على مدار عقود عانى المجتمع المدنى المصرى والعاملين به من التهميش والتضييق عليه فى كثير من الأحيان، ما خلق حالة من عدم الثقة بين مؤسسات المجتمع المدنى – خاصة الحقوقية منها – ومؤسسات الدولة وأجهزتها، إلا أنه على ما يبدو أن "الجمهورية الجديدة" قررت فتح صفحة جديدة مع تلك المنظمات والمؤسسات.
وربما كان إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان خير دليل على ذلك، حيث تمت دعوة العديد من الخبراء الحقوقيين ورؤساء المنظمات والجمعيات الأهلية لحضور حفل إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسى للاستراتيجية، والذى أكد بنفسه على دور المجتمع المدنى فى تفعيل ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بل وأعلن عام 2022 عاما للمجتمع المدنى.
ولا يُعد إعلان الرئيس السيسى 2022 عاما للمجتمع المدنى انحيازا من الدولة واعترافا منها بالدور المهم الذى تلعبه منظمات المجتمع المدنى فى الدول الديمقراطية فحسب، بل هو أيضا مسئولية ضخمة وعبء ثقيل على تلك المنظمات والمؤسسات والجمعيات، تلك المؤسسات التى عانت طويلا من التهميش والملاحقات والمضايقات بعد أن أفسحت لها الدولة المجال بتوجيهات من رئيس الجمهورية على الهواء مباشرة.
أيمن عقيل
ومن ناحيته أشار أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، إلى أن الاستراتيجية اعتبرت المجتمع المدنى شريكا أساسيا، قائلا: "وعلى المجتمع المدنى أن يفخر بذلك، لأول مرة يكون شريكا وصوته مسموع"، وتابع: "لم يكن ذلك وقت الاستراتيجية فقط لكنه منذ قانون الجمعيات عندما اعترض المجتمع المدنى على قانون رقم 84 وصدر قانون رقم 70 واعترض المجتمع المدنى أيضا على القانون باعتباره غير ملبٍ لتطلعاته، وطالبنا الرئيس بالتدخل واستجاب لصوت المجتمع المدنى الداخلى وأوصى بإعادة النظر فى القانون"، مضيفا: "منذ هذه اللحظة حدث تقارب فى وجهات النظر بين الدولة والمجتمع المدنى والبرلمان، وأصبح الهدف واحد وهو الارتقاء بمصلحة المواطن وخرج قانون مرضى للجميع".
وأشار عقيل إلى أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان هى نفس الأمر، وكانت نتاج جلسات حوارية شارك فيها المجتمع المدنى، قائلا: "هى لا تعكس وجهة نظر الدولة لكنها تعكس وجهة نظر الوطن والمواطنين"، مضيفا: "على مدار التاريخ كان المجتمع المدنى والخبراء يتحدثون فى اتجاه والدولة فى اتجاه آخر، ولأول مرة رئيس الجمهورية يتحدث عن حقوق الإنسان ومشكلاتها كما لو كان خبيرا حقوقيا".
وعن إمكانية تنفيذ الاستراتيجية الوطنية من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان، قال أيمن عقيل، إن الرئيس عبد الفتاح السيسى أوصى بترجمة الاستراتيجية إلى إجراءات تنفيذية، وأوصى الحكومة بفتح المجال للمجتمع المدنى، وأعلن عام 2022 عاما للمجتمع المدنى، مشيرا إلى أن ذلك يؤكد انه لأول مرة أصبحت الدولة تعمل جنبا إلى جنب مع المجتمع المدنى بدلا من العمل منفردة.
وفيما يتعلق بدور المجتمع المدنى فى تفعيل تلك الاستراتيجية قال عقيل: "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان هى استراتيجية "أم" من الممكن أن يخرج منها استراتيجيات أخرى"، وتابع: "وعلى كل منظمة خلق الاستراتيجية الخاصة بها التى تناسب طبيعة عملها (المرأة الطفل – البيئة – حرية الرأي والتعبير – مكافحة الإرهاب)".
وأضاف أن ذلك كله يعكس حجم العبء الكبير على المجتمع المدنى، لافتا على أن دوره لم يعد يقتصر على رصد المشكلات فقط إنما أيضا المساعدة فى حل المشكلات، مشيرا فى هذا السياق إلى أهمية إصدار قانون المحليات ووجود مجلس شعبى محلى منتخب يساعد فى تحسين جودة الخدمات التى تقدم للمواطنين، وبالتالى يساعد فى تحسين أحوال حقوق الإنسان، موضحا أن المحور الرابع من محاور الاستراتيجية هو من أهم المحاور، ويحمل عنوان "التثقيف وبناء القدرات فى مجال حقوق الإنسان"، مؤكدا أن رفع الوعى يساعد فى محو "الأمية الحقوقية".
ولفت عقيل إلى أن مؤسسة ماعت لديها خطة عمل فى إطار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تعتمد بشكل أساسى على فكرة الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان، قائلا: "دورنا سيكون قائم على التدريب والتوعية والتثقيف وإعداد التقارير، وأتمنى أن يكون عام 2022 لتعزيز المواطنة وتعزيز السلام ومكافحة الإرهاب".
سعيد عبد الحافظ
ومن جانبه أكد سعيد عبد الحافظ، رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، أن الاستراتيجية فى حد ذاتها تمثل قيمة كبيرة، قائلا: "على الأقل للجيل الذى بدأ العمل فى بداية التسعينيات، منذ حوالى 30 عام لم يرد فى خاطرنا ولم نكن نحلم أن يأتى اليوم الذى تعترف فيه الدولة ومؤسساتها بأهمية وقيمة الدور الذى تلعبه المنظمات لتحسين حالة حقوق الإنسان".
وتابع عبد الحافظ: "معظم هذا الجيل عاصر فترة من التوتر والريبة وانعدام الثقة مع الدولة ومؤسساتها، ويأتى اليوم الذى تعلن فيه الدولة من جانبها وبإرادتها المنفردة التزامها بوثيقة مكتوبة تُعلن على الملأ وتصبح جزء من خطة الدولة لمدة 5 سنوات لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، ليس هذا فحسب بل تتضمن محورا خاصا بدور المجتمع المدنى في مشاركة الدولة فى تنفيذ هذه الاستراتيجية، ويُعلنها رأس الدولة بنفسه وتدعى في حفل إطلاقه مؤسسات وشخصيات حقوقية لتكون شاهدة على الحلم الذى أصبح حقيقة".
وعن دور منظمات المجتمع المدنى في تفعيل الاستراتيجية قال عبد الحافظ: "الآن نحن مدعوون لتحمل مسئولياتنا واستكمال دورنا واستثمار الفرصة فى أن نضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ وأن نبذل قصارى جهدنا لمساعدة الدولة ومؤسساتها على الوفاء بعهودها التى قطعتها، لا سيما أنها فى الأول والأخير فى مصلحة المواطن المصرى".
وأشار سعيد إلى أن أهم ما يمكن أن تفعله المنظمات هو القيام بدورها فى التوعية والتثقيف والتدريب للمواطنين المصريين والمؤسسات الحكومية لتغيير الصورة الذهنية السلبية عن مفهوم "حقوق الإنسان" ودعوة المواطن إلى المشاركة فى تنفيذ هذه الاستراتيجية.
كما أشار إلى أنه من الممكن أن يمتد دور المنظمات إلى المساهمة فى تقديم نصوص قانونية ومشروعات قوانين بديلة للنصوص القائمة والتى تصطدم مع ما جاء بالاستراتيجية، وأن يكون للمنظمات دورا فى تقييم أداء الحكومة فى تنفيذ الاستراتيجية.
وعن جاهزية منظمات المجتمع المدنى المصرية للقيام بدورها والاضطلاع بمسئوليتها تجاه الاستراتيجية أكد عبد الحافظ أن المجتمع المدنى المصرى يمتلك من الخبرات والكوادر وسنوات العمل الطويلة ما يؤهله لتحمل الثقة التى منحتها له الدولة.
محمود بسيونى
وبدوره قال محمود بسيونى، رئيس الشبكة العربية للإعلام الرقمى وحقوق الإنسان، إن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان طموحة ومتماسة مع الواقع المصرى، مشيرا إلى أن المنظمات المصرية عليها أن تعمل من أجل تحويل الاستراتيجية إلى خطط عمل داخلية لها، وفتح قنوات الاتصال مع اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب والمجلس القومى لحقوق الإنسان حتى يكون هناك عمل شمولى.
وأوضح بسيونى أن الشبكة العربية للإعلام الرقمى تعمل على الانتهاء من خطة عملها لعام 2022، مؤكدا أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ستكون حاضرة بقوة على أجندتها، وأن الشبكة ستركز على تعزيز الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، وتقديم الدعم ونقل الخبرات، وتوعية المواطنين بحقوق الإنسان ودور الإعلام الرقمى فى نشر ثقافة حقوق الإنسان والتخلص من التمييز والعنصرية والتنمر الذى أصبح سائدا على مواقع التواصل الاجتماعى، والتوعية بحقوق الآخرين للحد من الانتهاكات.
وليد فاروق
وفى السياق ذاته أكد وليد فاروق، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، أن استعانة اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بمنظمات المجتمع المدنى منذ بداية عملها بالاستراتيجية كان من أهم مشاهد إطلاق الاستراتيجية، حيث كان هناك ورش عمل وأصبح دور المنظمات مهم فى تفعيل الاستراتيجية بشكل واضح.
وأشار فاروق، إلى أن أهم دور لمنظمات المجتمع المدنى فى تفعيل الاستراتيجية وبنودها ومحاورها هو غرس قيم حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن إعلان عام 2022 عاما للمجتمع المدنى يحتاج دور قوى من المجتمع المدنى فى القاهرة والمحافظات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة