فاز إبراهيم رئيسي القاضى الذى ينتمى للتيار المحافظ برئاسة إيران، وأصبح خليفة الرئيس حسن روحانى المنتهية ولايته، بعد حصوله على 62% من أصوات الناخبين، وبحسب وزارة الداخلية الإيرانية، حصل رئيسي على " 17 مليونا و950 ألف صوت من أصل 28.6 مليونا من أصوات المقترعين، بنسبة اقتراع بلغت 48.8 %، وهي الأقل منذ انتصار الثورة الإيرانية.
ويصعد رئيسي إلى سدة الحكم في وقت تمر إيران بظروف اقتصادية صعبة للغاية بسبب العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة وارتفاع حدة انتشار وباء كوفيد-19 بين المواطنين، فضلا عن تفشي البطالة وغياب الآفاق الاقتصادية للملايين من الإيرانيين وظهور مشاكل بيئية.
على الصعيد الخارجي، تستعد طهران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الدول الغربية، لعله يخرجها من الأزمة الاقتصادية، ويسمح بعودة المستثمرين والشركات العالمية إلى البلاد، كما تريد أيضا تحسين علاقاتها الدبلوماسية مع جيرانها، وبالتالي فإن تحديات اقتصادية وسياسية وصحية عديدة تنتظر رئيسي.
ويعد الوضع الاقتصادي أولوية في جدول أعمال الرئيس الإيراني الجديد، لا سيما أن إيران دخلت في ركود اقتصادي اعتبارا من العام 2018، في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق النووي، وإعادة فرضها عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، وزادت من حدة الأزمة تبعات جائحة كوفيد-19 التي تعد إيران أكثر الدول تأثرا بها في منطقة الشرق الأوسط.
وتأتي مسألة تطبيع العلاقات مع واشنطن كأحد أهم التحديات أمام الرئيس الإيراني المنتخب، لأنه حسبما يرى الباحث الفرنسي كليمان تيرم المتخصص بالشأن الإيراني في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، فإن مجرد العودة إلى الاتفاق النووي «لن يؤدي إلى عودة المستثمرين الأجانب إلى السوق الإيرانية على المدى القريب».
ويضيف أن شرطا لا غنى عنه لحصول ذلك، هو تطبيع في العلاقات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن، لذلك، يعتبر تيرم أن «على الرئيس الإيراني الجديد إيجاد مسار جديد من أجل ضمان تحسّن بالحد الأدنى للظروف الاقتصادية للشعب من خلال إدارة منسوب التوتر مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن».
كما أن الجائحة تعد العقبة الكبري، لأن إيران هي أكثر دول الشرق الأوسط تأثرا بفيروس كورونا، ولم تتمكن حتى الآن من المضي قدما في حملة التلقيح الوطنية بالسرعة المرغوبة، فإن توفير اللقاحات لإنهاء أزمة وباء كوفيد-19 يعد من بين أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الإيراني الجديد.
من هو إبراهيم رئيسي؟
ورئيسى هو قاض من غلاة المحافظين (متشدد) اتهمته الولايات المتحدة بانتهاك حقوق الانسان، وفرضت عليه عقوبات فى 2019، وأحد المتشددين الذى لا يؤمنون بفكرة التفاوض مع الغرب.
وخسر إبراهيم رئيسى الانتخابات الرئاسية فى 2017 أمام حسن روحانى. وحصل على 38% من الأصوات، وبالرغم من ارتدائه عمامة سوداء، إلا أنه لا ينتمى إلى صف "آية الله" بل إلى "حجة الإسلام" وهى درجة دينية سفلى فى هرم الإسلام الشيعى.
ورئيسى هو رجل دين يبلغ من العمر60 عاما، ويعد بين المقربين من المرشد الأعلى على خامنئى، باعتباره كان أحد طلابه فى إحدى المدارس الدينية بمدينة مشهد حيث ينحدر، يحظى بثقته، وينحدر مثله من مدينة مشهد الدينية التى تقع شمال شرق إيران.
وعينه المرشد مرات عديدة على رأس مناصب حساسة، أهمها رئيس السلطة القضائية، وازدادت حظوظه بالفوز بعدما رفض مجلس صيانة الدستور ملفات ترشح عدد من الشخصيات السياسية الإيرانية. فيما وصفته الصحافة الإصلاحية الإيرانية بـ"المرشح الذى لا يملك أى منازع".
تم تعيينه من قبل خامنئى فى 2016 على رأس المؤسسة الخيرية "أستان قدس رضوي" التى تتكلف بتسيير شؤون ضريح الإمام رضا الذى يقع فى نفس المدينة، ويعتبر الضريح من بين أبرز مواقع الحج بالنسبة للمسلمين الشيعة ويجتذب الكثير من الأموال لهذه المؤسسة الخيرية التى تقوم بعد ذلك باستثمارها. كما تمتلك المؤسسة عقارات عديدة وأراضى زراعية وشركات فى مجالات مختلفة، كالبناء والسياحة وصناعة المواد الاستهلاكية. بعبارة أخرى توصف هذه المؤسسة بالدولة داخل الدولة الإيرانية.
كما ترأس إبراهيم رئيسى مؤسسة "أستان قدس رضوي" لمدة 3 سنوات. الأمر الذى منحه قوة سياسية كبيرة ونفوذ فى شتى المجالات، لأن من يترأس مثل هذه الجمعية الخيرية الغنية يعنى أنه يقوم بتسيير "إمبراطورية" اقتصادية. لكن بعد ثلاث سنوات من العمل، عينه القائد الأعلى للثورة الإسلامية رئيسا للسلطة القضائية الإيرانية فى مارس 2019 وهو منصب حساس وكلفه بـ"مكافحة الفساد".
وغداة تعيينه فى هذا المنصب، شرع إبراهيم رئيسى فى محاكمة مسؤولين إيرانيين كبار وقضاة بتهمة الفساد، فيما استغل المحاكمات القضائية لإبعاد بعض المرشحين الذين كانوا من الممكن أن ينافسونه بقوة فى الانتخابات الرئاسية، على غرار المسؤول السابق على السلطة القضائية صادق لاريجانى، وهو أخ على لاريجانى الذى رفض مجلس قيادة الثورة الإيرانية ملف ترشحه لاحتمال تورط أحد أقاربه فى قضية فساد.
هذا، وجعل إبراهيم رئيسى محاربة الفساد قضيته الأساسية وأحد شعارات حملته الانتخابية. أكثر من ذلك، فلقد قدم نفسه على أنه "عدو الفساد والأرستقراطية وعدم الكفاءة". كما وعد فى حال انتخب رئيسا لإيران بمكافحة "الفقر".
هذا، ولا يحظى إبراهيم رئيسى بسمعة طيبة من قبل الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان، خاصة تلك التى تمثل الجالية الإيرانية فى الخارج، بل اسمه يذكر بـ"الساعات المظلمة" التى مرت بها إيران عندما كان مسؤول السلطة القضائية للبلاد.
كما احتل منصب مساعد وكيل الجمهورية للمحكمة الثورية الإيرانية فى طهران خلال الثمانينيات إذ شارك فى العديد من المحاكمات.
يرى بعض الإيرانيين فى إبراهيم رئيسى أيضا الخليفة المحتمل للمرشد، الذى يعانى من المرض منذ عدة سنين، واحتلاله حاليا منصب نائب رئيس "مجلس الخبراء" الإيرانى، الذى يملك الصلاحية الكاملة فى تعيين خلف للمرشد الأعلى فى حال توفى هذا الأخير، يمنحه حظوظ أكبر للوصول إلى ذلك.
وفوز رئيسى يعزز حظوظه لتولى منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية فى حال وفاة على خامنئى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة