أحمد حسن عوض يكتب: الشعر الآن

الخميس، 27 أكتوبر 2022 02:30 م
أحمد حسن عوض يكتب: الشعر الآن أحمد حسن عوض

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يحتاج المشهد الشعري المصري الراهن إلى إعادة  تأمل فاحص وغربلة نقدية دقيقة للوقوف على قيمة المنجز الحقيقي للشعراء الموهوبين الذين مازالوا يكتبون ويسعون إلى ضخ الدماء الجديدة في شرايين القصيدة الحديثة.
 
ويكاد هؤلاء الموهوبون  يشعرون بالغربة الإبداعية لأن حركة النقد الأدبي الحديثة لا تلتفت إلى منجزهم الشعري بالمتابعة النقدية الجادة إلا فيما ندر وفي شكل احتفاءات سريعة تفتقد إلى القراءة  النقدية العميقة.   
 
وتكمن الأزمة أيضا في وهم الكثرة وازدياد عدد الشعراء ؛ إذ إن المطابع ودور النشر العامة والخاصة  لا تكف عن الدفع بالدواوين والمجموعات الشعرية الجديدة؛ مما يشي للوهلة الأولى بحراك شعري متدفق، ونهضة إبداعية متصورة، لكن تلك الكثرة الظاهرة على مستوى "الكم" لا تحيل إلى تنوع لافت أو خصوصيات إبداعية على مستوى "الكيف" إلا بالطبع في استثناءات قليلة-كما أشرت- تسعى لاجتلاء أصواتها الخاصة والتخلص من هيمنة أسلافهم من الشعراء الكبار على المشهد الشعري المعاصر في تجلياته المتنوعة حتى الآن.
 
ويتوزع المشهد الشعري المصري - بشكل عام- في ثلاثة مسارات كما يعلم المهتمون بالشعر والمتابعون لأهم اتجاهاته،
المسار الأول: مسار قصيدة النثر بهيمنتها الكمية الكمية على مستوى الكتابة والنشر  العام والخاص وعلى مستوى النشر في المجلات الأدبية المتخصصة والمواقع الإلكترونية المهتمة بالشأن الثقافي والأدبي، وتكاد أصوات قصيدة النثر الآن تتشابه على مستوى رؤية العالم وأنماط الصياغة، وطبيعة المعجم الشعري، وطرائق السرد، وتوظيف المجاز أوحتى التقشف في التعامل معه لحساب اليومي والمعيش دون أن يشي ذلك الصنيع بجوهر إنساني أو فلسفة إبداعية أو رؤية ما تكمن خلفه.
 
والمسار الثاني: مسار شعر التفعيلة المبشر بمجموعة من الشعراء الواعدين، لكن أغلبهم مازال واقعا تحت تأثير محمود درويش وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور  والفيتوري وبدر شاكر السياب ومحمد عفيفي مطر وغيرهم من رواد شعر التفعيلة وأجياله المتقدمة،
 
ويستطيع من يقرأ كثيرا من شباب شعراء التفعيلة أن يميز دون عناء تلك التأثرات  علي مستوى بناء القصائد وطريقة التعامل مع اللغة وأنماط التخييل المجازي وطبيعة الأوزان المختارة ووقفات القوافي في نهايات المقاطع، وتكاد رؤى الكثير من هؤلاء الشعراء تكون امتدادا لرؤى بعض شعراء التفعيلة الكبار لاسيما محمود درويش وأمل دنقل.
 
والمسار الثالث: مسار القصيدة العمودية الجديدة التي تلتزم القالب الخليلي الموزون المقفى، ويحاول شعراؤها أن يصبوا تجليات الصياغة الجديدة من صور مجازية مغايرة ومفردات للحياة اليومية ممتزجة بمفردات تراثية ونفس سردي ممتد في القالب الموزون المقفى، لكن عددا من هؤلاء الشعراء مازال واقعا تحت تأثير أحمد بخيت في أنماط تشكيله للصور الشعرية المعتمدة على البساطة في بناء المفارقات القريبة التي تخاطب نمط التلقي الشفاهي، وفي انحيازهم لأوزانه المفضلة مثل بحر الوافر، وفي بناء القصائد على نهج المقطوعات، وفي اختيارهم رمزه الأثير ليلى للتعبير عن مشاعر الحب وفي تصورهم لدور الشاعر في الحياة ووضعيته المفارقة لطبيعة اللحظة العصرية الراهنة.
 
وأكاد أنتهى -بشكل إجمالي يحتاج إلى تفصيلات وتحليلات وأمثلة لا يتسع سياق المقال إلى ذكرها- إلى أن أزمة  الشعر الآن هي أزمة رؤية ما زالت تبحث عم صياغة كما نرى لدى أغلب شباب  شعراء  قصيدة النثر، وأزمة صياغة تبحث عن رؤية كما نري لدى كثير من شعراء التفعيلة وشعراء القصيدة العمودية الجديدة، وإن كانت تلك الملاحظة لا تنفي مطلقا وجود شعراء أصلاء موهوبين في الاتجاهات الثلاث، يحتاجون بكل تأكيد إلى أن تمتد إليهم يد النقد الأدبي بالدراسة والفحص والكتابة الواعية المنضبطة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة