أكد اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاسترتيجية، أن مصر التى ترتبط بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة لازالت حريصة على توفير المجال أمام الإدارة الجديدة للتحرك بشكل فعال من أجل التوصل إلى حل مرضى وملزم لجميع الأطراف بشأن ملئ وتشغيل سد "النهضة" الإثيوبي؛ بما يحقق مصالح كافة الأطراف.
ورأى اللواء محمد إبراهيم - فى مقال بعنوان "حدود الدور الأمريكى فى أزمة السد الإثيوبي" نشر اليوم السبت على موقع المركز - أن الزيارة التى قام بها المبعوث الأمريكى الخاص بمنطقة القرن الإفريقى جيفرى فيلتمان إلى مصر فى الخامس من مايو الجارى اكتسبت أهمية خاصة فى ضوء العوامل الأربعة التالية: العامل الأول أن المبعوث الأمريكى التقى مع الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو ما يعكس مدى الأهمية التى توليها القيادة السياسية لأزمة السد الإثيوبى من ناحية، مع تعويل مصر على دور أمريكى فعال لحل هذه الأزمة من ناحية أخرى.
وأضاف "العامل الثانى أن المبعوث الأمريكى استمع إلى شرح مستفيض لتطورات هذه الأزمة ورؤية مصر للحل من أعلى مستوى سياسى فى مصر حتى تكون الأمور واضحة وقاطعة ولا تقبل أى جدل، العامل الثالث أن هذه التحركات تمثل أول تدخل مباشر من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة فى أزمة السد الإثيوبي، وهو ما يعكس الأولوية التى تمنحها إدارة الرئيس جو بايدن لهذه الأزمة فى إطار إهتمامات السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة، والعامل الرابع أن مصر كانت هى الدولة الأولى التى يتوجه إليها المبعوث الأمريكي، وذلك فى إطار جولة تشمل أيضاً كل من السودان وإثيوبيا وإرتيريا؛ الأمر الذى يؤكد عمق العلاقات الإستراتيجية القائمة بين كل من مصر والولايات المتحدة".
ولفت إلى حرص الرئيس السيسى على أن يقوم ببلورة المبادئ التى تحكم الموقف المصرى تجاه هذه الأزمة من أجل أن تكون واشنطن على دراية كاملة بكافة جوانب الموقف.
وتابع اللواء محمد إبراهيم "وفى هذا المجال أكد الرئيس السيسى للمبعوث الأمريكى على النقاط الرئيسية السبع التالية: النقطة الأولى أن مصر انتهجت اسلوباً مرناً فى التعامل مع هذه الأزمة منذ بدايتها وعلى مدار السنوات الماضية. النقطة الثانية: أن النهج المصرى فى المفاوضات استند على أهمية التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً يحقق مصالح كل من مصر والسودان وإثيوبيا.. النقطة الثالثة: أن أى اتفاق يمكن التوصل إليه يجب أن يراعى حقوق ومصالح مصر وأمنها المائى وأن يمنع إلحاق الضرر بها.. النقطة الرابعة: أن جميع الجهود التى بذلت خلال عملية التفاوض لم تتوصل إلى الإتفاق الذى كنا ننشده نتيجة غياب الإرادة السياسية لدى الطرف الآخر.. النقطة الخامسة: أن مصر لازالت تسعى إلى التوصل إلى اتفاق عادل وملزم ومنصف لملئ وتشغيل السد من خلال مسار المفاوضات برعاية الإتحاد الإفريقى بقيادة الرئيس الكونغولى فيليكس تشيسيكيدى.. النقطة السادسة: أن هذه القضية تعد قضية وجودية بالنسبة لمصر التى لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بمقدرات شعبها.. النقطة السابعة: ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولى مسئولياته تجاه حل هذه الأزمة، مع التأكيد على أهمية الدور الأمريكى المؤثر فى هذا الشأن".
وأكد اللواء محمد إبراهيم أنه بلا شك أن هذه النقاط السبع التى أكد عليها الرئيس السيسى لا تمثل فقط رؤية القيادة السياسية، ولكنها تعبر بصورة دقيقة عن موقف الشعب المصرى تجاه هذه الأزمة.
وقال: "وفى رأيى أن الرئيس كان حريصاً على أن يوجه للمبعوث الأمريكى رسالة شديدة الأهمية ذات ثلاثة أبعاد، وأول هذه الأبعاد أن مصر لازالت حريصة على التوصل إلى حل سياسى لهذه الأزمة من خلال عملية التفاوض رغم كل المعوقات الإثيوبية، وثانى هذه الأبعاد أن قضية المياه بالنسبة لمصر تعد قضية حياة ووجود بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني، أما البعد الثالث فهو أن مصر لازلت تعول الآمال على اضطلاع واشنطن بدور مؤثر ينهى هذه الأزمة فى أقرب وقت ممكن".
واعتبر أنه وفى نفس الوقت كان المبعوث الأمريكى حريصاً من جانبه أن يؤكد خلال اللقاء مع الرئيس على أن الإدارة الأمريكية الجديدة جادة فى حل تلك القضية الحساسة نظراً لما تمثله من أهمية بالغة لمصر وللمنطقة وبما يتطلب التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة.
وأشار إلى أن إطار التفويض الذى يحمله فيلتمان طبقاً لبيان الخارجية الأمريكية والذى يتمثل فى التزام واشنطن بقيادة جهود دبلوماسية مستمرة للتعامل مع الأزمات السياسية والأمنية المتشابكة فى القرن الإفريقي.
وأضاف أنه من الضرورى أن نستعرض الجهود الأمريكية التى بذلت تجاه أزمة السد الإثيوبى خلال فترة حكم الإدارة الأمريكية الجمهورية السابقة، حيث اتخذت واشنطن مجموعة من الإجراءات الجادة للتوصل إلى حل لهذه الأزمة من خلال الخطوات المتتالية التالية:
- بدء التحرك الأمريكى للتعامل مع هذه الأزمة فى أعقاب الخطاب الهام الذى ألقاه الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال نهاية سبتمبر 2019، حيث طالب سيادته بوساطة دولية للضغط على الأطراف لإبداء المرونة المطلوبة.
- إسراع البيت الأبيض فى أعقاب خطاب الرئيس بإصدار بيان يدعم فيه العملية التفاوضية، ويطالب الأطراف بالتوصل إلى اتفاق بشأن قواعد ملئ وتشغيل السد؛ بما يحقق المصالح المشتركة للأطراف الثلاثة ويحافط فى نفس الوقت على حقوقهم فى التنمية، مع ضرورة احترام كل طرف حقوق الأطراف الأخرى فى المياه.
- قيام الولايات المتحدة بعقد اجتماع مع ممثلى الدول الثلاثة (وزراء الخارجية والري) يوم 6 نوفمبر 2019 بواشنطن بمشاركة وزير الخزانة الأمريكى وممثلى البنك الدولي، مع قيام الرئيس الأمريكى دونالد ترمب بالإجتماع بنفسه مع هذه الوفود وحثهم على التوصل إلى اتفاق.
- تم التوصل خلال هذا الاجتماع إلى بلورة آلية تفاوض تشمل ستة اجتماعات تم تقسيمها على مستويين رئيسيين أولهما على المستوى السياسى (اجتماعان فى واشنطن لتقييم نتائج المفاوضات) وثانيهما على المستوى الفنى (أربعة اجتماعات تعقد بالتبادل بين الدول الثلاث إثيوبيا ومصر والسودان) من أجل التوصل إلى الاتفاق المنشود، مع التأكيد على مرجعية إعلان المبادئ الموقع فى مارس 2015.
- تم عقد الاجتماع الأول فى إثيوبيا يوم 15 نوفمبر 2019 بينما تم عقد الإجتماع السادس والأخير بواشنطن فى 15 يناير 2020ـ حيث أسفر هذا الاجتماع عن التوصل إلى بيان خماسى من أهم بنوده (أن عملية الملئ سوف تتم على مراحل تأخذ فى إعتبارها كميات الفيضان المتغيرة من سنة لأخرى - التزام إثيوبيا بالتعامل الإيجابى مع سنوات الجفاف والجفاف الممتد مع ربط سنوات الملئ بطبيعة الجفاف - المسئولية المشتركة من جانب الدول الثلاث فى عملية التشغيل).
- كما تم عقد اجتماع خماسى جديد بمشاركة كافة الأطراف والوسطاء فى واشنطن يوم 13 فبراير 2020 تم خلاله الاتفاق على أن تقوم واشنطن ببلورة إتفاق فى صورته النهائية وعرضه على الدول الثلاث لتوقيعه بواشنطن فى نهاية فبراير 2020.
- نجاح الولايات المتحدة وممثل البنك الدولى فى التوصل إلى اتفاق قامت واشنطن بصياغته بناء على ما توصلت إليه مفاوضات الأطراف الثلاثة، وقد قامت مصر من خلال وزير الخارجية سامح شكرى بالتوقيع على هذا الاتفاق بالأحرف الأولى يوم 28 فبراير 2020 تأكيداً لحسن نواياها، بينما غابت إثيوبيا من الأساس عن الحضور إلى واشنطن وبالتالى لم توقع على هذا الاتفاق، وتجدر الإشارة هنا إلى أن ممثل السودان حضر إلى واشنطن ولكنه لم يوقع على الاتفاق فى ضوء تعنت الموقف الإثيوبي".
وأضاف أنه وإذا ما انتقلنا إلى الجهود الأمريكية الحالية يمكن القول أن تركيز المبعوث الأمريكى جيفرى فيلتمان، خلال جولته الراهنة، على قضية سد "النهضة" الإثيوبى وتأكيده على أهمية التوصل إلى حل سياسى لهذه الأزمة يعد خطوة أمريكية إيجابية من شأنها أن تفتح المجال أمام الدخول إلى مرحلة جديدة من المفاوضات من المفترض أن تكون مختلفة عما سبق شكلاً وموضوعاً.
ورأى اللواء محمد إبراهيم أن هناك ستة مطالب أساسية من الولايات المتحدة خلال الفترة القريبة المقبلة وهى كما يلي:
- المطلب الأول: المساعدة الأمريكية الجادة فى التوصل إلى اتفاق يحقق مصالح كافة الأطراف، مع استخدام واشنطن ماتراه من وسائل مناسبة للوصول إلى هذا الهدف.
- المطلب الثاني: أهمية أن تكون واشنطن على قناعة كاملة بأن هذه الأزمة فى حالة استمرارها سوف تكون لها تداعيات حقيقية على استقرار المنطقة وعلى مصالح كافة الأطراف، ويجب ألا يعتقد أحد أن الوقت للتوصل لاتفاق لايزال طويلاً أو إننا لازلنا نمتلك ترف عامل الوقت.
- المطلب الثالث: ضرورة أن تدرك الولايات المتحدة أن مصر وهى أكثر الدول المتضررة من السد - مع السودان بالطبع - لازالت حريصة على استئناف العملية التفاوضية والتوصل إلى اتفاق مرضى للجميع يحقق المصالح الإثيوبية، ولكن بشرط رئيسى وهو عدم الإضرار بالمصالح والحقوق المصرية المائية.
- المطلب الرابع: أهمية أن تعلم الولايات المتحدة أنها قد نجحت من قبل فى التوصل إلى اتفاق فى فبراير من العام الماضى رفضت إثيوبيا التوقيع عليه، وأن المشكلة تمثلت فى أن واشنطن لم تقم باستكمال الدور المأمول لدفع الأطراف الأخرى للتوقيع عليه وهو ما نرجو ألا يتكرر مستقبلاً خاصة وأن رفض إثيوبيا التوقيع على الاتفاق منذ حوالى عام ونصف العام جاء فى وقت لم تكن فيه الأوضاع بالخطورة الحالية التى تقترب فيها إثيوبيا من الملئ الثانى بكل تداعياته دون التوصل لإتفاق مع دولتى المصب.
- المطلب الخامس: أهمية تحديد واشنطن موعدا لاستئناف المفاوضات خلال فترة زمنية قريبة بمشاركة فعالة من جانبها ومن الاتحاد الإفريقى بالطبع، مع ضرورة أن يتحول دور الوسطاء فى هذه المرحلة من مجرد مراقبين فقط إلى وسطاء لديهم القدرة على طرح أفكار جديدة أو حلول وسط من شأنها أن تقرب وجهات النظر الخلافية، وأعتقد أن الولايات المتحدة لديها الخبرات الكافية لحل مثل هذه الأزمات.
- المطلب السادس: ضرورة أن تكون واشنطن على قناعة بأن مصر التى تمسكت طوال المراحل السابقة بالعملية التفاوضية دون أية نتائج لاتزال حريصة على النهج التفاوضي، ولكن فى نفس الوقت فإن مصر لن تقبل مطلقاً ومهما كانت النتائج بأن يستمر المسار التفاوضى إلى ما لا نهاية حتى لا نجد أنفسنا أمام أمر واقع يؤثر بالسلب على الأمن المصرى المائي.
واختتم اللواء محمد ابراهيم مقاله بالتأكيد على أن مصر التى ترتبط بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة لازالت حريصة على أن توفر المجال أمام الإدارة الجديدة للتحرك بشكل فعال من أجل التوصل إلى حل مرضى وملزم لجميع الأطراف بشأن ملئ وتشغيل السد بما يحقق مصالح كافة الأطراف، وفى الوقت نفسه سوف يمثل ذلك إنجازاً يحسب لصالح إدارة الرئيس بايدن، وبالتالى ففى ضوء جولة المبعوث الأمريكى يمكن القول أن الوقت قد حان لوضع حدٍ لهذه الأزمة نظراً لأن استمرار الموقف الإثيوبى الرافض لكافة المقترحات والإتجاه للملء الثانى دون اتفاق سوف يدخل المنطقة فى مرحلة عدم استقرار أعتقد أنها ستكون غير مسبوقة"، مشيرا إلى أن مصر تسعى بكل جدية ومصداقية وحسن نوايا إلى تجنب الوصول إلى هذه المرحلة وهى مسئولية تقع بالأساس على إثيوبيا وعلى المجتمع الدولى بما فى ذلك الجهود الأمريكية التى تقدرها مصر وتأمل نجاحها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة