طبيعة الشخصية المصرية دائمًا تتسم بالبعد الأسطوري عند المواقف الصعبة والمحن، فالجميع وقتها يتكاتف ويبذل قصارى جهده من أجل العبور إلى بر النجاح ورفع اسم البلد عاليًا، وما يفعله منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم في بطولة كأس الأمم الإفريقية المقامة حاليًا في الكاميرون خير دليل على ذلك.
التحدي الذي وجدناه من أبناء بلدنا في المنتخب بعد موجة غضب ضد أداء الفريق في مباريات الدور الأول من البطولة الإفريقية، بالإضافة إلى جو الانسجام البارز والمفعم الآن بين الشارع والجماهير التي تحرص على السفر لمؤازرة اللاعبين خلال إقامة "كان 2021"، يؤكد أننا قد نتوه في بعض الأحيان، لكن الأحلام تظل تنال من قلوبنا ونبحث معها عن الذات في حب الوطن، حتى تأتى النقطة الفارقة التي نستطيع خلالها إظهار المعدن الحقيقي لنا جميعًا.
لولا الحالة الحماسية التي تعتري الجميع في مصر لما تغيير أداء لاعبينا جذريا كما رأيناه في مباراتي كوت ديفوار والمغرب وعبور محطتي دور الـ16 والثمانية وضرب موعد مع الكاميرون البلد المستضيف في نصف نهائي البطولة، فلا شيء على الإطلاق أكثر تأثيراً وإغراء بالنسبة لي، من مشهد حمية الجماهير المتراصة في المدرجات أو أمام الشاشات لتشجيع منتخب بلدها في مشهد يغلف عليه الحب الصادق تجاه الوطن من أجل رؤيته دائماً في المقدمة.
كنت أتساءل دائما عندما أرى الجماهير بالملايين في المدرجات: كيف يقف هذا الكم من الجموع أمام أقدام لاعبين؟!
وقتها كنت أقف متأملا وجوه الجماهير حينما تراوغ أقدام لاعبين أكثر اندفاعا ومحاربة لتداولها، فكنت أحدق ملهوفا في الوجوه، لكن لم تدغدغ أحلامي، ولا حتى أضناني انتظار مبارياتها أو نتائجها، وأتظاهر حينها بقبولي فكرة الفرجة وطقسها الانفعالي، لكن مع مرور الوقت أصبحت أكثر شغفا لمتابعة المباريات وأصبحت متعصباً لفكرة تشجيع منتخبنا الوطني تحديدًا، فلا أقبل فكرة رؤيته مهزومًا يوما، ولا أقبل أن يقال علينا بأننا فشلنا في بطولة ما، وتدريجيًا وجدتني عاشق لسحر كرة القدم من رأسي حتى قدمي، مثلي مثل حال الكثير في ربوع المحروسة.
"كرة القدم هي أكسير الحياة"، صدق من قال هذه المقولة، حيث إنه مع كل فوز لمنتخبنا الوطني سواء في البطولة الحالية، بدأنا نستعيد الذكريات الجميلة في ظهور الفرحة بالشوارع مثلما كنا نشاهد مع الجيل الذهبي للفراعنة بقيادة المعلم حسن شحاتة في بطولات 2006 و2008 و2010، فكلنا رأينا كيف عادت الروح إلى الجسد؟
طبعًا الروح القتالية عادت إلى صفوف المنتخب الوطني بفضل تكاتف جميع اللاعبين وتركيز الجهاز الفني بقيادة البرتغالي كارلوس كيروش، بالإضافة إلى غياب فكرة التعصب الكروي الانتماء لأي نادي بين صفوف الجماهير على مدرجات السوشيال ميديا، كما لعب اللاعبين الكبار على رأسهم نجمنا العالمي محمد صلاح دورًا كبيرًا في لم شمل الجميع والتعاهد على استعادة الأمجاد الإفريقية، فكل ذلك كان سببًا في عودة "الروح الجماعية" التي تعد "سر الخلطة" في إنجازات منتخب الفراعنة تاريخيًا.
قبل بداية البطولة، تحدثت عن أهمية الوقوف خلف كيروش وجهاز المعاون واللاعبين وعدم سن ألسنة الانتقادات في الآلات الإعلامية، وذلك لمنحهم الفرصة الكاملة، على أن يكون الحساب بالجملة وليس القطعة، لأنني مقتنع جدًا بفكرة أن "كل شيخ وله طريقة"، وليس معنى أن الطريقة التي يلعب المدرب البرتغالي لا تتماشي مع أفكار البعض مننا أنه خطأ وهم الأصح، فالعبرة دائمًا بالخواتيم، كما يقال في قواميس التعليق على المباريات، وبكل تأكيد أن نجاح أو فشل أي طريقة يعود في المقام الأول إلى اللاعبين من خلال استيعابهم والتنفيذ والتكاتف بحثًا عن النجاح.
ختامًا.. المشهد الذي أتمنى رؤيته مع نهاية البطولة، هو خروج الجماهير حاملة أعلام مصر إلى كل شوارع المحروسة والفرحة والرقصات والزغاريد هي عنوانها بعد فوز منتخبنا الوطني بلقب أمم أفريقيا للمرة الثامنة في تاريخنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة