وصل المدعى الاشتراكى إلى آخر محطاته فى الجلسة الثالثة للتحقيق مع الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، يوم 21 يونيو 1978، بسؤاله عن كتاباته فى قضيتين، هما «مبادرة زيارة الرئيس السادات إلى القدس يوم 19 نوفمبر 1977»، و«أحاديثه عن الخط الاشتراكى الديمقراطى» الذى تنتهجه الحكومة المصرية، وجاء ذلك بعد أن احتل الجزء الأكبر من هذه الجلسة الحديث عن اتهام البعض له بالانهزامية، استنادا على تفسيرهم لمقاله «تحية للرجال»، حسبما يأتى فى كتابه «وقائع تحقيق سياسى أمام المدعى الاشتراكى»، «راجع، ذات يوم، 21 و22 يونيو 2021».
قال «هيكل» عن قضية «مبادرة زيارة السادات إلى القدس»: «لاأستطيع أن أعزل رأيى فى المبادرة عن تصورى الشامل للاستراتيجية المصرية، وأنا أعتقد بوجود صلة عضوية بين مصر وأمتها العربية، وأعتقد أن الأمن المصرى والمصلحة المصرية جزء لا يتجزأ من الأمن العربى والمصلحة العربية، فى هذا الإطار وحده يمكن فهم موقفى من المبادرة، وعلى أية حال، فقد لخصت موقفى من المبادرة فى محاضرة ألقيتها فى أبوظبى، فى شهر يناير الماضى فى افتتاح الندوة السياسية السنوية لوزارة الخارجية فى دولة الإمارات، إن ما فى هذه المحاضرة يمثل مجمل آرائى فى المبادرة، وأتشرف بأن أقدم نسخة منها لتكون من وثائق التحقيق، إننى كتبت بعد ذلك مقالات، ولكن ما كتبته يظل فى حدود ما قلته فى هذه المحاضرة».
استكمل «هيكل» إجابته، ولكن بطريقة مختلفة، حيث قدم ملاحظة على أسلوبه فى كتابة مقالاته، قائلا: «المنهج الذى ألتزم به فى كتاباتى هو أن أضع أمام القارئ أكبر مجموعة ممكنة من الحقائق، والتصورات والأفكار، ولا أفرض عليه نتيجة حتمية لها، وإنما أشركه فى نوع من الحوار معى ليصل بنفسه إلى ما يريد استخلاصه من النتائج، ومن هذا الأسلوب فإن مقالاتى تختلف عن مقالات غيرى، غيرى كتب مقالات بداية ونهاية، أما أسلوبى فإننى أحاول فيه أن أترك القارئ مع المشكلة، يفكر فيها بعد أن يفرغ من قراءة المقال، إننى لا أريد بما أكتب أن أقدم للقارئ لفّة جاهزة، وإنما أقدم له مادة للتفكير، وهكذا فإن مشكلة مقالاتى مع قرائها تبدأ فى الحقيقة بعد أن يفرغ من قراءتها، لأنها تشدهم أو تحاول شدهم إلى حوار حول الموضوع الذى يتناوله ما أكتب».
سأله «المدعى» عن مضمون أفكاره حول كتاباته عن «الخط الاشتراكى الديمقراطى للحكومة»، فأجاب: «لكى أجيب عن هذا السؤال، فلا بد من تحديد المنطق الذى ألزمت به نفسى عندما قررت الكتابة خارج مصر بعد أن استحالت علىّ الكتابة فيها، إننى ألزمت نفسى بمجموعة من القواعد طبقتها تطبيقا صارما على نفسى، وهى:
أولا: أننى سوف أكتب لنفس الصحف التى كانت تنشر مقالاتى فى الوقت ذاته مع الأهرام، عندما كنت رئيسا لتحريرها، وهذه الصحف هى الأنوار اللبنانية، والوطن الكويتية، والصحف الأخرى التى تحصل منها على حقوق نشر مقالاتى، ثانيا: أننى لا أتناول فيما أنشره خارج مصر أية موضوعات تتصل بمشاكل وقضايا العمل الداخلى فى مصر، أى أننى أقصر كتاباتى خارج مصر على القضايا العربية العامة وحدها، ولا أقترب على الإطلاق من أوضاع مصر الداخلية، وحدث استثناء واحد ووحيد فى هذه القاعدة فى مجموعة من المقالات بعنوان «لمصر لا لعبدالناصر»، واضطررت إليها بعد أن تجاوزت الحملة ضد عبدالناصر كل حد معقول، ثالثا: ألا تنشر مقالاتى فى بلاد عربية تكون حكوماتها فى خلاف مع السياسة المصرية، ولذلك لم أقبل رغم كل الإلحاح أن تنشر مقالاتى فى ليبيا أوالعراق أو سوريا، مع أننى - كقومى عربى - أؤمن بوطن عربى واحد، إلا أننى دفعا لأية حساسيات، وضعت قاعدة ضيقة وألزمت بها نفسى، رابعا: ألا أزور أى بلد عربى تدخل حكومته فى خلاف سياسى مع الحكومة المصرية، ثم إننى لا أقوم بأية اتصالات - رغم طبيعة العمل الصحفى - مع مسئوولين فى هذه البلاد، وهكذا كانت آخر مرة زرت فيها ليبيا سنة 1970، وآخر مرة زرت فيها دمشق وبغداد سنة 1975، وعلى سبيل المثال، كانت آخر مرة رأيت فيها الرئيس القذافى فى مصر سنة 1972، وآخر مرة قابلت فيها حافظ الأسد، ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقى، صدام حسين، سنة 1975».
يضيف «هيكل»: «أخجل من ذكر هذه الحقيقة، فأنا أعتبر أرض الأمة العربية كلها وطنى، وقضاياه قضاياى، لكنى أيضا دفعا للحساسية ألزمت نفسى بقاعدة ضيقة، ومن هذا كله يتضح أننى لم أكتب خارج مصر عن الخط الاشتراكى الديمقراطى الذى تنتهجه الحكومة المصرية، وربما أكون تعرضت لبعض هذه القضايا فى بعض الأحاديث الصحفية التى أدلى بها بين حين وآخر للصحافة العالمية، ولكن أرجو أن تكون المناقشة على أساس المواقف».
انتهت جلسة التحقيق، وقرر المدعى الاشتراكى استمرار التحقيقات يوم 25 يونيو 1978.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة