الأسرة فعلى الأقل يكون الحرص على التقليل من المصاريف قدر الإمكان، والأهم أن يكون هناك مصارحة ومكاشفة بين أعضاء الأسرة، فلابد من أن يتم مصارحة الأبناء بالتداعيات السلبية التي تنتجها الأزمات على موارد الأسرة وميزانية الإنفاق الأسرى، فليس من المعقول أن يكافح الوالدان من أجل الحفاظ على متطلبات الأسرة والأبناء في وادٍ آخر لا يعلمون شيئا عن ما يحدث من ضغوط يومية، فالمسئولية التشاركية بين أعضاء الأسرة والتخطيط الحسن ومعرفة الواقع من علامات النجاح في أى أزمة تمر بها الأسرة.
وأخيرا.. علينا أن نستلهم قصة "سيدنا يوسف عليه السلام"، بعدما علم أن الدولة ستمر بأزمة اقتصادية بعد 7 سنوات، بدأ بالتخطيط الجيد لهذه الأعوام العجاف، وذلك بالرصد والحساب والمتابعة والتدقيق والمراقبة وإصدار القرارات التي ظاهرها في غاية القسوة لكن باطنها فيه الرحمة، فنجح وأنقذ الناس من الهلاك، هكذا ينبغي للأسرة أن تتعلم من هذا الدرس الدينى المهم الذى يعلمنا كيف نتعامل مع الأزمات؟.. حفظ الله مصر وحفظ شعبها
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة