ينفرد "اليوم السابع" بنشر فصل من مذكرات الكاتب الكبير محمد سلماوى "العصف والريحان"، والتى تصدر عن دار الكرمة، فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، فى دورته الثانية والخمسين، التى تستمر فعالياتها حتى 15 يوليو الجارى، بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، تحت شعار "فى القراءة حياة"، وحصل اليوم السابع على فصل بعنوان "المتحدث الرسمى" سيتنفرد بنشره تباعًا على حلقات يومية، وأمس تم نشر الحلقة الأولى التى تناولت احتجاج المصريين على الإعلان الدستورى المشؤوم الذى أصدره محمد مرسي يوم 22 نوفمبر من ذلك العام، وكيف تناقلت وسائل الإعلام مشاهد مروعة لعمليات الاعتداء الوحشى التي قام بها الإخوان على المتظاهرين حول أسوار القصر، وكواليس سقوط الإخوان، وفى حلقة اليوم يتناول الكتاب "الرئيس عدلي منصور يستقبل عددًا من المثقفين في يوليو 2013".
وفى لقاء بقصر الاتحادية مع ذلك الرجل الفاضل، الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، ضم عددًا من المثقفين، طرح موضوع الدستور الذي رأيتُ أن يكون دستورًا جديدًا تمامًا، يؤسس للمرحلة الجديدة التي يتطلع إليها الناس. لكن رأيه القانوني كان أن اللجنة المعنية بذلك يجب أن تكون مهمتها تعديل الدستور بما يتوافق مع الأهداف التي شرحتُها، وليس وضع دستور جديد.
وإلحاقًا بهذا اللقاء، أرسلتُ للمستشار عدلي منصور بناءً على طلبه مذكرة باسم اتحاد الكُتاب حول تصورنا للجنة الدستور، وضرورة أن تضم، إلى جانب القوى السياسية، ممثلين عن مختلف النقابات المهنية، بالمخالفة للجنة الإخوان التي كانت لهم وحدهم فيها الأغلبية العظمى. وجاء بالمذكرة، وأنا أنقل هنا مما نشر في موقع «اليوم السابع» يوم 12 يوليو 2013:
«ويشير الاتحاد إلى خطأ الاكتفاء بالقانونيين في كتابة الدستور دون إعطاء مساحة المشاركة الفاعلة لبقية فئات المجتمع. فدستور بلد بحجم مصر هو أهم من أن تستأثر به أقلام القانونيين وحدهم، فإذا كان الدستور هو روح القانون ومصدره، فإن روح مصر العميقة ومصدر قوتها كامنة في الوعي النوعي لكتابها ومفكريها وفنانيها ومثقفيها ونقابييها من مهندسين وأطباء وعمال وفلاحين وطلاب، وهم المنوط بهم التعبير عن نبض الأمة وهم مستودع تاريخها العريق.»
وقد توافقت طريقة تشكيل لجنة الخمسين مع ما ورد بالمذكرة، وإن أضيف إليها لجنة فنية مكونة من عشرة من كبار رجال القانون، لإعداد مُسوَّدة للتعديلات المراد إدخالها على مواد الدستور لتسترشد بها لجنة الخمسين، ثم تتولى اللجنة الفنية بعد ذلك مراجعة الجوانب القانونية في المواد التي تنتهي إليها اللجنة. وفي أول سبتمبر ٢٠١٣ أصدر الرئيس عدلي منصور القرار رقم ٥٧٠ لسنة ٢٠١٣ بتشكيل لجنة الخمسين المكلفة بدراسة التعديلات الدستورية الواردة إليها من لجنة الخبراء ومن مقترحات المواطنين، وإعداد مُسوَّدة للدستور المصري لعرضها للاستفتاء. وتضمنت اللجنة ممثلين عن الأزهر، والكنيسة، والشباب، واتحاد الكُتاب، واتحاد النقابات الفنية، والمجلس الأعلى للثقافة، والاتحاد العام للعمال، ونقيب الفلاحين، ونقابات المهندسين والمحامين والصحفيين، والغرف السياحية والصناعية والتجارية، واتحاد طلاب مصر، والاتحاد العام للجمعيات، والمجالس القومية للمرأة وللأمومة والطفولة ولحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للجامعات، ومتحدي الإعاقة، والقوات المسلحة والشرطة، والتيارات الإسلامية والليبرالية واليسارية والقومية، وعددًا من الشخصيات العامة.
الرئيس عدلي منصور يستقبل عددًا من المثقفين في يوليو ٢٠١٣
وفي الاجتماع الأول للجنة الخمسين، ترشح لرئاسة اللجنة كل من عمرو موسى وسامح عاشور نقيب المحامين. وجرى الاقتراع السري على الاسمين، واقترح الدكتور عبد الجليل مصطفى أن أتولى فرز الأصوات وإعلان النتيجة، ووافق الأعضاء، ففرزت الأوراق علانية أمام الحضور، وكانت النتيجة لصالح عمرو موسى حيث حصل على ٣٠ صوتًا مقابل ١٦ صوتًا لسامح عاشور، وامتناع عضوين عن التصويت وغياب عضوين آخرين. وقد سألت العضوين الممتنعين عن التصويت بعد ذلك وبشكل غير رسمي عن سبب امتناعهما، فقالا إنهما لا يوافقان على أي من المرشحين، وإنهما كانا يفضلان أن يكون رئيس اللجنة ممثلًا للتيار الإسلامي. بعد ذلك تم اختيار ٣ نواب للرئيس، هم الدكتور مجدي يعقوب، وكمال الهلباوي، ومنى ذو الفقار، بالإضافة إلى اختيار الدكتور عبد الجليل مصطفى مقررًا. ورشحتني منى ذو الفقار متحدثًا رسميًّا باسم اللجنة فأيدها الأعضاء. وقبل إبداء موافقتي سألت إن كان هناك مرشحون آخرون ولم يتقدم أحد فتم اختياري بالتزكية.
وكان الأخ عمرو صلاح، وهو أحد الأعضاء الممثلين لشباب الثورة قد زارني قبل ذلك بأيام في مكتبي مع بعض الشباب، وقال لي إنهم يريدون ترشيحي مقررًا للجنة الحقوق والحريات في لجنة الخمسين، وقال إن تلك اللجنة هي التي يمكن أن تجعل من الدستور الجديد دستورًا مختلفًا عن دساتير مصر السابقة، وإنهم تناقشوا مطولًا في هذا الموضوع ويرون أن وجودي على رأس هذه اللجنة سيضمن سيرها في الطريق السليم. قلت له يومها إنني موافق من حيث المبدأ لكني طلبت مهلة حتى أدرس الوضع وأعرف بقية اللجان. وفي الجلسة الأولى للجنة الخمسين حين تم ترشيحي كمتحدث رسمي ونظرت إلى الأعضاء لأسأل إن كان هناك مرشحون آخرون، شاهدت عمرو وزملاءه يومئون لي بموافقتهم على ترشيحي متحدثًا رسميًّا، فقررت بعدها عدم الانضمام إلى أي من اللجان النوعية، حتى أتفرغ إلى مهمتي، التي وجدتها تضطرني إلى حضور جميع اللجان لأتابع ما يجري في كل منها حتى أعد تقريري اليومي للصحافة. وكانت اللجان النوعية خمسًا، وهي: لجنة الحوار والتواصل المجتمعي، ولجنة المقومات الأساسية والدولة، ولجنة نظام الحكم والسلطات العامة، ولجنة الحقوق والحريات، ولجنة الصياغة.
ورُؤي أن يكون هناك، إلى جانب الأعضاء الخمسين، أعضاء احتياطيون بالعدد نفسه. فرشحت الدكتور علاء عبد الهادي، عضو مجلس اتحاد الكُتاب، عضوًا احتياطيًّا عن الاتحاد. وفي البداية كانت لجنة الخمسين تنعقد بكامل أعضائها الأساسيين والاحتياطيين حتى تستمع إلى كل الآراء، ثم حين انتقلت اللجنة إلى مرحلة مناقشة المقترحات والتصويت عليها أغلقت الجلسات على الأعضاء الأساسيين الذين لهم وحدهم حق التصويت.
وكان واضحًا من البداية أن جميع الآراء والاتجاهات ممثلة في اللجنة، بمن في ذلك السلفيون الذين كانوا وراء أول أزمة واجهت اللجنة، وذلك حين أصروا على التمسك بالمادة ٢١٩ الواردة في دستور الإخوان المعطل، وهي المادة التي تسمح بتطبيق الحدود من قطع اليدين والرجلين والرجم والجلد، وهو ما لم ينص عليه أي من الدساتير المصرية من قبل. كذلك كان هناك تمثيل غير صريح للإخوان المسلمين أيضًا، فلم يخفَ على أحد أن عددًا ممن ضُموا إلى اللجنة بحكم مواقعهم النقابية كانوا معروفين بانتمائهم إلى فكر الإخوان، وهو ما ظهر واضحًا في بعض مواقفهم داخل اللجنة. لكن كان هناك أيضًا عدد من المفكرين الإسلاميين المستقلين، والذين كثيرًا ما كانوا يحدون من شطط هؤلاء. وقد شهدت اللجنة كثيرًا من لحظات التوتر التي أدت إلى خروج البعض من الاجتماع، كما كانت هناك لحظات مواجهة مع ممثلي المرأة والعمال والفلاحين الذين كانوا يدفعون بضرورة وجود كوتة لكل منهم، بالإضافة إلى الخلافات المذهبية المتوقعة ما بين اليسار واليمين، خاصة في الموضوعات المتعلقة بالاقتصاد الوطني.
هذا التنوع الواسع - وفي بعض الأحيان التضاد - في الآراء كان يشير منذ البداية إلى صعوبة الوصول إلى اتفاق بشأن مختلف مواد الدستور، الذي هو الوثيقة التي يفترض أن تعكس إجماعًا شعبيًّا واضحًا. ولولا حنكة عمرو موسى في إدارة هذه الخلافات لتفجرت لجنة الخمسين منذ البداية، وإذا كان من شيء واحد اتفق عليه أعضاء اللجنة على مختلف مشاربهم فقد كان حكمة رئيس اللجنة، وحنكته في إدارة الجلسات.
وكانت لعمرو موسى عدة وسائل استمتعت بمتابعتها في إدارة الصراعات التي كانت تتفجر داخل اللجنة، وهي وسائل لا يقدر عليها إلا المفاوض المحنك، فما إن يتفجر الخلاف بين طرفين داخل اللجنة حتى كان الرئيس يستقبل الطرفين في مكتبه بعد الجلسة، وفي بعض الأحيان قبلها استباقًا للخلاف المتوقع، حيث كان يتناقش أولًا مع كل طرف على حدة، في محاولة لفهم وجهة نظره وللتقريب بينها وبين وجهة النظر الأخرى، ثم يجمعهما معًا، فكنا نفاجأ في الجلسة التالية باتفاق الطرفين، أو بوصولهما إلى حل وسط. وكان من بين تلك الوسائل أيضًا دراسة الموضوعات الشائكة في لجنة مصغرة، حيث يسهل الوصول إلى اتفاق أكثر مما لو طرح الموضوع على اللجنة بكامل أعضائها الخمسين، وهو ما تم على سبيل المثال مع موضوع المحاكمات العسكرية والذي كان ينبئ بمواجهة لا تؤمن عقباها، فقد تشكلت لجنة مصغرة بين الجانبين توصلت بعد عدة اجتماعات إلى صيغة لاقت قبول اللجنة العامة عند طرحها عليها. وقد كانت هذه الوسيلة، إلى جانب تذليلها للخلافات، توفر أيضًا وقت اللجنة التي كانت ملتزمة بستين يومًا فقط ترفع بعدها مُسوَّدة الدستور إلى رئيس الجمهورية المؤقت، لطرحها للاستفتاء الشعبي في الموعد المحدد سلفًا، مما كان يجعلنا بالفعل في صراع مع الوقت.
على أن عمرو موسى كانت له في الوقت نفسه وسائل خفية لا يعرفها أحد تساهم في تخفيف حدة التوتر داخل اللجنة، منها مثلًا أنه كان يخطئ دائمًا في اسم أحد الأعضاء فيقوم العضو بتصحيح اسمه، وقد تكرر ذلك أكثر من مرة مع العضو نفسه فكان الأعضاء ينفجرون بالضحك، وكان هذا العضو في كثير مما يطرحه يعبر عن انحياز واضح إلى فكر الإخوان، وكانت تصل به الحال إلى أن يقارن بين المادة التي نقترحها وبين مثيلتها في دستور الإخوان المعطل، ويطالب بالالتزام بما ورد في الدستور الذي ثارت الجماهير عليه وعلى أصحابه، وفي إحدى المرات صرخ فيه أحد الأعضاء قائلًا:
- إذا كان المطلوب هو الالتزام بدستور الإخوان فلماذا جئتم بنا إلى هذه اللجنة؟!
وفي إحدى الجلسات طلب هذا العضو الكلمة أثناء مناقشة أحد الموضوعات الخلافية، وكان الجو مشحونًا مما كان ينبئ بمواجهة قادمة تتعالى فيها الأصوات ويترك فيها البعض القاعة احتجاجًا، وحين جاءت لحظة حديث العضو المذكور كنت أسلم رئيس اللجنة بعض الأوراق، وخشية أن يخطئ في اسم العضو مرة ثانية مِلْت عليه وذكرته باسم العضو، ففوجئت به يقول لي:
فى حلقة غدًا حاولت تذكير عمرو موسى باسم العضو إنقاذًا للموقف فكانت المفاجأة.... ومع الحلقة الثالثة غدًا..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة