عندما قال المصريون كلمتهم فى 30 يونيو، واستجاب لهم الجيش، باعتباره القوة التى تعمل من أجل صيانة الاستقرار ووحدة وسيادة الوطن، ثارت حالة من اللغط الدولى، حول توصيفات ومسميات، لا علاقة لها بالواقع العملى، على الأرض، ساهمت جماعة الدم، ومحركوهم، سواء، على الترويج لها، لشهور أعقبت الثورة، بهدف وحيد، وهو تأليب الرأى العام العالمى، على القيادة المصرية، بهدف الضغط عليها، وحصارها، حتى ينقلب عليها الشعب من جديد، وتعود الدولة من جديد إلى دائرة الفوضى، التى اندلعت مع انطلاق شرارة "الربيع العربى"، فى يناير 2011، وهو ما لقى قدرا من الاستجابة، عبر تصريحات مناهضة تارة، وإجراءات يائسة، تارة أخرى، ربما تعكس إفلاسا دوليا فى مواجهة إرادة شعب أراد الحياة.
ولكن بعيدا عما يمكننا تسميته "حماقة" الأحكام اللحظية والمصطلحات "الجامدة" التى لاحقت ثورة 30 يونيو، يبقى التغيير السريع فى التقييم الدولى لها، فى حاجة إلى دراسة متأنية، ورؤية عميقة، خاصة أن الأمر لم يستغرق سنوات طويلة، حتى يعترف "أرباب" العلوم السياسية، الذين اكتفوا بالتنظير أمام الكاميرات، بحجم الخطأ الذى اقترفوه، عندما سارعوا إلى "توصيف" الحالة المصرية، طبقا لنظرياتهم الجامدة، متجاهلين حقيقة واضحة، مفادها أن السياسة تخضع لمعايير الواقع العملى المعاش، أكثر منه لنظريات مكتوبة تكتظ بها الكتب، والمراجع السياسية، والتى ربما تعود لعقود طويلة من الزمن، تغيرت معها الظروف والمتغيرات الدولية، بينما صعدت قوى خلالها إلى قمة النظام العالمى، وتراجعت أخرى، وهو ما يعنى أن أسلوب الإدارة السياسية بالطبيعة قد يشهد تغييرات عميقة، طبقا للمتغيرات، سواء دوليا أو داخليا فى حالة كل دولة.
ولعل الملفت للانتباه فى التجربة المصرية، ليس فقط قدرتها على التعاطى مع الضغوط الدولية، واقتناص الاعتراف السياسى بها، على المستوى الدولى، وإنما فى استلهامها فى العديد من دول العالم، ليس فقط فى محيطها القارى والإقليمى، وإنما امتدت لتكون نموذج تستوحيه أكبر القوى الدولية حول العالم، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لمصداقية الخطاب الذى تبنته مصر منذ اليوم الأول للثورة، بل وصواب رؤيتها، فيما يتعلق بالعديد من القضايا، وعلى رأسها جماعات الإرهاب، والتى سعت تلك القوى منحها فرصة الحكم، فى إطار صفقة تقوم على تنفيذ أجنداتهم المشبوهة.
فلو نظرنا إلى نموذج الحرب على الإرهاب فى الداخل، نجد أن النظرية التى أرستها 30 يونيو، كانت محلا لاستلهام قطاع كبير من دول العالم، على غرار فرنسا، والتى اتخذت إجراءات تهدف إلى تصحيح الخطاب الدينى، من خلال السيطرة على المنابر، ومنع ما يمكننا تسميته بـ"استيراد" الخطباء، من الخارج، وذلك لضمان تقديم فكر معتدل يتوافق مع صحيح الدين، بينما تزامن معها خطوات حاسمة على المستوى الأمني، تمثل انعكاسا لضرورة استخدام قبضة حديدية لردع من تسول له نفسه انتهاك حرمة البلاد، وذلك بعد سنوات من ترديد أنشودة "حقوق الإنسان"، والتى كان من شأنها أن تكفل الحماية للقتلة والإرهابيين.
بينما كان تجفيف منابع الإرهاب، وحماية الحدود، محلا لاستلهام العديد من دول الغرب الأوروبى، كفرنسا وألمانيا، والتى أكدت على دعمها للرؤية المصرية، سواء فى ليبيا، أو دولا أخرى فى منطقة الشرق الأوسط، وذلك لاحتواء أزمة اللاجئين، التى باتت تمثل تهديدا صريحا لهم، سواء على المستوى السياسى أو الأمني، ناهيك عن تداعياتها الاقتصادية الكبيرة عليهم، وهو ما يمثل دليلا جديدا على مصداقية الرؤية التى تبنتها مصر أمام العالم.
حتى فيما يتعلق بالتنمية، نجد أن ثمة دول تحركت نحو احتواء أزماتها فى الداخل، خاصة على المستوى الاقتصادى، مستلهمة الخطى المصرية فى هذا الإطار، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حيث تبنى الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى مستهل حقبته خطة لتطوير البنية الأساسية فى بلاده، لتحسين الوضع الاقتصادى، خاصة أن واشنطن عانت لسنوات جراء تفاقم أزمة البطالة، والتراجع الاقتصادى، على خلفية الأزمة المالية العالمية تارة، وجراء تفشى كورونا تارة أخرى، وهو ما أثار حالة من التمرد المجتمعى، تجلت فى أبهى صورها فى أعقاب الإعلان عن خسارة الرئيس السابق دونالد ترامب، الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى الحد الذى وصل إلى اقتحام الكونجرس، فى 6 يناير الماضى، فى محاولة لمنع التصديق على فوز بايدن، وهو ما يعكس حالة من الاحتقان الممزوج بالانقسام فى الداخل الأمريكى.
وهنا يمكننا القول بأن 30 يونيو نجحت باقتدار فى إظهار حقيقة مفادها أن نظريات السياسة النمطية، لا ينبغى النظر إليها باعتبارها مقدسات، حيث تبقى الظروف الداخلية، وتداعياتها، والمتغيرات الدولية، بحكم الزمن كفيلة بتغييرها طبقا للواقع العملى الذى يحكم كل حقبة زمنية أو الأوضاع المرتبطة بكل دولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة