المصريون منذ فجر التاريخ، استطاعوا أن يبنوا حضارة، عظيمة وصنعوا أمجاد عظيمة، تفردوا بها على الكثير من شعوب العالم، فأصبحوا ملوكا وسلاطين، والكثير من المصريين ربما لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هذه الدرجات لكنهم بقيوا في عيون ذويهم من يعرف أبطالا، وهؤلاء هو من حاول الدكتور صلاح هاشم تسليط الضوء عليهم في كتابه «سلاطين الغلابة» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وسلط هاشم، الضوء على بعض من النماذج الإنسانية الرائعة، التي تحدت بعزيمتها القوية والانتماء كل أشكال الفقر والجهل والمرض. كما تخطت بسيرتها الإنسانية العاطرة أسوار الموت العالية، ونماذج إنسانية فريدة لم تأتِ صُدفة، أشار إلى أن تلك النماذج جاءت من نتاجات تلك الأرض الطيبة التي تنبت ويثمر نبتها حتى في أحلك الظروف.
هذا الكتاب أن يناقش كثيرًا من القضايا المصرية المعاصرة بعقولِ وحكمةِ شخوصٍ عاشوا فى مرحلةٍ تاريخيةٍ استثنائيةٍ فى تاريخ هذا الوطن العزيز، لتأكيد أن مشاكلنا قديمة وتقليدية، ولا تحتاج إلى حلول لوغاريتمية لحلها.. بقدر حاجتها إلى بعضٍ من الحكمةٍ وقدرٍ من الوعى والانتماء.
وتأتي موضوعات كتاب سلاطين الغلابة، عبارة عن صورٍ من حياةِ بعض الأشخاص، أو لوحات حكمية مترابطة.. تناقش كل لوحة إحدى القضايا المصرية المعاصرة، بعقلية شخص بسيط، لا شيء يميزه عن عالمنا سوى حكمته البالغة.. التي استقاها من تجربته الإنسانية الأليمة وعشقه الدفين للنيل والوطن.
ويأتي نهر النيل كرابط وعنصر أساسي متواجد في جميع النماذج، مثل حكاية عم محمد السقا، الذي كان يذهب إلى النهر بقربته مرتين واحدة مع طلوع الشمس والأخرى قرب الغروب، ليملأ قريته بالماء، والتي نسجت عنه الأساطير والأماني عن تحول ماء النيل إلى ذهب، كذلك أحد أبناء النهر الذى عاش في واديه الخصيب حينما كان النيل يتدفق من الجنوب سد، وكان رغم فقره يندونه بالباشا، هذا الرجل الذى شارك في بناء السد العالي، ورأى الكهرباء تتولد منه وتغير حياة الناس، قبل أن يكرهه حياة الترف التي عاش فيها الناس من بعده.
ومن القصص التي سردها أيضا قصة "خنورة" الفقير الذي لقبوه بسلطان الغلابة، هذا الرجل الذي تمنى يصبح سلطان، فلم يجد إلا سلطنة الصمت وعرشا أنسب من ظهير البعير كى يمارس من عليه سلطنته.
ووصفت قراءة تحليلة نشرتها جامعة ديوك الأمريكية، كتاب "سلاطين الغلابة" بأنه "بيان للمستضعفين..المعذبون فى الأرض والمقهورون.. الذين هم ملح الأرض، وأولئك الذين احترقوا بملوحتهم ليعطوا الحياة تطهرا من العفن، ويعلمونا بما استقر لديهم من حكمة اصطنعتها قساوة التجربة ومرارة مكابدتها، خلاصات الوجود الاجتماعي والوجود الحضاري لمجتمعات القاع وحكامهم".
وسلطت القراءة التحليلية الضوء على حكاية "السقا" وهو واحد من أبناء النهر الذى بدأت رحلته منه وانتهت إليه، وذكرت "إن مادية النيل ورمزيته محليا ووطنيا وإقليميا هي ما سمح لنا بهذا الاستنطاق"، مضيفة : "كيف أقام صلاح هاشم هذا التناظر الوجهي بين البساطة والسيادة، محليا ووطنيا وإقليميا، بين الغلابة وهم الأغلبية وبين غير الغلابة الماسكين بقرار توزيع الثروة محليا ووطنيا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة