تمراليوم ذكرى ميلاد البابا شنودة (1923- 2012) بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والذى كان له نشاط وافر فى الثقافة سواء كتابة الشعر أو الكتابة الصحفية، من الكتب التى تستحق إلقاء الضوء عليها كتاب "البابا شنودة والصحفى المثالى" للدكتور رامى عطا صديق، ويأتى الكتاب فى خمسة فصول وملاحق، تناول الفصل الأول مسيرة الراحل البابا شنودة، من عام 1932 وحتى وفاته 2012، بينما تناول الفصل الثانى البابا شنودة كاتبا صحفيا، والفصل الثالث عن حرية الصحافة ضوابط ومحددات، والفصل الرابع الصحفى المثالى عند البابا شنودة، والفصل الخامس ضوابط حرية الصحافة عند البابا شنودة.
ويؤكد المؤلف أن الصحفى المثالى والمثالية قضية شغلت البابا شنودة البطريرك الـ 117 للكنيسة القبطية من خلال تحليل مقالاته فى مجلة الكرازة، وكذلك رأى البابا فى حرية الصحافة وأنها تقابلها مسؤولية وكل حق يقابله واجب وضوابط الحرية تفيد ولا تضر. وأن الموضوعية والصدق واحترام القانون جوانب مهمة
الصحفى المثالى، أو المثالية فى العمل الصحفي، واحد من بين أبرز الموضوعات المعقدة والقضايا الشائكة، التى يصعب تناولها عند التعرض لها بالدراسة والبحث، فإن ثمة تساؤلات كثيرة تطرح نفسها هنا..
هل يوجد صحفى مثالي؟ وهل توجد مثالية فى أى من مجالات الحياة أو فى أى من فروع المعرفة الإنسانية؟ وهل يمكن لأحد منا أن يصل إلى المثالية فى عمله؟ وما معنى المثالية فى ظل ظروف مجتمعية، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، متداخلة ومتشابكة ومعقدة؟ وكيف يمكن الوصول إليها؟
أيًا كانت الإجابة: نعم، أم لا، فمن المؤكد أنه من المهم أن نتعرف على المُثل والمبادئ والقيم العليا، إلى جانب المعايير الصحفية المهنية، محاولين الاقتراب منها والتمثل بها كلما أمكن، وإتقانها قدر الإمكان، وممارستها قدر المستطاع.
يقول الكتاب فى مقدمته:
فى هذا الإطار يأتى هذا الكتاب، وهو عبارة عن رصد ودراسة وتحليل لمجموعة مقالات صحفية كتبها قداسة البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ "117" من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهى مقالات يمكن تقسيمها إلى مجموعتين على النحو التالي:
المجموعة الأولى عبارة عن أربعة عشر مقال قصير، كتبها قداسة البابا شنودة الثالث، فى مجلة (الكرازة) خلال الفترة من شهر سبتمبر إلى شهر ديسمبر من عام 1975م، تحت عنوان "الصحفى المثالي"، حيث ناقش البابا شنودة فى تلك المقالات سمات الصحفى المثالى وصفاته، التى دارت فى مجملها حول الالتزام بالدقة والأمانة والصدق والموضوعية ونشر ما يُمثل فائدة لجمهور القراء، خاصة وأن البابا شنودة الثالث كان يعتز بكونه عضوًا فى نقابة الصحفيين، التى اعتزت من جانبها بانتسابه لها.
قمت بتجميع مقالات "الصحفى المثالى"، من أعداد مجلة (الكرازة) 1975م، بهدف دراستها وتحليلها ونشرها، حتى تُتاح الفرصة لأن يقرأها ويستفيد منها القارئ العام على وجه العموم، والكُتّاب والصحفيون والإعلاميون على وجه الخصوص، واثقًا أنهم سوف يجدون فيها منفعة وفائدة، مثلما وجدت ومثلما استفدت.
المجموعة الثانية عبارة عن مجموعة مقالات كتبها قداسة البابا شنودة الثالث فى عدد من الصحف العامة، هي: جريدة (الجمهورية) وجريدة (أخبار اليوم) وجريدة (الأهرام)، حيث تناول البابا شنودة فى مقالاته عددًا من قضايا المجتمع، منها قضية الحرية بوجه عام وقضية حرية الصحافة بوجه خاص، وقد انطلق فى معالجته لهذه القضية من عدة أسس ومبادئ، وذلك على النحو التالي:
1. الحرية تقابلها مسئولية وكل حق يقابله واجب.
2. ضوابط الحرية تفيد ولا تضر.
3. حرية الصحافة ترتبط بالصدق والدقة وصحة المعلومات.
4. حرية الصحافة ترفض الشائعات والإثارة والمبالغات.
5. حرية الصحافة ترفض الإساءة إلى الآخرين.
6. حرية الصحافة ترتبط بالموضوعية.
7. حرية الصحافة تحترم القانون والنظام العام.
كما اهتم قداسة البابا شنودة الثالث بتقديم بعض النصائح والإرشادات، سواء للكُتّاب أو للقراء، فهو يدعو كل شخص وكل كاتب لأن يفكر جيدًا فى عواقب أى عمل يقوم به ونتائج هذا العمل وردود الأفعال قبل الإقدام عليه، وهو يدعو القارئ دائمًا إلى أن يكون حكيمًا فى الحكم على ما يقرأه فى الصحف وما يصل إليه من أخبار، ليتبين صدقها ومدى دقتها، حيث يطلب من القراء صراحة ألا يصدقوا كل ما يُكتب، وإنما عليهم تناول كل الأخبار بالفحص والبحث والتدقيق.
لقد جاء اهتمام البابا شنودة الثالث بسمات الصحفى المثالي، وكذلك اهتمامه بقضية حرية الصحافة، من واقع اهتمام الصحفيين، وغيرهم من الكُتّاب والمثقفين والمفكرين، بهذه القضية التى ترتبط بحرية الرأى والتعبير، التى تمثل بدورها أحد حقوق الإنسان.
ويُشير الواقع إلى أنه عبر سنوات طويلة مضت وموضوع "حرية الصحافة" يحتل الكثير من الاهتمام، من جانب الجماعة الأكاديمية والجماعة الصحفية على السواء، وكثيرًا ما طرحوا تساؤلات من نوع: ماذا تعنى حرية الصحافة؟ وهل هى حرية مطلقة أم حرية مُقيدة؟ وما هى ضوابط حرية الصحافة ومحدداتها؟ وما العلاقة بين حرية الصحافة وحرية الرأى والتعبير؟ وما المخاطر أو التحديات التى قد تنشأ من إطلاق حرية الصحافة والنشر والتعبير دون ضوابط تراعى حقوق المجتمع وحقوق الآخرين؟
تساؤلات كثيرة اهتم البعض بالإجابة عنها، فى محاولة منهم للتوفيق بين الحرية الصحفية من جهة والمسئولية الاجتماعية من جهة أخرى.
وهذا الكتاب، هو نتاج دراسة علمية تتناول موضوع حرية الصحافة وأبرز ضوابطها ومحدداتها فى عدد من المقالات الصحفية لقداسة البابا شنودة الثالث، الذى مارس العمل الصحفى فى شبابه، وواصله وهو أسقف للتعليم، ثم وهو بابا/ بطريرك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كأحد مجالات الخدمة الدينية الكنسية والنشاط الوطنى العام، فقد مارس العمل الصحفي، وعلى وجه التحديد كتابة مقالات الرأي، فى عدد من الصحف الدينية وفى عدد آخر من الصحف العامة، حيث كتب وهو شاب فى صحف دينية منها مجلة (الحق) ومجلة (مدارس الأحد)، وفى عام 1965م أسس مجلة (الكرازة) بعد نحو ثلاث سنوات من رسامته أسقفًا، ونشر مقالات صحفية بشكل منتظم لفترة من الوقت فى عدد من الصحف العامة، منها جرائد (الجمهورية) و(أخبار اليوم) و(الأهرام) و(وطني).
ومن ثم فإنه يمكن توضيح أهمية هذا الكتاب "الدراسة" من خلال جانبين أساسيين:
الجانب الأول: يتعلق بأهمية دراسة قضية حرية الصحافة، باعتبارها موضوعًا رئيسًا يحكم الكثير من الممارسات الصحفية، كما تُمثل "حرية الصحافة"، من حيث محدداتها وضوابطها، واحدة من أبرز إشكاليات العمل الصحفى وقضاياه، ربما منذ نشأة الصحافة إلى يومنا الحالي، الأمر الذى جعل لموضوع "حرية الصحافة" أهمية كبيرة، انعكس على اهتمام عدد غير قليل من الباحثين بدراستها، سواء كدراسة تاريخية أو دراسة آنية أو دراسة مستقبلية.
الجانب الثاني: يتعلق بدراسة موقف قداسة البابا شنودة الثالث من قضية الحرية وضوابطها على وجه العموم، وحرية الصحافة ومحدداتها على وجه الخصوص، حيث يُعد البابا شنودة الثالث شخصية دينية مسيحية بارزة وأحد أعلام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهو يمثل علمًا مصريًا وعربيًا ودوليًا، منذ أواسط القرن العشرين وحتى رحيله فى 17 مارس من عام 2012م، بل إن للرجل تأثيره إلى اليوم، يظهر فى اهتمام كثيرين بحفظ ذكراه، الأمر الذى يتجلى بوضوح فى وسائل الإعلام المسيحية، من صحف وقنوات فضائية، تحرص على إعادة نشر مقالاته وعرض مؤلفاته وتقديم عظاته، حيث عاش البابا شنودة حياته مُشاركًا فى إثراء الثقافة والفكر بمقالاته وعظاته ومؤلفاته، ومن جانب آخر فقد كان مصدرًا مُهمًا من مصادر الأخبار بالنسبة للصحفيين وجموع الإعلاميين فيما يتعلق بالشأن الكنسي، بالإضافة إلى الشأن الوطنى العام.
ومن خلال استعراض مجمل التراث العلمى السابق الذى يتعلق بموضوع الدراسة الحالية، فقد كان من الملاحظ تركز اهتمام الباحثين- وبشكل رئيس- على دراسة الفكر الرعوى واللاهوتى للبابا شنودة الثالث، بينما لم يتعرض أحد من قبل لدراسة موقف البابا شنودة من قضية حرية الصحافة وضوابطها، الأمر الذى يجعل للدراسة الحالية أهميتها وإضافتها المعرفية أيضًا.
كل ذلك، وربما غيره، يجعل لهذا الكتاب "الدراسة" أهميته، من حيث التعرف على موقف البابا شنودة الثالث من قضية حرية الصحافة التى تتمتع بقدر كبير من الأهمية فى مختلف المجتمعات.
ويحاول هذا الكتاب "الدراسة" تحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل بشكل رئيس فى الكشف عن: مدى اهتمام قداسة البابا شنودة الثالث بموضوع حرية الصحافة، ومعنى حرية الصحافة كما بدت فى مقالات البابا شنودة، وضوابط حرية الصحافة ومحدداتها كما رآها قداسته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة