شخصيات ورموز مصرية كانت وما زالت مؤثرة، ولها صيت كبير، سواء على المستوى المحلى أو العربى والعالمى، أثرت وتؤثر فينا، فى مجالات كثيرة ومتنوعة سواء فنية أو علمية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها الكثير والكثير.
تحرص «اليوم السابع» على إعادة حكايات تلك الرموز وتاريخها المُضىء، وفى إطار حرص الدولة وتوجُهها بإحياء الهوية المصرية ورموزها، حفاظا على تاريخنا العريق وللاستفادة من تلك القصص المُلهمة، وتقديم القدوة الحسنة للشباب والأجيال القادمة، وذلك من خلال تناول بروفايل لأبرز الشخصيات المُتميزة فى مصر، أسبوعيا على صفحات «اليوم السابع».
إذا راجعت فى ذهنك أهم الأغانى التى تبعث فى نفسك الإحساس بالبهجة والسعادة والفرح والحركة ستجد اسمه قاسما مشتركا فى كل هذا المخزون المبهج الذى تركه ليسعد الملايين جيلا بعد جيل، تقفز أمامك صورته وتستدعى ابتسامته وخفة ظله فتشعر كأنه ولد لينشر السعادة ويكون رسولا للفرح والبهجة، تمكن من تطويع الكلمات والجمل ونفخ فيها من روحه ألحانا ونغمات فأصبحت أعماله ضحكة الطرب وبهجة الفن ومبعث السعادة، ترى وجهه الضاحك ورشاقة حركته وخفة ظله مع كل نغمة وأغنية لحنها من بين حوالى 3 آلاف أغنية واستعراض وضعها لكبار وعمالقة الفن والطرب.
منير مراد هذا العفريت الذى استطاع أن يصنع خلطة سحرية مزج فيها إكسير الفرح والسعادة مع النغمات والألحان التى صنعها فنشر بها الفرح والسعادة وصنع من خلالها نجومية عدد من عمالقة الطرب أو على الأقل مهد لهم طرقا جديدة للإبداع والبقاء، ولكن هذا الفنان والموسيقار المبهج عانى من الظلم حيا وميتا رغم عبقريته الفنية المتفردة، ورغم أنه من أهم مجددى الموسيقى، ومبدعى الاستعراض فضلا عن مشاركته بالتمثيل والغناء والتقليد فى بعض الأعمال السينمائية.
فبالرغم من هذه العبقرية لم ينل منير مراد ما يستحقه من نجومية وشهرة رغم مواهبه المتعددة، وربما لا يعرفه أبناء الجيل الحالى رغم أنهم يرددون ألحانه وأغانيه الخفيفة التى مزجت بين الموسيقى العربية والغربية، والتى غناها أكبر نجوم الغناء.
عائلة فنية وتأجيل المئوية
ينتمى منير مراد لعائلة فنية وموسيقية عريقة فهو ابن الموسيقار زكى مراد وشقيقته القيثارة ليلى مراد وشقيقته الأخرى سميحة مراد التى عملت بالفن لفترة قصيرة، وعلى الرغم من أن العديد من المصادر تشير إلى أن تاريخ ميلاد منير مراد المولود باسم «موريس زكى موردخاى» هو 13 يناير عام 1922 ، إلا أن إدارة مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط قررت منذ أيام إرجاء الاحتفال بمئوية منير مراد فى الدورة القادمة، بعد أن تبين عدم وجود تاريخ ميلاد محدد متفق عليه وأكدت إدارة المهرجان إختلاف المصادر حول سنة ميلاده، وأشار الناقد السينمائى أشرف غريب أن سنة ميلاد منير مراد تتأرجح بين أعوام 1920 و 1922 و1924 و 1928، ومع عدم وجود بيانات خاصة به فى نقابة المهن الموسيقية ولا فى جمعية المؤلفين والملحنين، إضافة إلى أن أسرته فى مصر والولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع حسم هذا الأمر، لذلك تقرر إرجاء تكريم منير مراد حتى يكون هناك متسع من الوقت للاطمئنان إلى تاريخ محدد لميلاده، ليلازم سوء الحظ منير مراد حتى عند الاحتفال بمئويته وبعبقريته الفنية.
نشأ منير مراد فى بيت يتردد عليه كبار الموسيقيين الذين تتلمذوا على يد والده الموسيقار والمطرب الكبير زكى مراد أحد نجوم الطرب من رواد الفن، ودرس منير منذ الصغر فى مدارس فرنسية، ثم التحق بالكلية الفرنسية، لكنه لم يكمل دراسته.
العفريت يلازم عبدالوهاب
وفى سن السادسة عشرة من عمره ظهرت الموهبة المتفردة للصبى منير مراد حيث بدأت محاولاته لتلحين الأغانى المشهورة ولكن بموسيقى الجاز، وبدأت موهبته فى تقليد المطربين والمطربات بشكل كاريكاتيرى فى جلساته مع أصدقائه.
وبدأ منير مراد حياته عاملا فى متجر لبيع الأدوات الكهربائية وبذل معه صاحب المحل مجهودا لتعليمه أصول المهنة والعمل بالمتجر ولكن الفتى الذى حمل الكثير من العبقرية الفنية كان عاملا فاشلا، فطرده صاحب المحل ، ليتجه منير مراد إلى العمل بالمجال الفنى، حيث بدأ كعامل «كلاكيت» فى الاستديوهات، يقف أمام الكاميرا قبل كل لقطة ويحمل لوحة الكلاكيت منتظرا أوامر المخرج توجو مزراحى لبدء التصوير، وفى هذا الجو نمت مواهب الفتى ولكنها لم تخرج للنور وكانت تتحين الفرصة لتعلن عن نفسها، وبعد ذلك عمل منير مراد مساعدا للمخرج كمال سليم فى 24 فيلما فترة الأربعينيات.
تعرف منير مراد فى مرحلة مبكرة من حياته على محمد عبدالوهاب منذ أن ظهرت شقيقته ليلى مراد فى فيلم يحيا الحب، وكان عبدالوهاب يصحبه فى رحلاته إلى أوروبا ليكون مترجما له عند الفرنسيين والانجليز ، فضلا عن سرعة منير مراد فى حفظ النغمات فكان عبدالوهاب يلحن أحيانا جملة أو جملتين ثم ينساهما فيجد منير مراد يتذكرها وكانت هذه الرحلات مفتاح التحول فى الحياة الفنية لمنير مراد وقرر أن يترك الإخراج ويجرب التلحين، ولكنه كان ينتظر فرصة كى تتفجر مواهبه.
أول هدف للبهلوان
وعندما تزوج أنور وجدى من ليلى مراد استعان بشقيقها منير مراد كمساعد مخرج ولكنه لم يكن يؤمن بمواهبه فى الموسيقى والتلحين والغناء والتمثيل، وكان منير يحاول أن يلفت انتباه وجدى حتى يستغل هذه المواهب بلا جدوى، و كان يلحن ويغنى أمام أنور وجدى كل ما يقع تحت يديه حتى أخبار الحوادث والوفيات والأرقام الحسابية.
وكان أنور وجدى لا يثق فى موهبة منير مراد ولكنه تحت ضغط إلحاحه قال له: سأعطيك لحنا لشادية من فيلم «ليلة الحنة» ونشوف هتعمل ايه،» وفى الوقت نفسه أعطى أنور وجدى الأغنية لملحن آخر مشهور كى يلحنها لأنه لم يكن ينوى أن يأخذ اللحن الذى سيضعه منير مراد حيث كان يتوقع فشله، أما منير فكان مثل اللاعب الذى ينتظر أن تأتيه الكرة حتى يسجل هدفا انتظره طوال حياته.
وبالفعل وضع منير مراد لحن أغنية «واحد اتنين»، وأعجب به أنور وجدى وكل من سمعه فأخذه وترك اللحن الذى وضعه الملحن الآخر، وحققت الأغنية نجاحا كبيرا، وبعدها لم يخل فيلم من أفلام شادية من لحن أو أكثر وضعه منير مراد، وتسابق كبار المطربين ومنتجو الأفلام ليسندوا تلحين العديد من الأغانى لهذا الشاب العبقرى الذى أطلقوا عليه لقب العفريت والبهلوان حتى وصل عدد الألحان التى وضعها إلى أكثر من 3 آلاف لحن، فضلا عن تقديمه عددا من الأفلام التى قام فيها بالتمثيل وقدم فيها العديد من الاستعراضات، فلحن العديد من المونولوجات، وقدم دويتوهات مع أكثر من فنان شهير، ولحن لكبار المطربين، بداية من محمد عبدالمطلب وعبدالحليم حافظ، وصولا إلى صباح وشقيقته ليلى مراد ووردة وشريفة فاضل ومحمد رشدى ومحرم فؤاد وهانى شاكر وعفاف راضى، وكان مميزا فى فن التقليد، كما كان رائدا من رواد الموسيقى الراقصة والاستعراضية فى مصر حيث وضع أشهر موسيقى الرقصات والاستعراضات التى كانت تؤديها تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف.
خفيف الظل ينشر البهجة بين العمالقة
لحن منير مراد لشادية عشرات الأغانى التى تميزت بها دلوعة الشاشة وحفظها الملايين ومنها: إن راح منك يا عين، ألو ألو، اوعى تسيبنى، اسم الله عليك، الدنيا مالها، تعالى اقولك، حاجة غريبة، دور عليه، سوق على مهلك، شبك حبيبى، ما اقدرش احب اتنين، يا سارق من عينى النوم، يا دبلة الخطوبة، لسانك حصانك، يا دنيا زوقوكى، وعد ومكتوب، منايا اغنى.. ياحبيبى عد لى تانى، مش قلت لك يا قلبى».
ولحن للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ العديد من الأغانى المميزة ومنها : «أول مرة تحب يا قلبى، استعراض الطلبة، وبكرة وبعده، بحلم بيك، حاجة غريبة، دقوا الشماسى، ضحك ولعب، مشغول وحياتك مشغول، وحياة قلبى وأفراحه»، وقدم لوردة الجزائرية أغنية «من يوميها»، ولفايزة أحمد «شغلونى عيونك، وبغير عليه، ولشريفة فاضل، فلاح كان فايت بيغنى، والشيخ مسعود، أنا قلبى بابه حنين، حارة السقايين، الليل، وقدم لمحمد قنديل «زعلوا الأحباب»، ولمحرم فؤاد«شفت الحب»، ومحمد رشدى «كعب الغزال، وقدم لأخته ليلى مراد طبيب القلب، وراح الهوى، ياما وياما، وأنا زى ما أنا وأنت بتتغير.. وفى الديالوج قدم «الدنيا حلوة، وسوق على مهلك سوق، لشادية وكمال الشناوى، و«أنا وحبيبى، لشادية وبمشاركته وألو ألو لشادية وفاتن حمامة، «وتعالى أقول لك» لشادية وعبدالحليم حافظ، وقلبى ياغاوى، لفؤاد المهندس وشويكار، وغيرها من دويتوهات واستعراضات كانت علامات فى تاريخ الاستعراض».
مزج منير مراد فى ألحانه بين الموسيقى العربية والغربية، وكان من المجددين، نظرًا لاعتماد موسيقاه على التنويعات الغربية، إذ نهل من موسيقى الجاز ومن السلّم الخماسى وموسيقى البلوز.
قام منير مراد بالتمثيل فى عدد من الأفلام ومثل دور البطولة فى فيلمين هما «أنا وحبيبى» 1953 أمام شادية، و«نهارك سعيد» 1955 وفى العام نفسه قام بدور صغير فى فيلم «موعد مع إبليس» أمام زكى رستم، وبعد تسع سنوات عاد للتمثيل بعد طلب صديقه «حسن الصيفى» أن يقدم استعراضا فى فيلمه الذى أخرجه عام 1964 وكان بعنوان بنت الحتة.
حب وزواج وإسلام
وتزوج منير مراد ثلاث مرات الأولى من فتاة يهودية إيطالية ، ثم تزوج الفنانة سهير البابلى عقب إشهار إسلامه واستمرت الزيجة 9 سنوات كاملة من عام 1958 وحتى 1967، وتعتبر «سهير» الحب الحقيقى فى حياته، حيث كانت سهير البابلى من عشاق شقيقته القيثارة ليلى مراد والتقته فى إحدى الحفلات التى كانت تحرص على حضورها، وتعلق بها منير مراد بشدة وتزوجها.
وحكت الفنانة سهير البابلى فى أحد حواراتها التليفزيونية قصة زواجها من الفنان الراحل منير مراد بعد قصة حب، مؤكدة أنه أسلم عن اقتناع قبل زواجهما، وكانت شقيقته ليلى مراد قد أشهرت إسلامها.
وأكدت الفنانة الكبيرة سهير البابلى فى أحد حواراتها أنها أحبت منير مراد وأنه كان صادقًا فى إسلامه، ولم يكن تغيير ديانته بغرض الزواج منها فقط مشيرة الى أن الغيرة كانت السبب وراء قرار الانفصال.
وكانت البابلى دائماً تتحدث عن دور منير مراد فى حياتها الفنية وتؤكد أنها استفادت منه على المستوى الفنى والشخصى، حيث علمها كيفية التعامل مع الناس خاصة الفنانين، فكانت تقابل عمالقة الفن، وكان يوجهها كيف تتعامل، قائلة: «كنت صغيرة وكنت لسه بتعلم إزاى أتكلم فى الحفلات والمجتمعات الراقية»، كما كشفت أن منير مراد هو الذى علمها الغناء، حيث كان يجعلها تدندن الألحان التى يؤلفها لكى يسمعها منها، كما جعلها تشارك مع الفنان عبدالسلام النابلسى والفنانة زبيدة ثروت فى أغنية العندليب الأسمر ضحك ولعب وجد وحب، من فيلم يوم من عمرى.
ولكن نتيجة غيرة «منير» الشديدة، انتهت الزيجة بالطلاق، ليظل عدة سنوات بلا زواج، حتى تزوج للمرة الثالثة، واستمرت تلك الزيجة حتى وفاته .
كان منير مراد ذكيا ساحرا سابقا لعصره لذلك استطاع أن يطوع الموسيقى لتتجاوز زمنه وتصل إلى قلوب ووجدان الملايين من الأجيال التى لم تعاصره ، وبقلق العباقرة الدائم قال فى حوار نادر إنه رغم نجاح ألحانه وأعماله الاستعراضية فإنه لم يصل بعد إلى ما يرضيه فى الموسيقى كل الرضا، وعندما سألوه عن طابع الخفة والبهجة والحركة التى تتسم بها ألحانه قال: «إنى أضع ألحانى للعصر الذى أعيش فيه، عصر الذرة ، والبامبو، عصر العقل الذى يمنطق العواطف ولا يستعبدها».
وبعد حياة حافلة بالفن والإبداع وبعد آلاف الأعمال والإبداعات التى نشر فيها منير مراد بهجته وفنه توفى عفريت الموسقى خفيف الظل فى 17 أكتوبر 1981 قبل أن يكمل عامه الستين، بأزمة قلبية ولم يحضر جنازته سوى عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد ومنهم أبناء شقيقته ليلى مراد ، وأرجع عدد من التقارير وقتها سبب ذلك بتزامن وفاته مع وفاة الرئيس أنور السادات، حتى إن جريدة «الأهرام» نشرت خبر رحيله بعد دفنه بيومين فى إحدى الصفحات الداخلية، لكن تبقى روحه وأعماله المرحة المبهجة تنشر السعادة والفرح والبهجة بين الملايين من كل الأجيال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة