القرآن الكريم، معجزة الله الكلامية، جاء مليئًا بالجماليات البلاغية، ويحمل الكثير من الصور البلاغية العظيمة والتعبيرات الجمالية الجديرة بالتوقف، فجاء كـ آية للناس بجلال كلماته وجمال مفرداته وعظمة بلاغته، رسالة الهدى على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، هدى للناس وبيانات من الهدى والفرقان، وقادر على جذب أسماعهم وأبصارهم، ويأسر قلوبهم.
والقرآن حافل بالعديد من الآيات نزلت بلغة جميلة قادرة على التعبير الجمالى والتصوير الفنى بالإضافة لزيادة فى المعنى، ومفردات كثيرة زينها الحسن والإبداع والإتقان، ومن تلك الآيات الجمالية التى جاءت فى القرآن: وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)
رحمة الله واسعة، وهداه تعرف طريق قلوب المتقين، الله لا ينسى أحد ولا يتجبر على عباده الصالحين، ذكرت الرحمة فى بداية أسماء الله الحسنى دليلا على رحابة رحمة الله، المؤمنون لهم الجنة ولهم الرحمة، والرحمة واسعة ويشملها أشياء كثيرة من صنع الله تعالى، فالخير رحمة والحب رحمة والسلام والطمأنينة رحمة، لذلك وسعت رحمته كل شىء.
واستنادا لتفسير الطبرى: القول فى تأويل قوله : قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)، قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الله لموسى: هذا الذى أصبتُ به قومك من الرجفة، عذابى أصيب به من أشاء من خلقي، كما أصيب به هؤلاء الذين أصبتهم به من قومك (8) = "ورحمتى وسعت كل شيء"، يقول: ورحمتى عمَّت خلقى كلهم (9).
وقد اختلف أهل التأويل فى تأويل ذلك، فقال بعضهم: مخرجه عامٌّ، ومعناه خاص, والمراد به: ورحمتى وَسِعت المؤمنين بى من أمة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم. واستشهد بالذى بعده من الكلام, وهو قوله: " فسأكتبها للذين يتقون "، الآية.
ومن أسماء الله (الرحمن) وتعنى الرحمة، وهى تشمل البر، والفاجر. المسلم، والكافر. المؤمن، والملحد. وهذه الرحمة التى وسعت كل شيء، هى (رحمة النعمة)، كالحياة، والصحة، والثراء، والأمن، وسائر النعم: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيم}. وهذه تشمل كل مخلوق مكلف، وغير مكلف، مسلم، وغير مسلم.
فالرحمة التى وسعت كل شيء، هى (رحمة الإنعام)، أما رحمة المغفرة، فتؤخذ ضوابطها من السياق، والشوط الدلالي، المحدد بـ: التقوى، والزكاة، والإيمان بالآيات، واتباع الرسول الأمي. فالله حدد من سيكتبها لهم حين قال: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة