طلب قنصلا إنجلترا وفرنسا مقابلة الخديو إسماعيل، بشكل عاجل، بناءً على تعليمات واردة إليهما من حكومتيهما، وذلك يوم 19 يونيو، مثل هذا اليوم، 1879، حسبما يذكر «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل».
كانت الأجواء السياسية غير طبيعية فى مصر، فقضية الديون تخنق «إسماعيل»، ومحاولاته لسدادها فشلت.
يذكر الدكتور حسين كفافى، فى كتابه «الخديو إسماعيل ومعشوقته مصر»، أن الضربة القاضية لإسماعيل جاءت من جانب لم يكن ينتظره، جاءت من وراء المحاكم المختلطة التى أنشأها، فقد دخلت ألمانيا الحلبة، لا لكى تفعل ما فعلته إنجلترا وفرنسا فتطلب إرسال مندوبين مراقبين ماليين يعينون كوزراء، بل طلبت تنفيذ أحكام المحاكم المختلطة، وأظهرت ألمانيا عزمها على العمل والتشدد إذا لم تنفذ الأحكام الصادرة لصالح الدائنين الألمان، بينما كانت الخزينة خاوية، وكان الشعور حينذاك ينم بأن شيئا ما سيحدث».
يذكر «الأيوبى» أن القنصل الألمانى فى مصر أخطر إسماعيل يوم 18 مايو 1879، بموقف حكومته، ويؤكد أن باقى الدول الأوروبية الكبرى اقتدت بعمل ألمانيا، وقاد ذلك إلى توقع بأن نهاية إسماعيل قد دنت حتى كان المطلب بها واضحا ودون لبس فى اللقاء الذى جمعه بسفيرى فرنسا وإنجلترا يوم «19 يونيو 1879»، ينقل «الأيوبى» نص ما قاله السفيران لإسماعيل ورده عليهما.. يقول: «إن الحكومتين الفرنساوية والإنجليزية متفقتان على الإشارة إلى سموك رسميًا بالاستقالة، ومغادرة القطر المصرى، فإذا اتبع سموك هذه النصيحة فإن الحكومتين ستعملان معًا على منحك مرتبًا سنويًا كافيًا، وعلى حفظ نظام الوراثة الذى بمقتضاه سيخلف الأمير محمد توفيق «أكبر أبناء إسماعيل» سموك على العرش المصرى، ولكنهما لا تخفيان سموك أنك إذا رفضت التنازل، وأجبرتهما على مخاطبة السلطان العثمانى رأسًا، فإنك لن تستطيع الاعتماد على تعيين راتب سنوى لك ولا على حفظ حق الوراثة للأمير محمد توفيق».
هكذا قدم السفيران سيف المعز وذهبه للخديو، ووفقًا لعبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من كتابه عصر إسماعيل: «تأثر الخديو لهذه الرسالة تأثرًا عميقًا، وشعر بالسهم المصوب إلى مركزه ومصيره، فطلب مهلة يومين ليفكر فى الأمر، ولما انقضى الميعاد جاءه القنصلان يطلبان جوابه النهائى، فأجابهما أنه عرض الأمر على السلطان، وأنه منتظر جوابه، وجاءه قنصل ألمانيا أيضا وقنصل النمسا، وطلبا إليه التنازل عن العرش مؤيدين طلب قنصل إنجلترا وقنصل فرنسا، فكان جوابه لهما مثل جوابه لزميليهما».
كان إسماعيل يحاول تحفيز الدولة العثمانية التى تتبعها مصر، ويأتى منها فرمانات تنصيب وخلع الحكام من أسرة محمد على، واختار إسماعيل أن يستميلها بالرشوة، وفقًا للأيوبى، موضحًا: «بعث إسماعيل فى أواسط إبريل 1879 بطلعت باشا «أحد رجال حاشيته» إلى الأستانة، مزودًا بالذهب اللازم لمعاكسة ذلك اللغم، وحمله على ما يقال مبلغا جسيما للسلطان نفسه «عبدالحميد»، ومبالغ أخرى كبيرة للصدر الأعظم وموظفى المابين والديوان، فقبل السلطان ووزراؤه الرشوة والهدايا المرسلة إليهم، ولكنهم إما لأنه كان يعوز طلعت باشا كثيرًا من سياسة نوبار فى مصر، وإما لأنه كان ينتظر من حليم «ابن محمد على وعم إسماعيل» ما يربو على المقدم من إسماعيل، وإما أيضًا لأنهم أحسوا بأفول نجم إسماعيل، لم يرتبطوا مع مندوبه بوعد صريح، ورغم بقائه بين جدرانهم أكثر من شهر، يبذل ويعد، عاد إلى مصر يحمل فوق خفى حنين، الأمل بأن الخطر قد يبدد».
جملة الاحتمالات التى يضعها «الأيوبى» كأسباب لرفض السلطان العثمانى لرشوة إسماعيل أكدت على أن تركيا تقف فى نفس الخندق الذى تقف فيه الدول الأوروبية المطالبة بعزله، وطبقًا للرافعى، فإنه فى ساعة متأخرة من ليلة 24 يونيو توجه قنصلا فرنسا وإنجلترا وقنصل ألمانيا إلى سراى الخديو، وطلبوا مقابلته، فأحدث مجيئهم فى تلك الساعة المتأخرة من الليل انزعاجا فى السراى، خاصة بين السيدات من آل إسماعيل، وتوهمت والدة الخديو، أن ثمة مكيدة تدبر لقتله، فرجته أن لا يقابلهم، ولكنه إذ علم أن القادمين هم قناصل إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وأن شريف باشا كان معهم، رضى بمقابلتهم، وكان فى حالة اضطراب شديد، فطلب إليه القناصل أن يتنازل عن العرش، ولكنه رفض وثبت على الإباء.
بقيت هذه الدول على إجماعها بعزل إسماعيل، وفى يوم 26 يونيو 1879، أصدر السلطان العثمانى بناءً على قرار مجلس الوزراء فى الأستانة قراره بخلع إسماعيل وتنصيب ابنه توفيق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة