بيشوى رمزى

مؤتمر بغداد.. وإرساء "قواعد المنافسة" في الشرق الأوسط

الأربعاء، 01 سبتمبر 2021 10:18 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"إدارة الصراع".. مفهوم تقليدى، في العلاقات الدولية، حيث تبقى هناك العديد من الأشكال التي تتبناها الدول لإدارة خلافاتها، أو ما يمكننا تسميته بـ"منافستها الإقليمية والدولية"، من أجل تحقيق غايتها، والتي تتمثل في تحقيق السطوة والنفوذ، والحصول على موقع الريادة، سواء في منطقة ما أو على المستوى الدولى بأسره، وما يتخلل ذلك من مكاسب اقتصادية، وأخرى تتعلق بالأنظمة الداخلية، في كل دولة، حيث تبقى الصراعات الدولية في بعض الأحيان وسيلة ليحتفظ نظام معين بمقاليد السلطة، وربما تصبح ذريعة لقمع معارضيه في الداخل.

ولعل مفهوم "إدارة الصراع"، اقتصر في غالبية السوابق الدولية على مستوى العلاقة بين قوى بعينها، ومحيطها الإقليمى أو الدولى، بحيث تكون تلك القوى هي الممسكة بمقاليد الأمور، سواء عبر مصالحات مرحلية أو دائمة، تارة، أو استخدام وسائل أخرى للسيطرة بعيدا عن المواجهة المباشرة، من خلال توظيف جماعات بعينها على سبيل المثال لتكون بمثابة أذرع لها، داخل الدول الأخرى، حتى يمكنها القيام بالدور المباشر في حماية مصالحها، وبالتالي تكون بمثابة وكيل لها في معركتها أمام القوى الأخرى، ووسيلتها لتحقيق المزيد من النفوذ والهيمنة تارة أخرى، في الوقت الذى تتبنى فيه الدولة نفسها ربما خطابا متعارضا مع سلوكها العدائى.

الصراع الإقليمى في الشرق الأوسط، ربما اتخذ مختلف الأوجه، في العقود الماضية، بين حروب مباشرة، وأخرى بالوكالة، بينما كانت الفوضى وعدم الاستقرار وتفشى جماعات الإرهاب، هي الثمار الرئيسية لتلك الحالة، والتي كان السبب الرئيسى فيها هو التحرك المنفرد بين قوى الإقليم الساعية للقيادة والنفوذ، حتى أصبح الخطر داهما على جميع الأطراف، خاصة بعد ظهور التنظيمات الإرهابية، بصورتها "العابرة للحدود"، لتمثل خطرا ليس فقط على المنطقة ودولها، وإنما امتدت إلى العديد من المناطق الأخرى، عبر خطاباتها المضللة التي نشرتها عبر الانترنت لتكون لنفسها أذرع بعيدة المدى، ربما لا تتمتع بنفس الالتزام التنظيمى الذى يتبناه أفرادها الذين يعملون معها على الأرض، ولكنها تبقى موالية لها فكريا، فأصبحت بمثابة قنابل موقوتة يمكنها الانفجار في أي لحظة، في الوقت الذى ربما تمتد شرورها إلى الجميع، حتى أولئك الذين قدموا لهم الدعم يوما ما وساهموا في بزوغ نجمهم، سواء عبر تمويلهم أو تقديم الدعم السياسى والعسكرى لهم.

وهنا أصبحت الحاجة ملحة إلى سبل جديدة في إدارة الصراعات الإقليمية، تقوم على قدر من الجماعية، عبر تحويل الصراع إلى تعاون، بين الأطراف المتصارعة، لتحقيق أهداف بعينها، منها دحض التهديد الذى يواجههم، على غرار الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، ليكون هذا التعاون، وإن كان مرتبطا بهدف معين، مدخلا لتعاون أعمق في المستقبل من شأنه خلق العديد من المصالح المشتركة، التي يمكنها أن تطغى على الجانب الصراعى، وهو ما يخلق مساحة أكبر للتفاوض حول الخلافات، جنبا إلى جنب المزيد من العمل المشترك لتعظيم المصالح.

فلو نظرنا إلى مؤتمر بغداد الأخير، ربما نجد أنه يقدم نموذجا جديدا في إدارة الصراع الإقليمى في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأنه يجسد في جماعيته وتنوعه، عبر الأطراف المشاركة فيه والذين مثلوا الجانب العربى، سواء في صورة الدول العربية المشاركة، أو مظلتهم الإقليمية، المتمثلة في جامعة الدول العربية، إلى جانب قوى أخرى غير عربية، على غرار إيران وتركيا، ناهيك عن الوجود الفرنسي القوى، متمثلا في الرئيس إيمانويل ماكرون، سابقة مهمة، تتجلى بوضوح في تواجد العديد من القوى المتنافسة، والساعية إلى قيادة المنطقة، على مائدة حوار واحدة، تدور حول الخطر القادم من العراق، والذى يمثل تهديدا للجميع، إذا لم يجد الحماية الإقليمية التي يمكنها أن تدعمه في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، والذى قد يؤدى إلى حالة من الفراغ الأمني، تفتح الباب أمام عودة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، للعودة مجددا، وتهديد مصالح الجميع.

وبالاضافة الى ذلك، تبقى مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي،  بمثابة فرصة جيدة للتحاور مع جميع الاطراف بما يفتح الطريق أمام مزيد من التعاون الثنائي، سواء فيما بين القادة العرب، بما يحقق المصلحة العربية الجماعية أو بين الدول العربية وغيرهم من القوى الاقليمية الاخرى وفرنسا، لضمان سلامة الاقليم بأسره في مواجهة المخاطر المحدقة به، ناهيك عن فتح الباب أمام الترويج للسلع و المنتجات والخبرات المصرية وهو ما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني.

بينما تبقى مشاركة الجامعة العربية هي الأخرى بمثابة تقديم غطاء عربي سواء لدولة العراق التي حاولت بعض القوى اختطافها، من جانب، وكذلك لاضفاء ما يمكننا تسميته بشرعية الهوية على التحرك الدولي الجماعي، من جانب اخر، مما يمنحه المزيد من التأثير والمصداقية، ويساهم في تقديم صورة جماعية للتوجه العربي القائم على الرغبة في طي الخلافات أو على الاقل تجنيبها مرحليا لاحتواؤ التهديدات الحالية

وإدارة الصراع الإقليمى، في العراق، لا يقتصر في جوهره، على حالة الاستقطاب الدولى والإقليمى، وإنما يبقى الداخل العراقى جزء لا يتجزأ منه، خاصة مع حالة التنوع التي تشهدها بلاد الرافدين، والذى من المفترض أن يمثل نقطة قوة، إلا أن التجاذبات الكبيرة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، ساهمت في تحويلها لتكون مدخلا للفوضى وعدم الاستقرار، الذى وضع البلاد في العديد من الفترات على أعتاب حرب أهلية.

وهنا يمكننا القول بأن مؤتمر بغداد يمثل بداية الطريق لنهج دولى جديد، حول الكيفية التي يمكن ان تدار بها الصراعات الإقليمية، في المستقبل، والذى يقوم على خلق "مشتركات"  بين المتنافسين، يمكن من خلالها، ليس تقويض طموحات القوى الإقليمية، وإنما تحقيق حد أدنى مما يمكننا تسميته بـ"قواعد المنافسة" في المنطقة، والتي لا يجوز انتهاكها، لتحقيق المصلحة العامة للإقليم.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة